يبدو أن نقطة التفوق الاساسية في استراتيجية الأمن الإسرائيلية هي ذاتها مركز الضعف في هذا الأمن, وهي السلاح النووي الإسرائيلي, فبقدر التعويل الإسرائيل علي هذا السلاح كحائط دفاعي نهائي وكورقة ترجيح نهائية في الدفاع عن الوجود الإسرائيلي. بقدر ماتتعامل إسرائيل بافراط شديد ومبالغ فيه مع شبهة تهديد لهذا السلاح تدفع بها إلي التضخيم من مصادر التهديد فهي مثلا لاتحتمل شبهة امكانية امتلاك أي دولة عربية قدرة علي تهديد المنشآت النووية الإسرائيلية ولاتحتمل إمكان امتلاك دولة معادية لها في الإقليم اسلحة نووية أو حتي قدرات نووية مدنية سلمية متطورة. ولاتقبل أي تغيير في معادلة التعامل النووي الغامضة, التي فرضتها هي علي اسلحتها النووية, بما تتطلبه من قبول دولي ضمني بامتلاك إسرائيل هذه الأسلحة, ضمن هذه الثوابت خاضت إسرائيل العديد من المعارك للتفرد في المنطقة بامتلاك السلاح النووي. مفارقة تاريخية بدأ البعض يفكر فيها خاصة بعد ان أصبح السلاح النووي الإسرائيلي, وللمرة الأولي في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, احد ملفات الخلاف بين البلدين في ظل تحولات جديدة تحدث علي صعيد اولويات اجندة المصالح الاستراتيجية الأمريكية علي مستوي العالم خاصة في الشرق الأوسط وخريطة تحولات توازن القوي في العالم وموقع الولاياتالمتحدة منها. الأهم هو الاستراتيجية النووية الأمريكيةالجديدة وتداعياتها علي الالتزامات التاريخية الأمريكية ازاء القدرات النووية العسكرية الإسرائيلية, علي نحو ما كشفه يوسي ميلمان المحلل العسكري لصحيفة هاآرتس الذي أوضح أن الخوف الإسرائيلي ينبع من السياسة النووية الأمريكيةالجديدة الرامية إلي تقليص الأسلحة النووية علي الصعيد العالمي وان من الوهم التفكير بأن سياسة تقليص السلاح النووي في العالم, وصولا إلي التفكيك العام حتي لو كان ذلك مجرد نبوءة أو حتي وهم لن تصل, في نهاية المطاف, إلي إسرائيل أيضا, وكتب ميلمان ان دولا عديدة, وليست فقط عربية, تتساءل عن مضمون سياسية الكيل بمكيالين وعن سبب الاهتمام بإيران وتجاهل إسرائيل, ووصلت إلي استنتاج مفاده ان التغيرات الدولية تطلب من إسرائيل إعادة النظر في سياسة الغموض النووي, والاستعداد للتعامل مع مطلب أمريكي بات محتملا بشأن قدرات إسرائيل النووية. التحسبات الإسرائيلية تحولت إلي ذعر بعد صدور القرارات المهمة عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية التي نجحت في مطالبة إسرائيل بالاسم وللمرة الأولي بالتوقيع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, والمشاركة في مؤتمر دولي تنظمه الأممالمتحدة عام2012 لتنفيذ القرار الصادر عن مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الداعي إلي جعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من الأسلحة النووية. الذعر الإسرائيلي كان سببه صدور هذه القرارات في ظل الحضور الأمريكي والأوروبي, الذي لم ينجح في التصدي للضغوط بقوة والدفاع عن تعهدات أمريكية سابقة بحماية القدرات النووية الإسرائيلية, لذلك سارعت إسرائيل إلي إدانة تلك القرارات واتجهت العلاقات مع واشنطن إلي مزيد من التوتر, وبدأ الإسرائيليون يستعدون لخيارات صعبة في ظل تقديرات إسرائيلية, جاءت علي لسان السفير الإسرائيلي في واشنطن, تحدثت عن وجود تصدع وليس مجرد شروخ في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, وادركوا أيضا ان الأمريكيين اضحوا معنيين بمراجعة علاقتهم مع إسرائيل في ظل وعي إسرائيلي اكده رئيس الاستخبارات الموساد مائير داغان أن إسرائيل تتحول تدريجيا إلي عبء علي الولاياتالمتحدة وليس ذخرا لها. كان التوقع الإسرائيلي في ظل هذه الادراكات والتطورات التي امتزجت بانتقادات إسرائيلية لاذعة لشخص الرئيس الأمريكي علي لسان وزراء إسرائيليين وصفوه بانه كارثة علي المصالح الإسرائيلية, ان تكون محصلة لقاء نيتانياهو مع أوباما في واشنطن منذ اسبوعين هي الفشل, لكن ما حدث كان العكس تماما, اذ تحولت مواقف الرئيس الأمريكي مائة في المائة, وتحدث عن إسرائيل وكأنه المتحدث باسمها. تجاوز الخلاف حول سياسة الاستيطان الإسرائيلية وطالب بمفاوضات فلسطينية إسرائيلية مباشرة, وتجاوز الجريمة الإسرائيلية ضد اسطول الحرية التي كان هدفها كسر الحصار الظالم المفروض علي قطاع غزة, لكن المهم انه اعلن عدم التزامه, عمليا, بكل ماصدر من قرارات عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية وجدد التزامات أمريكا التاريخية بحماية قدرات اسرائيل النووية واعطي كل الاولوية للخطر النووي الإيراني. هذا التحول في مواقف الرئيس الأمريكي كان بمثابة صدمة للعرب الذين تابعوا مسيرة التطور الجديدة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية, وللإيرانيين وللإسرائيليين انفسهم, وإذا كان الإيرانيون قد اخذوا ماورد من تعهدات أمريكية جديدة للإسرائيليين علي محمل الجد, وبدأوا علي الفور في مراجعة الموقف الخاص باحتمالات تجديد التفاوض مع مجموعة5+1 الدول الأعضاء في مجلس الأمن والمانيا بعدما صدر من عقوبات دولية جديدة ضد إيران, ووضعوا شروطا مهمة لهذا التفاوض الجديد في حالة حدوثه ابرزها الربط بين برنامج إيران النووي والتسلح النووي الإسرائيلي, وجعل هذا السلاح احد اسس التفاوض مع إيران, فان الإسرائيليين هم أيضا وعلي رأسهم رئيس حكومتهم بدأوا في مراجعة العلاقة مع الولاياتالمتحدة بهدف الوصول إلي فهم دقيق لمراكز الضعف في هذه العلاقة ومعالجته. الإسرائيليون أدركوا التغيير الذي لحق بدور إسرائيل في الدفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ان التحول الذي حدث في موقف الرئيس الأمريكي في لقائه الأخير مع نيتانياهو قد يكون تحولا تكتيكيا دافعه حاجة الرئيس وحزبه إلي الدعم الإسرائيلي واليهود في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس نوفمبر المقبل التي تأتي في ظروف غير مواتية للرئيس والحزب الديمقراطي, كما ادركوا ان الجانب الاساسي للدعم والالتزام الاستراتيجي الأمريكي نحو إسرائيل يرجع في جزء كبير منه لاسباب ودوافع حقوقية والتزامات اخلاقية من المجتمع الأمريكي نحو إسرائيل. من هنا بدأ الإسرائيليون يعملون لاسترداد قوة ومتانة العلاقة مع أمريكا علي جبهتين الأولي: خلق مصادر جديدة للتهديد في الشرق الأوسط ضد المصالح الأمريكية لتجديد دور إسرائيل المحوري في الدفاع عن هذه المصالح, والثاني: التركيز علي الالتزامات العاطفية والاخلاقية والمعنوية التي تربط المجتمع الأمريكي بإسرائيل, وهذا مابادر به نيتانياهو فورا بعد يوم واحد من لقائه في واشنطن مع قادة اليهود الأمريكيين وبعد يوم واحد من لقائه الناجح مع الرئيس أوباما, إلي التركيز علي الاهتمام بالقيم والمبادئ التي تربط بين الشعبين الإسرائيلي والأمريكي وتعمد تجديد المشاعر التي أحدثتها تفجيرات واشنطن ونيويورك في سبتمير2001, عندما قال انه في الوقت الذي كانت هناك احتفالات في اماكن عدة كان الإسرائيليون يبكون بحرارة مع إخوتهم الامريكيين. هكذا فعل ويفعل الإسرائيليون ومن قبلهم فعل الإيرانيون للتعبير عن صدمتهم من التحول الجديد في سياسة الرئيس أوباما نحو إسرائيل, اما العرب فبعضهم مازال يعاني من صدمة هذا التحول, أما البعض الآخر فمازال يعيش نشوة التشفي في كل من راهنوا علي تحولات أمريكية ضد إسرائيل. المزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس