مجدى العفىفى سألت عشرة من المفكرين ذات مرة سؤالا واحدا قبل سنوات : في أي عصر من التاريخ نحن نعيش؟ وكان من بينهم أنيس منصور ونزار قباني والطيب صالح ود. حسن حنفي وغيرهم من القامات العالية حقا وصدقا في مصر والعالم العربي وبعض الأجانب. منهم من قال : في عصر الطفل اليتيم والصوامع الالكترونية، ومنهم من قال: في عصر القوة الإسلامية، ومنهم من قال: في كل العصور معا ودفعة واحدة، لكن لم يدر بخلد أحدهم أننا نعيش عصر البلطجة السياسية والدينية والقانونية والدستورية والديمقراطية.. نعم بلطجة الفوضي الخلاقة في الشرق الأوسط الذي صار »الشر... الأوسط« وتحاول هذه الفوضي الأمريكية اللعينة أن تتحقق لولا دولة مثل مصر تجاهد بشق الأنفس أن تكون السد العالي ضد هذه اللعبة، لكن أكثر الداعين لها والمروجين لها لا يعقلون ولن.. إن مصر أبدا.. لا هي لعبة ، ولا هي عزبة، ولا هي قبلة في صحراء جرداء، ولا هي تكية، كما يريدون لها، فما لهؤلاء القوم لا يفقهون قانونا، ولا يحترمون أحكاما، ولا يعقلون جناح بعوضة مما يفعلون، وكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون، إذن عليكم أن ترجموا أنفسكم، فكل واحد ينصب من نفسه قاضيا ومشرعا وفقيها وعالما وعلامة وفيلسوفا وعبقريا، وهلم جرا. وأذكر كلمة لعالم الفضاء د. فاروق الباز قالها لي في حديث معه ب " الاخبار"في بداية التحول الديمقراطي: أن مايحدث هو وأشبهه لك جيولوجيا، فالثورة عبارة عن بركان، كتل بينها شقوق، تتحرك كتلة بفعل الضغط، فتتحرك بقية الكتل، حتي تتوازن، فكل كتلة تأخذ مكانا جديدا نتيجة الحركة. وما يشهده المجتمع يشبه التوابع مجرد أفعال توابع مجهدة، لا تدري ماذا تفعل، ولا إلي أين تتحرك ذات اليمين أو ذات الشمال، والكتلة الأساسية تحركت، وما يحدث في مصر الآن من قلق واضطرابات هي نسبة لا تمثل أي خطورة علي المجتمع مقارنة بالثورات التي حدثت في الدول الأخري. ورحم الله أستاذي أنيس منصور وقد أراني فيلما استباقيا في رأسه عن كل ما يحدث الآن ، كان ذلك في مارس 2011 حين أطلق حدس »زرقاء اليمامة« بطريقته، لكنه لم يكن يتخيل الفوضي الي هذا الحد. نحن متعجلون متسرعون، نمشي بسرعة ونتكلم بسرعة، ونتصادم بسرعة، ونأكل ونشرب بسرعة وننام ولا نصحو بسرعة، ولا نعمل إلا بسرعة السلحفاة.. ونحن متفاجئون دائما، نحب فجأة ونكره فجأة، نثور فجأة وننطفئ فجأة، نصعد فجأة ونسقط فجأة، نعيش الفصول الأربعة في ساعة واحدة، وتأتي الرياح، التي لا نتحسبها، فلا تبقي ولا تذر من أفعالنا التي تكاد أن تصبح هباء منثورا. يا عالم »اختشوا بقي« ما هذا النباح والنواح والعويل والفحيح والعواء ولطم الخدود وشق الجيوب،؟ كيف نسمح لأنفسنا أن يحل »المدنس« مكان »المقدس«، أكاد أدعو الله عكس ما هو سائد ومألوف من الدعاء »اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا« لأتضرع »اللهم آخذنا بما يفعل السفهاء منا«. كيف تسول لكم أنفسكم أن تتوهموا فتجعلوا من مصر أضحوكة في نظر الآخرين، والمتربصون كثر، وأنتم تعلمون؟ أين المشهد المصري الخلاق إياه؟ لقد رجمتموه، ولسوف نرجمكم إن عاجلا وإن آجلا، فالتاريخ لا يرحم، ولو بعد حين، إلي هذ الحد وصل الهبوط الأخلاقي من سباب ورزالة وقلة عقل وقلة أدب وقلة دين ممن بدمنون التخريب السلوكي وانحطاط منظومة الأخلاق ، صدق الكاتب ديستوفسكي في رائعته »الإخوة كرامازوف - الأعداء« حين قال »في غياب القيم يصبح كل شئ مباحا حتي القتل«... وإذ قلنا لإخواننا »المحترمين« لا تلعبوا بالدين والديناميت ، قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المتهافتون لهثا وهرولة وكذبا وفضحا وكشفا وانكشافا، وصدق أيضا »جوبلز« وزير اعلام الطاغية هتلر »اكذب اكذب اكذب حتي تصدق نفسك«. وإذ قلنا لمحدثي نعمة مجلس الشعب الذي لم يخلق مثله في البلاد تعقلوا في الممارسة النيابية الموقرة، فإذا بهم يحضرون البجامات ويلبسون الجلابيب والقبابيب علي طريقة »القبقاب يا حنفي« ولذلك كان الغلق بالشمع الأحمر بعد الاستغلاق في الشكل والمضمون، والمثير للضحك أن بعض الموهومين لا يزالون في سباتهم العميق يبكون علي الأطلال، فهل رأي الدهر سكاري ...مثلهم؟ ثقافة الأسئلة مع كل تحفظاتي الفكرية والسلوكية، علي خطاب »تنظيم الإخوان« ولا أقول »المسلمين« ورغم عدم اعترافي بشرعيتهم ومشروعيتهم حتي يرتبوا جمعيتهم، إلا أنني ضد من يستغل الفرصة لضربهم إعلاميا هذه الأيام بالذات »هم موش ناقصين« وكفي خسائرهم الاجتماعية والسياسية والدينية والأخلاقية..أليس كذلك؟