مع حذف واستبعاد ما تحدثه شنط الزيت والسكر، ومع ما يستطيعه تنظيم الإخوان المسلمين الذي يمتد إلي عمق الحواري وإلي اطراف القري، والذي يستطيع الحشد والتعبئة والذي يملك القدرة علي تقديم الرشاوي الانتخابية.. لو حذفنا كل هذا التأثير فإننا نستطيع أن نقول إن الفريق أحمد شفيق قد حاز علي تفويض أغلبية المصريين لقيادة المرحلة القادمة فالرجل لم نسمع عنه انه قدم رشاوي انتخابية كما فعل الإخوان، كما انه لا يمتلك تنظيما عنكبوتيا يسمع ويطيع مثل تنظيم الإخوان المسلمين، كما انه قد خابت توقعات من قالوا بأن المجلس العسكري سوف يتلاعب في نتيجة الانتخابات لصالح الفريق أحمد شفيق، فقد تم الفرز بشكل معلن وساعة بساعة علي قنوات التليفزيون، مما يستبعد أي طعن في نزاهة هذه الانتخابات. ثم جاءت شهادة المراقبين الدوليين كي تقطع الطريق أمام كل من يحاول الطعن في نزاهة هذه الانتخابات ومحاولة تأليب العامة والايقاع بينهم وبين المجلس العسكري. ولم يكن هذا التفويض الذي منح لشفيق نتيجة براعته السياسية، وإنما كان تفويضا لرجل اعتقد الناس انه يستطيع أن يحفظ الأمن، ويستطيع أن يطبق سلطة القانون، وأن يحافظ علي قوام الدولة ومؤسساتها التي تعرضت في الفترة الماضية إلي كثير من العبث والتجريح. وهنا نستطيع أن نقول إن خصوم الفريق شفيق كانوا عونا له، بدلا من أن يكونوا عونا عليه، فقد اكثروا من المليونيات، وتمادوا في الهجوم علي رموز سلطة الدولة مثل وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، فأسقطوا عن أنفسهم صيغة الثورية، واصبحوا أمام الشعب جبهة تحاول تحطيم مؤسسات الدولة ونسف المجتمع. وفيما نجحت ثورة 25 يناير في اسقاط النظام السابق وشرع الشعب يبني مؤسسات جمهورية جديدة، تحولت المنظمات التي تطلق علي أنفسها ألفاظا ثورية الي منظمات للعبث بالأمن العام، وتهديد أركان المجتمع دون ان تنجح في بناء مؤسسات بديلة. ثم جاء الإخوان المسلمون من وسط دعاية ضخمة جعلوا عنوانها شعار الإسلام هو الحل فمنحتهم الجماهير ثقتها يوم أن ساقت الناس إلي القبول بالتعديلات الدستورية، ثم منحهم الشعب ثقته في انتخابات مجلس الشعب فإذا هم لا يملكون من هذا الشعار الا بعض جمل انشائية لا تسمن ولا تغني من جوع، واذا هم يفسرون القوانين تفصيلا لاغراضهم السياسية، كما كان يفعل برلمان فتحي سرور، واذا هم يعرقلون اصدار قانون برفع الحد الأدني للعاملين بالدولة، واذا هم يشعلون معركة مع الحكومة يريدون ان ينتزعوا حق اسقاط الحكومة وقتما يشاءون، ولأنهم كما قال الأستاذ هيكل اهل حشد وتعبئة وليسوا أهل سياسة، فقد عجزوا عن تقديم مكسب واحد للشعب يؤكد مصداقيتهم. ولتوضيح هذه النقطة، فإننا نقول لو ان عبدالناصر سمح باجراء انتخابات برلمانية قبل أن ينفذ قانون الإصلاح الزراعي فإن هذه الانتخابات كانت ستأتي برموز حزب الوفد لانه لا ثورة دون تغيير توزيع الملكية في المجتمع. وما ان اجري عبدالناصر اصلاحه الزراعي حتي ارتفعت شعبيته إلي السماء واصبح زعيما لكتل شعبية عريضة. ولكن منذ ثورة 25 يناير إلي الآن لم يشهد الشعب الا ازمات تموينية متكررة وانفلاتا امنيا وثرثرة سياسية وبطولات زائفة جعلت من همها التهجم علي المجلس العسكري ومحاولة الاعتداء واقتحام وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ودعوة الشعب إلي مليونيات لا اول لها ولا آخر، كل ذلك كان كفيلا بأن يجعل الجماهير تبحث عمن تعتقد انه الرجل القوي الذي يستطيع أن يمنح مصر الاستقرار ويحفظ أمنها وأن يضع حدا لكل هذه المراهقة السياسية التي ترفع شعارات ثورية ولا تفعل اكثر من اقلاق الامن وارباك الطرق. وإذا عدنا إلي المثل الذي ضربناه منذ قليل من ان عبدالناصر قد احتاج إلي أن ينفذ برنامج الإصلاح الزراعي لكي يعطي ثورته شرعيتها التاريخية، ولكي ينقل الولاء من حزب الوفد إلي رموز الثورة فإننا قياسا علي واقعنا الحالي نستطيع القول بأن الجماهير لم تحصل علي مكاسب ملموسة منذ ثورة 25 يناير حتي الآن، بل إنها حصدت الأزمات. كما ان تنظيم الإخوان الذي حصل علي شعبية عالية في الانتخابات التشريعية قد فقد جزءا كبيرا منها في الانتخابات الرئاسية، ولولا ما قدمه من رشاوي انتخابية ولولا تغلغل تنظيمه داخل قطاعات الجماهير لكان قد رسب رسوبا عاليا، ولما استطاع الفريق أحمد شفيق الذي لا يمكن ابعاده عن كونه من رجال مبارك من أن يحوز بمفرده اصواتا تقترب كثيرا من الاصوات التي حصل عليها تنظيم الإخوان المسلمين. ذلك يؤكد أن معظم الناخبين الذين يحترمون صوتهم الانتخابي قد رفضوا رشاوي الإخوان كما رفضوا الشعار الرائد بين المنظمات التي تزعم انها ورثة 25 يناير، والذي يقول يسقط حكم العسكر، فالفريق أحمد شفيق رجل عسكري لا يمكن نفي ذلك وهو من رجال مبارك لا يمكن نفي ذلك ايضا، وهذا تحول اساسي في توجهات الشعب المصري نستطيع ان نرصده ويجب علي كل القوي السياسية ان تعيد النظر في مواقعها وبرامجها وتحركاتها لان رسالة الشعب اوضح من ان يتم تجاهلها ولا يليق ابدابمن ينتسبون إلي الثورة ان يعجزوا عن فهم تحركات الواقع واولي هذه الرموز المستفادة من نتائج الانتخابات هي: اولا: ان الشعب لم يقتنع بالحركات التي لا هدف لها الا تحطيم رموز الدولة لمجرد اثبات الثورية. ثانيا: انه لا يوجد حساسية لدي الشعب من حكم العسكر فالاساس في الحكم ان يكون وطنيا ملتزما بالقضايا القومية بغض النظر عن طبيعة المؤسسة التي ينتمي إليها الحاكم. ثالثا: أن حصول حمدين صباحي علي هذه النسبة المرتفعة من التصويت يعني أيضا أن هناك قطاعا لا يستهان به من الجماهير تدعم برنامجا ينحاز إلي الشعب وإلي قيادة الدولة للتنمية وإلي انتماء مصر عربيا كما كان الشأن أيام عبدالناصر، وان هذا الاتجاه ايضا قد تحرك بقوة وراء المرشح الناصري الذي لم يكن لديه رشاوي يمنحها ولا تنظيم يسوق إليه الكتل الصامتة. ذلك يؤكد ما بدأنا به هذا المقال من انه لو استبعدنا شنط الزيت والسكر وقدرات التنظيم الإخواني علي الحشد فإن الفائز الأول في هذه الانتخابات سيكون الفريق شفيق، وإلي أن يأتي منتصف يونيو حيث موعد انتخابات الإعادة فإن علي جماهير الشعب المصري وعلي المنظمات التي ترفع شعارات ثورية أن تعي طبيعة الخيار التاريخي الذي نحن بصدده وهو.. هل نريد دولة دينية أم نريد دولة مدنية؟ بصرف النظر عن الفريق شفيق أو الدكتور مرسي فالانقسام في المسيرة المصرية أكبر من كلا الشخصين الموقرين اللذين فازا بأعلي الأصوات في الانتخابات الأخيرة.