( ملاحظة : بعد أن كتبت هذه المقالة أغلقت السعودية سفارتها وقنصليتين وسحبت سفيرها من القاهرة ). أود هنا أن أنبه المصريين كافة إلي ما يقوم به البعض منهم ويعود بالضرر البالغ علي مصالح وطنهم، ومن ثم علي المصريين كافة بمن فيهم هذا البعض . أجد بين هؤلاء عددا من الزملاء الإعلاميين صحفيين ورسامي كاريكاتير ومقدمي برامج تلفزيونية . بداية أنا لا أشكك في وطنية أحد منهم أو إخلاصه لبلده . لكن من المهم أن يدرك كل منا مصالح البلد العليا التي هي أهم بكثير من الشهرة التي يكتسبها البعض أو يسعي إليها باتخاذه مواقف حادة علي حساب الوطن. أقول هذا تحديدا تعليقا علي ما تابعته من هجوم شديد تعرضت له المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا بمناسبة حبس المحامي المصري أحمد الجيزاوي في مدينة جدة . في البداية أود التأكيد علي جانبين : الأول : الحق المقرر قانونا وعالميا في التعبير عن الرأي بحرية . وحق المواطن بل وواجبه في التعبير عن غيرته الوطنية وحبه لوطنه . الثاني : وقطعا للطريق علي أي سوء للفهم، وهو أنني في هذا المقال لا أدافع عن السعودية ولا عن أي من حكامها أو حتي مواطنيها . بل أدافع عن مصلحة وطني أولا وأخيرا . فموقفي الفكري والسياسي يتعارض مع نظام الحكم القائم في السعودية كما عبرت عنه في كثير من كتبي وكتاباتي المنشورة . فزعت كمواطن مصري من تعبير بعض المتظاهرين أمام السفارة السعودية في القاهرة عن آرائهم، وكذا فزعت من آراء قرأتها علي مواقع انترنت، ووصل التجاوز أحيانا إلي حد السب والقذف والإهانة. كما اختلفت مع ما ورد في بعض من وسائل الإعلام المصرية لهذه الأزمة. حيث خاصمت قواعد الإعلام التي يدرسها طلابه، وتجاوزت معالجة أزمة المحامي المصري نفسه، إلي الهجوم علي السعودية شعبا وحكاما. وسأعطي بعض الأمثلة : رسم كاريكاتوري في صحيفة يومية خاصة يصور سعوديا يشبه الملك يمسك كرباجا ويقول : " ما جلدنا حدا اليوم، كيف هذا؟ بتهرجوا!!" والمعني واضح . الصفحة الأخيرة كلها لصحيفة خاصة أخري لموضوع عناوينه الرئيسية : " احمد الجيزاوي المحامي الذي هز عرش الملك . جمعة جلد مصر في السعودية . القضية خطيرة تقترب من رأس من يعتقدون أنهم فوق البشر " . ولا أستطيع أن أفوت الخطأ اللغوي في العنوان السابق الذي أفرد كلمة رأس وجمع يعتقدون . والصحيح قول : رؤوس من يعتقدون، هذا إن قصد الجمع . عمود لأحد الزملاء في جريدة يومية قومية يتجاوز أزمة الجيزاوي ليطالب مباشرة بتدويل الأماكن المقدسة في السعودية . ذلك بعد كيل من الاتهامات " للنخبة الحاكمة.. والنظام السعودي". وفي غمرة انفعاله يقارن بين إسرائيل والسعودية لتخرج إسرائيل أفضل لأنها "تؤمن الزائرين والقاصدين للأماكن المقدسة " . هكذا ! إذن ماذا عن منع جنود الاحتلال الإسرائيلي لكل من هم تحت سن الخمسين من الرجال الفلسطينيين أنفسهم من الصلاة في المسجد الأقصي ؟؟ أما التليفزيون فسأعطي مثلا بمذيعة إحدي القنوات الخاصة التي أشعر كلما رأيتها أنها تحدثنا من مطبخ منزلها . أليس عندها صالون أو صالة تحدثنا منها ؟ رأيتها تصب الزيت علي النار في تناولها لقضية الجيزاوي. وتنسي تماما علاقة هذا التناول بمصالح بلدها . طيب هل ستعوضنا أموال صاحب القناة عن أموال السعودية ؟ أجد نفسي في موقف معقد . فصاحب القناة أسس ويمول حزبا ليبراليا، وأنا من هؤلاء . وقد انتخبت قائمة الكتلة الوطنية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي فاز بها الإخوان والسلفيون . فهل أقف مع المذيعة لأنني ليبرالي أم أقف مع وطني لأنني مصري أولا ؟ الإجابة واضحة . هذه مجرد أمثلة . فماذا يتوقع أصحابها ؟ هناك أكثر من مليون مصري يعملون في السعودية . ماذا إذا انفعل السعوديون وقرروا الاستغناء عنهم ؟ هل تتحمل ظروف مصر الاقتصادية الحالية توفير فرص عمل لهم وتعليم لأبنائهم ؟ وهل يستطيع هذا الاقتصاد أن يعوض الأموال التي تحولها سنويا الجالية المصرية هناك لذويها هنا والتي تقدر بملايين الدولارات ؟ وماذا إذا انفعل السعوديون وقرروا سحب استثماراتهم في مصر أو وقفها وتقدر بمليارات الدولارات ؟ هل يستطيع الاقتصاد المصري في ظروفه الحالية تعويض هذه الاستثمارات ؟ وماذا إذا تأثرت دول خليجية أخري تعاطفا مع السعودية، التي لها موقع القيادة بينها؟ قالوا أن المملكة تنتقم من ثورة يناير، فهل تنتقم دولة من دولة أخري في شخص مواطن فرد!؟ ولماذا منحت المملكة نصف مليار دولار لمصر في مايو الماضي ؟ ووعدت بما يقرب من 4 مليارات دولار أخري . كيف يساعدوننا ونسبهم ؟ ماذا إذا رد البعض من المواطنين السعوديين الصاع صاعين ؟ هل نعلنها حربا شعبية بين البلدين ؟ ثم نجرد الجيوش . هذا ما يمكن أن نطلق عليه العبث بالمصالح العليا . أنا لم أتحدث هنا عن وطن عربي أو قومية ولا يحزنون . السياسة مصالح كما هو معروف في العالم . وعلي المصريين الوطنيين أن يحافظوا علي مصالح بلدهم . ولا يجب أن ندع قضية مواطن أيا كان تضرب مصالح وطن . ليس معني هذا علي الإطلاق أنني أوافق علي إهانة أي مصري أو ظلمه لا في السعودية ولا في مصر نفسها . وليس معناه أن نخضع لأحد . لكن النظر إلي المصريين علي أنهم ملائكة لا يخطئون لا يفيدهم . هناك من يخطئ من المصريين مثلما هناك من يخطئ من السعوديين لأنهم بشر . والقضايا تعالج بالعقل وليس بالعواطف . لنستمع لصوت العقل، ونحصل علي حقوق مواطنينا بالقانون وليس بضرب مصالح الوطن .