وزارة العمل تعلن 3000 فرصة عمل في مشروع محطة الضبعة النووية.. رابط التقديم    ورشة عمل عن التدقيق اللغوي وعلامات الترقيم بتربية سوهاج    محافظ بني سويف يوجه بمراجعة جاهزية مخرات السيول استعدادًا ل الشتاء    وزير البترول يعين 15 معاونا لرؤساء الشركات    في اليوم العالمي للبيض، تعرف على أغلى أنواعه بالعالم    إنشاء أول معهد عالي تكنولوجي تابع لمؤسسة التكافل الاجتماعي في الوادي الجديد    روبوتات تسلا.. خدعة الذكاء الاصطناعي أم مستقبل واعد| فيديو    القسام تستهدف ناقلة جند إسرائيلية، والاحتلال يعترف بإصابة 20 عسكريا في غزة ولبنان    كشف حساب زيارة الرئيس السيسي لإريتريا (فيديو وصور)    بلومبرج: بايدن ضغط على نتنياهو لاقتصار الرد الإسرائيلى على أهداف عسكرية    كوريا الشمالية تتهم جارتها الجنوبية بإلقاء منشورات على عاصمتها    تصفيات أمم إفريقيا، تشكيل موريتانيا لمواجهة منتخب مصر    تصفيات كأس العالم - مانشيني يستدعي مدافع أهلي جدة بدلا من لاعب روما    الزمالك في قلب العاصفة.. شائعات المنشطات مع مشكلات القيد وجماهير الأبيض تترقب "تقرير"    الصفقة الجديدة تفشل .. أوفى إيجاريا يرفض الاختبار فى الزمالك ويغادر القاهرة    إعدام 65 طن مخلل غير صالح للاستهلاك الآدمي بالدقهلية    قطار محاكمات الأسبوع| محاكمة المتهمين في واقعة مؤمن زكريا وإمام عاشور    «الداخلية» توجه قوافل بالمحافظات مزودة بوحدات إلكترونية لتقديم خدمات الأحوال المدنية    الاعلامى محمد فودة يحتفى بميلاد عمرو دياب.. ويؤكد:"ساحر الألحان وماستر سين الأغنية الراقية"    دار الأوبرا المصرية تتصدر محركات البحث قبل انطلاق مهرجان الموسيقى العربية بساعتين    "مريم الخشت" تتصدر التريند بعد حفل زفافها    تتراوح من الاكتئاب إلى الانفصام، أعراض وعلامات المرض النفسي لدى الأطفال والبالغين    جمعية رعاية مرضى الكبد تطلق قافلة طبية شاملة بدمياط    وزير الطيران المدني: المطارات المصرية ليست للبيع    طلاب جامعة المنوفية ينجحون في تحرير 4744 مواطنا من الأمية    روسيا تتهم سويسرا بالتخلي عن مبدأ «الحياد» في القضية الأوكرانية    ضمن جهود مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان.. الصحة تنظم دورات تدريبية حول الإسعافات الأولية من خلال فروع الهيئة بالمحافظات    جنوب سيناء تطلق برنامجًا رياضيًا احتفالًا باليوم العربي للمسنين    في إطار مبادرة "بداية".. عقد 685 لجنة تظلم لفحص طلبات الراغبين بالحصول على بطاقة إثبات الإعاقة والخدمات المتكاملة    بالصور- محافظ بورسعيد يفتتح مسجدا جديدا بمنطقة كربة عايد    الأنبا توماس يشارك في ورشة العمل "القادة الدينيين وبداية جديدة لبناء الإنسان"    دويدار يؤكد.. ثنائي الأهلي سيكونوا كبش فداء عند خسارة مبارياته القادمة    ضبط 5 آلاف زجاجة زيت مجهولة المصدر داخل مخزن دون ترخيص بالمنوفية (صور)    الصعيد في عيون حياة كريمة.. مدينة إسنا تحصل على دعم كبير برعاية مجلس الوزراء    4 أبراج مخلصة في الحب والعلاقات.. «مترتبطش غير بيهم»    دار الإفتاء توضح فضل زيارة مقامات آل البيت    محاكمة متهمين بقتل صديقهما لسرقته شقة أحدهما بحدائق القبة    حزب الاتحاد ينظم ندوة بعنوان «إفريقيا عمق استراتيجي لمصر ومصير مشترك»    الأردن يدين استهداف الاحتلال الإسرائيلى لقوات اليونيفيل جنوب لبنان    وكيل صحة سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد المركزي ووحدات الرعاية الصحية    بالتزامن مع الاحتفال بذكرى بنصر أكتوبر.. تنسيقية شباب الأحزاب تعلن عن استراتيجيتها الجديدة    فضل الدعاء للأب المتوفي في يوم الجمعة: مناجاةٌ بالرحمة والمغفرة    شبهت غزة بوضع اليابان قبل 80 عامًا.. منظمة «نيهون هيدانكيو» تفوز بجائزة نوبل للسلام    أخصائية تغذية: هذا الجزء من الدجاج لا يُنصح بتناوله    تعرف علي حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    إيمان العاصي عن تجسيد قصة حياتها في «برغم القانون»: «كلام عجيب.. وأبو بنتي مش نصاب»    سفيرة مصر في زامبيا تطالب الكنيسة بتوسيع خدمات المستشفى القبطي    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة سيارات النقل بالأقصر    الصحة: اغلاق عيادة يديرها أجانب مخالفة لاشتراطات التراخيص بمدينة نصر    للنصب على المواطنين، حبس صاحب أكاديمية وهمية لتعليم التمريض بالإسكندرية    ترامب يتعهد بإلغاء الضريبة المزدوجة على الأمريكيين المقيمين بالخارج حال الفوز    خطبة الجمعة اليوم.. تتحدث عن السماحة في البيع والشراء والمعاملات    تغيرات حادة في أسعار الحديد والأسمنت بمصر: التقلبات تعكس الوضع الاقتصادي الحالي    أسعار الخضروات في سوق العبور للجملة الجمعة 11 أكتوبر    تصفيات أمم أفريقيا| منتخب مصر بسعي لمواصلة الانتصارات علي حساب موريتانيا    اختللاط أنساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    ميوزك أورد وجينيس وفوربس.. أبرز 20 جائزة حققها الهضبة طوال مشواره    هشام حنفي: مباراة موريتانيا في متناول منتخب مصر وتصريحات حسام حسن تثير الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بكل أدب
يا بساطي أرجوك: ابق معنا
نشر في الأخبار يوم 29 - 04 - 2012


عزت القمحاوى
لسبب لا أعرفه تركزت صداقاتي في جيل الستينيات من الكتاب، ليس المصريون وحدهم بل العرب كذلك. لم يكن أبناء جيلي يرونني، وبالمقابل لم أكن أراهم.
لعله محض قدر مكتوب، لعلها المصادفة العمياء، ولعل الكسل منعني من الفرار من صحبة الأكبر سنًا، ولم أتحسب للألم الذي سيوقعني فيه هذا الالتحاق المؤلم بجيل سيغادر ويتركني بحكم الطبيعة لا اللؤم إن لم يقتلني مرض أو سيارة أو ثورة.
وقد أعفاني من الحزن الرحماء الذين خذلوني أو خانوا ثورة 25 يناير (الغربال الذي صرت أري منه الناس) وأما القساة، من أمثال يوسف أبو رية وإبراهيم أصلان ومحمد البساطي، فلم يفعلوا ما يجعل عبورهم هينًا.
يوسف أبو رية القنطرة العزيزة بين جيل الستينيات وبين جيلي استأذن مبكرًا قبل الثورة بعامين، ثم مضي أصلان إلي نومته الأخيرة قبل أن تكمل الثورة عامها الأول بأيام. وفي التوقيت ذاته بدأ السرطان اللعين حياكة مؤامرته الخسيسة ضد كبد البساطي، مثلما حاك الفاسدون المؤامرة تجاه كتابته بدأب واقتدار شديدين.
كان البساطي ضد فساد وزير الثقافة المزمن الذي بيده جوائزها وكان ضد فساد النقاد الذين بأيديهم جوائز العرب؛ فلم ينل برتقال مصر أو بلح الخليج، باستثناء جائزة العويس مناصفة مع زكريا تامر، هو الذي نال جائزة تسلمها من عبدالناصر علي أول قصة كتبها. ولأن الأحوال لم تتغير بعد، لم ينل البساطي بعد ما يستحقه من تكريم، حتي أن أحوال مرضه ومحاولات علاجه يتدبرها الآن بكل ترفع وسرية، لم يمد يدًا، ولم تمتد إليه يد الدولة.
لماذا أقول: كان البساطي؟ هو لم يزل في مكانه لم يتزعزع في ظل عنفوان دولة الفساد، لم يمتثل ويعود صاغرًا إلي حظيرة فاروق حسني، ولم تزل الدولة في مكانها أيضًا فلم ينل الجوائز التي فقدت هيبتها بوضعها تحت أقدام الصغار.
وأما كتابة البساطي فلم تزل حية بقوتها الذاتية، بحساسيتها، بكثافة لغتها غير المدركة، وغير المدروسة حتي الآن.
وقد جربنا كثيرًا سقوط الكتابة في اللحظة الأولي التي تتعري فيها من الحضور الفيزيائي لأصحابها. ولكن كتابة البساطي لن تعاني من ذلك، فقد تم اختبارها علي مدار خمسين عامًا لم تكن محروسة بقوة السلاح أو بتنقل صاحبها من مؤتمر إلي ندوة إلي حفل عشاء. عاشت هذه الكتابة الناعمة عزيزة من دون صاحبها المعتزل، الغائب كالميت، أو الذي كان الفاسدون والمقايضون يعتبرونه ميتًا؛ فلا يضعونه في الحسبة عندما يقتسمون المنافع.
الحق أقول إن البساطي، الذي أرجوه الآن أن يتمهل ويبقي معنا، هو الوحيد الذي حذرني من المصير المؤلم لمن يتعين عليهم رثاء أحبابهم.
كان دائمًا ما يذكرني بأنني (عيّل) يفعل ذلك إذا ما خذله المنطق ورأي الحق معي في مناقشة أدبية أو منافسة عاطفية أو حتي في تحديد موعد ومكان اللقاء. وكنت أقول له إنني من صميم جيلهم؛ فما الفرق بين أن تبدأ الكتابة في عقد الستينيات أو تبدأ الحياة فيه؟!
من فرط ثقتي بالضحك وفضائله، كنت أعتقد أن البساطي الضحوك لن يمرض أبدًا. بالضحك يبدأ المكالمة الهاتفية، بالضحك ينهي النقاش، يستخدمه مضادًا للإحساس بالخجل عندما يسترسل أحدهم في مديح روايته الجديدة:
لعلمك أنا كتبتها بصباع رجلي.
يضحك البساطي دائمًا ليهرب من اللحظات العاطفية. لم يخف من شيء قدر خوفه من الحنان. نعرف عنه هذا ونتسامح معه في هروبه من مجالس العزاء. وأرجو أن يتسامح مع عاطفيتي الآن وألا يردها بسخرية وتنكيل مثلما رد مجاملتي الخرقاء منذ أكثر من عشرين عامًا.
كنت قد ضحيت بصحبة فتاة جميلة وفاء لموعدي علي المقهي مع البساطي وطلعت الشايب ويوسف أبور رية، الأمر الذي لم أفعله بعد ذلك أبدًا، لأن سخرية البساطي أنضجتني.
يحكي طلعت عن أحدث إصدار انجليزي، يحكي يوسف عن رواية فاتنة قرأها مصادفة، ويعود البساطي ليجلدني بالسؤال:
قلت لها إيه يا خويا؟ هي هيء، هتقابل اصحابك؟!
ظل يتذكر هذا سنوات طوال، حتي قلت ليته ينسي.
ولم أعد إلي تقديم الصداقة علي الغرام، لكنني تدبرت أمري للجمع بين الحب وبين البساطي وقلة تبقت من أصدقائي القساة.
منذ أسبوعين ألححت عليه لننزل إلي وسط البلد. مررت عليه بسيارتي ولحظه الحسن وجدنا شارعًا مضت فيه السيارة. كان كعادته واقفًا قبل الموعد علي الباب، ضعيفًا وشامخًا. في مقهي الجريون طلب كل المزات التي نطلبها عادة ولن نأكلها الليلة، طلب عصيرًا لم نكن نشربه، وجاء رياض أبو عواد مع صديق صباه شفيق سلوم. تبادلنا رياض وأنا لعبة مغادرة المائدة أو الإشاحة بالنظرة بعيدًا لإخفاء قطرات العاطفة التي لا يحبها البساطي. وكنا بين اختناقة أسي وأخري نعود إلي الضحك الذي يحبه والحديث الذي كنا نتحدثه دائمًا.
وبعدها لم أتلق ردًا من البساطي علي محاولاتي الهاتفية. وسافرت إلي قطر لأختبيء من درب الأعمار، وأنا أكثر إيمانًا بفضائل الكتابة؛ فالمؤكد أن البساطي كتب الكثير الذي لن يموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.