بدر محمد بدر تتلاحق الأحداث والأزمات والمواقف من حولنا بشكل سريع ومباغت، في هذه المرحلة التاريخية العصيبة، وفي هذه الأيام القليلة المتبقية من الفترة الانتقالية، والتي تمر علينا ثقيلة وبطيئة ومملة، هذا التسارع يجعل من الصعب علي الخبير والسياسي متابعة الأحداث وتفسيرها، وبيان خلفياتها ونتائجها، فما بالنا بالإنسان العادي البسيط، الذي لا يكاد يكون رأيا في موضوع إلا وسرعان ما يأتي حدث أو قرار أو موقف يعيد إرباكه من جديد. وما بين كتابة هذا المقال وموعد نشره، تتغير باستمرار الخريطة السياسية، وتطفو علي السطح قضايا جديدة، بينما تتراجع أخري إلي مرتبة ثانية أو ثالثة، فهناك مثلا موقف المرشحين العشرة المستبعدين، هل يعود بعضهم إلي حلبة السباق من جديد أم لا، وهل يقرر بعض المرشحين الحاليين التخلي عن المنافسة أم لا، وما هو الجديد في أزمة لجنة إعداد الدستور، وهل يقبل البرلمان المنتخب بإقصاء أعضائه منها، وماذا عن سحب الثقة من حكومة د. الجنزوري، وغيرها من أمور. هناك مواقف وترتيبات وخيارات لدي الأفراد والجماعات والأحزاب والقوي السياسية، ومن الطبيعي أن تتغير هذه المواقف مع تطورات الأحداث، وما كان صائبا اليوم ربما يكون خاطئا في الغد، فمن يقف خلف مرشح بعينه، ثم رأي أنه أصبح خارج السباق، من الطبيعي أن يذهب إلي الأقرب من فكره ورؤيته ومنهجه، وعلينا أن ندرك أننا قادرون، بعون الله وفضله، علي تحقيق أحلامنا وآمالنا وطموحاتنا ولو بعد حين، ولا نيأس أبدا، مهما اشتدت الأزمات والمعوقات. كنت أتمني أن يخوض اللواء عمر سليمان (نائب المخلوع وأحد أركان النظام الفاسد) سباق انتخابات الرئاسة، التي شارك في حرمان الشعب منها طويلا، كي يكتشف حجمه الطبيعي، ومدي كراهية الناس لما يمثله، وكيف أن ثورة يناير نجحت بامتياز في إيقاظ وعي الأمة، والكشف عن أصالتها وعراقتها، وكيف أن الشعب المصري ليس هو قطيع الخراف الذي يحلم بأن يحكمه بعد الثورة، كنت أتمني أن يلقن الشعب الحر، هذا الرجل وأمثاله، درسا لا ينساه في أصول الحكم. ولكن من الواضح أن حجم المخاوف والقلق وضعف الثقة بين القوي والتيارات الإسلامية من جانب، وبين المجلس العسكري والتيارات اليسارية والعلمانية من جانب آخر، في أعلي حالاته الآن، وبالتالي يتخوف الكثيرون من إمكانية تزوير الانتخابات الرئاسية بصورة تنجح في تغيير النتائج، خصوصا في ظل تحصين الانتخابات من إمكانية الطعن عليها، وهو ما دفع مجلس الشعب إلي إصدار تشريع يمنع فلول النظام السابق من الترشح للانتخابات، خوفا من إمكانية حدوث التزوير. ولا أتصور أن مسئولا عاقلا وواعيا يفكر، مجرد تفكير، في إمكانية تزوير الانتخابات، ناهيك عن أن يقدم عليه بعد ثورة يناير العظيمة، وبعد أن تذوق الشعب المصري حلاوة أن يدلي بصوته في انتخابات نزيهة، يشعر فيها بجدوي المشاركة وأهمية التصويت الحر، لا يمكن أن يسمح هذا الشعب بالتزوير مرة أخري، ولا أتوقع حدوثه في المستقبل بأي نسبة، حتي ولو كانت واحدا في المائة، رغم هذا الجو الضبابي الغامض، وهذا القلق الذي نعيشه، ولكنها الثقة المفقودة. أمامنا بمشيئة الله شهران فقط، ويكون لدينا رئيس جمهورية اختاره الشعب المصري الحر لقيادته في المرحلة المقبلة، ويختار هذا الرئيس الجديد حكومة تحظي بثقة البرلمان، وتعمل تحت رقابته ومحاسبته، ويكون لنا أيضا دستور يعلي من قيمة الإنسان، ويؤكد علي الحقوق والواجبات، ويصنع لنا خارطة طريق نحو نهضة مصر، وبالتالي تكتمل مؤسساتنا الديمقراطية، ونصنع مستقبل بلادنا بسواعدنا الحرة.