عبدالقادر شهيب كنت ومازلت مقتنعا بان معركة الدستور الجديد أهم من معركة انتخاب الرئيس الجديد.. لذلك أرجو ان يوجه من يطمحون في دولة عصرية ديمقراطية جل جهودهم صوب عملية اعداد الدستور الجديد، حتي نطمئن إلي أننا سوف نظفر في نهاية المطاف بدستور يضمن للمواطنين جميعا حقوقهم الأساسية وحرياتهم السياسية والاجتماعية في مجتمع ديمقراطي حقيقي في ظل وجود قوي حاولت ان تنفرد باعداد الدستور وحدها، بدعوي انها تملك الأغلبية البرلمانية، وذلك حتي تصوغ الدستور علي هواها وطبقا لرؤاها التي تبغي فرضها علي جميع المواطنين. ولست أقلل هنا من شأن الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد بضعة أسابيع قليلة، في ظل منافسة لم ينه كل حدتها استبعاد عشرة مرشحين من بين الثلاثة والعشرين مرشحا، خاصة هؤلاء الثلاثة الذين استأثروا بالجدل مؤخرا، وهم اللواء عمر سليمان، والمهندس خيرت الشاطر، والشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل.. إنما الأمر هنا يتعلق بترتيب الأولويات السياسية حسب الأهمية.. هذا من ناحية. أما من ناحية أخري.. فان أي تحليل غير منحاز سوف ينتهي إلي أنه سيكون من الصعب علي أي من مرشحي التيار الديني، د.محمد مرسي وأبوالفتوح ود.العوا، الوصول إلي القصر الرئاسي، حتي في ظل دعم جماعة الإخوان المسلمين للأول، ومساندة تيارات ليبرالية للثاني، وإمكانية حصول الثالث علي نسبة من أصوات السلفيين التي كانت ستذهب لمرشحهم حازم أبوإسماعيل.. ويرجع ذلك إلي اختلاف طبيعة السباق الرئاسي عن السباق البرلماني.. حيث يلعب القبول الشخصي دورا مهما في الانتخابات الرئاسية، في وقت يميل فيه قطاع عريض من الناخبين للبحث عن رجل دوله لهذا المنصب.. وعزز هذا التوجه الاخطاء التي ارتكبها نواب هذه الجماعات والتيارات الدينية منذ فوزهم في الانتخابات ودخولهم البرلمان وحتي الآن. وعموما أيا كان الرئيس القادم الذي سوف يتمكن من الفوز بأغلب أصوات الناخبين، فان هذا الرئيس لن يستمر سوي أربع سنوات فقط يمكننا بعدها اختيار غيره ان لم يرضينا أداؤه، أما الدستور فهو سيكون ملزما لنا سنوات أطول أو لعدة عقود.. بل ان أول رئيس سيتم انتخابه بعد الثورة سوف تكون في انتظاره تحديات هائلة، وان لم يحسن التصدي لها أو تراخي في مواجهتها فانه سوف يواجه بمصاعب شعبية جمة وهائلة، نظرا لان المزاج العام الشعبي لم يعد يقبل منح أي رئيس أو مسئول فترة سماح كبيرة.. ولعلنا اختبرنا ذلك بوضوح في نفاد صبر الرأي العام تجاه البرلمان بعد انتخابه بأقل من ثلاثة أشهر فقط!.. وهذا يعني ان الرئيس الجديد، أيا كان هو وأيا كان انتماؤه، سيجد نفسه مطالبا بالتجاوب مع المطالب الملحة للناس، والتي باتت تتمثل في حياة آمنة تتوفر فيها الاحتياجات الأساسية والضرورية لهم ويظلها العدل الذي تحققه سيادة القانون.. وإذا لم يتجاوب الرئيس مع هذه المطالب الجماهيرية سيكون حساب الناس له عسيرا وبدون ابطاء. لذلك.. لا خوف كبيرا من أن يعتلي بالحيلة موقع رئيس الجمهورية أي مرشح لا يتوفر فيه الحد الأدني المطلوب لمواصفات الرئيس الأول بعد ثورة كان هدفها العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لانه لن يستطيع ان يهنأ بمنصبه حتي لفترة السنوات الأربع.. لكن التحايل علينا في اعداد الدستور هو الأمر الخطير، والذي يحتاج منا إلي يقظة دائمة، حتي نفرغ من إعداد هذا الدستور الذي يلبي مطالبنا ويحفظ لنا حقوقا، ويضمن ان نعيش في دولة لا تفرق بين مواطنيها، ونكون جميعا أمام القانون سواء. وهذه اليقظة نحتاجها أولا في اختيار اللجنة التي ستعد لنا مشروع الدستور الجديد الذي نتطلع إليه.. وذلك لنضمن ان تمثل هذه اللجنة جميع أطياف الشعب المصري.. فقراء وأغنياء، مسلمين ومسيحيين. أهل المدن وأهل القري.. شبابا وشيوخا.. نساء ورجالا.. أهل الوادي وأهل المناطق النائية، وأصحاب الانتماءات السياسية المختلفة. غير ان اليقظة الأكبر هي التي يتعين ان تكون موجودة ازاء محتوي ومضمون الدستور الجديد، وذلك حتي تتأكد من انه يحقق ما ننشده فعلا من دولة ديمقراطية عصرية.. فالدستور سوف يعرض وبعد إقراره من اللجنة التأسيسية علي الشعب.. واليقظة هنا ضرورية لعدم تمرير أي دستور لا يلبي الطموحات الشعبية من خلال تحايل مشابه لما حدث أثناء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية. وهكذا.. بدلا من ان يدعو الآن البعض إلي التوافق بين القوي السياسية حول شخص الرئيس الجديد فليركزوا جهودهم علي التوافق حول الدستور الجديد هو ما يستحق بالفعل من القوي السياسية عناء التوافق حوله.. لان الدستور يتضمن القواعد المنظمة للعيش المشترك بيننا في المجتمع، وهذه القواعد يجب ان نرتضيها جميعا.. أما الرئيس الجديد فلا معني للتوافق عليه.. فالأصل في تحديد الرئيس هو الانتقاء بين متنافسين لاختيار الأفضل من وجهة نظر الناخبين في زمن معين، هو زمن الانتخابات، والا كنا نعود إلي أسلوب الاستفتاء مجددا في اختيار الرئيس، حيث لا منافسة انتخابية ولا يحزنون، أو نعود إلي أسلوب الانتخاب الشكلي والذي يفتقد المنافسة أيضا.. وحتي إذا لم نحسن اختيار الرئيس فنحن سنكون قادرين علي تغييره بعد أربع سنوات ما دام ذلك محددا في الدستور.. وخلال الأربع سنوات ستكون قادرين علي محاسبته ما دام الدستور يمنحنا ذلك. اذن.. المعركة الأهم أمامنا الآن هي معركة الدستور.. والنصر فيها مرهون باعداد دستور يحقق المواطنة الحقيقية والمساواة الكاملة ويحمينا من الطغيان.