أحياناً أشعر أن إبليس يحكم قبضته علي مصر.. وأحياناً أشعر أن مصر امرأة تتجاذبها أياد خبيثة من أطرافها حتي تمزقت.. وأخذت من جسدها النحيل كل ما استطاعت أن تأخذه بقوتها.. وبقيت الأحشاء تنهشها »كلاب السكك«.. ويقف المخلصون علي مسافة تبعدهم عن أذي الوحوش.. وتؤمن موقفهم السلبي.. والابن الأكبر الذي يملك القوة والجاه والسلطان يقف متفرجاً.. ويا ليته كان حتي متفرجاً سلبياً بل هو متفرج إيجابي يساعد الشيطان في تدبير المكائد وضرب الاستقرار.. وجر مصر إلي الوراء.. وكأنه لم تكن هناك ثورة.. ولم يكن هناك طغيان وفساد واستبداد وديكتاتورية.. ولنصل في النهاية إلي أن ثورة 52 يناير كانت وهماً.. وها هي قد تبخرت.. وعاد النظام أقوي مما كان.. وعاد إلي الاذهان فيلم الزوجة الثانية ومشهد للممثل القدير صلاح منصور يقول للقدير شكري سرحان »طلق يا أبو العلا«.. ووقف الشيخ الأزهري المعمم ليقول لأبو العلا »وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم« يعني طاعة أولي الأمر واجبة حتي وإن كانت في معصية.. والعروس لهطة القشطة »سعاد حسني« في دراما تعبر عن حال مصر الماضي والحاضر والمستقبل في ظل حكم العسكر وحكم عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات الذي تخلص من بعض أملاكه أثناء وعقب الثورة.. ولم يسأله المستشار عاصم الجوهري رئيس جهاز الكسب غير المشروع من أين لك هذا.. وكيف يسأل مستشار رئيس جهاز المخابرات الذي يحتفظ بصناديق سوداء لمن لا يسمع الكلام.. ويخرج من بطن أمه ليعطيه صوته وتنتهي الثورة وتنتهي مصر.. ويستمر العالم يضحك علي بلد يعيش عصر هامان وفرعون في عالم السماوات المفتوحة والشوري أو الديمقراطية.. والعجب العجاب ألا يتفق الثوار علي رأي واحد تجاه رجل يملك مفتاح خزائن علي بابا والأربعين حرامي.. عيب أن يخرج تيار يسمي نفسه يميني أو ليبرالي أو بين البينين ليقول: عنداً في الإخوان لا نوافق علي القانون الذي يمنحهم الانفراد بالسلطة.. وآخر يقول نرفض أن يصدر القانون من مجلس الشعب الذي يسيطر عليه الإخوان والسلفيون.. وأنا أقول لكل هؤلاء فلتذهب كل التيارات إلي الجحيم.. وتبقي مصر حرة شامخة.. وكيف تكون شامخة وأذناب النظام السابق مسيطرة علي الحكومة والمجلس العسكري.. لقد أثبتت التيارات وقادتها أنها موجودة في الصناديق المغلقة لعمر سليمان.. وأن لها أفعالاً مشينة.. لهذا تمالئ عمر سليمان.. كما أثبت المجلس العسكري أنه يميل إلي عودة النظام السابق.. وأنه رغم تصريحاته العنترية لا يقف علي مسافة واحدة من كل التيارات.. بل يميل إلي رموز النظام السابق، وإن كان لديه غير ذلك فليصدر القانون الذي يحرم كل من أفسد الحياة السياسية والاقتصادية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.. ثم أين القانون الذي وعد به من قبل.. لقد وعدنا بتطبيق قانون الغدر.. وأدخل عليه بعض التعديلات لكنه لم يفعله.. لحاجة في نفس يعقوب.. ومن وراء هذه البلبلة القانونية والدستورية.. مرة مجلس الشعب في طريقه للحل بحكم القضاء الإداري.. ومرة اللجنة التأسيسية باطلة.. ومرة الانتخابات مزورة.. ومرة أخري الإعلان الدستوري ناقص وكان يحتاج إلي نصوص في مسألة تشكيل البرلمان للجمعية التأسيسية للدستور.. وعدم تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعن القضائي.. من كان وراء كل ذلك أليس المجلس العسكري.. واللواء ممدوح شاهين المتخصص القانوني في المجلس.. والمثل يقول: »اللي معندوش مستشار يشتريله مستشار«! من وراء هذه البلبلة التشريعية؟!.. أليس المجلس العسكري.. ومن استعان بهم من مستشاري السلطة ومن سماهم بالمجلس الاستشاري.. لقد وضع المجلس العسكري القضاء في ورطة.. القاضي ينظر القضية ويعقد الجلسات تحت سطوة البلطجية.. فكيف يحكم إذن.. ستقولون القضاء المصري طول عمره نزيه وهو الحصن الحصين وسدنة العدالة هم رمانة ميزان الأمة.. وهذه اسطوانة مشروخة كنا نرددها أيام القضاء العظيم الذي لا يخاف إلا الله.. حتي رجال القضاء الواقف »المحامون« كانوا يتميزون بالقوة والحجة القانونية والفصاحة اللغوية ويرضون بما يحكم به القاضي.. أما الآن فحدث ولا حرج.. قضاة يتأثرون بما يجري في الشارع وبالمظاهرات.. ومحامون يهتمون بالفضائيات أكثر من اهتمامهم بالحجج القانونية للقضية.. والمجلس العسكري يجري إلي المحكمة الدستورية العليا يسألها في مشروع القانون قبل أن يصدر.. إذن بعدما يصدر القانون وقد تمت مراجعته من المحكمة الدستورية العليا هل يمكن الطعن عليه أمام المحكمة الدستورية إذا ظهرت أية عيوب أو أخطاء في مواده أو آثار سلبية لتطبيقه! إن مصر لم تأخذ بنظام الرقابة السابقة علي القوانين إلا عندما تريد السلطة الحاكمة أن تحرج القضاء.. وطول عمرنا نستخدم الرقابة اللاحقة علي القوانين.. فلماذا نعود إذن إلي نظام ليس له محل من الإعراب! لقد خرج المجلس العسكري عن مساره.. ووضع البلد في مأزق.. ولا يعرف الآن كيف يخرج من هذا المأزق.. البلد ينهار اقتصادياً.. وقد انهار سياسياً.. ولم يعد لمصر أي ثقل سياسي خارجي.. وداخلياً ربما الحسنة الوحيدة في حكومة الجنزوري اللواء محمد ابراهيم هذا الرجل الأمني الذي يكرس جهوده للسيطرة الأمنية.. وقد أحرز تقدماً ملموساً في الشارع وفي المناطق المختلفة من الجمهورية.. ويستحق أن نتركه يعمل ونشد علي يديه هو ورجاله.. أما باقي حكومة الجنزوري ففي أقرب حجرة مظلمة يمكن أن نغلق عليها بإحكام.. حتي لا يفسد باقي المؤهلين للحكم! لم يعد في الوقت بقية حتي يستمر المجلس العسكري في مماطلاته.. وقد سبق أن كشفناها.. وقلنا إن المجلس العسكري لن يخرج من السلطة بسهولة.. وكان يعمل لذلك منذ اليوم الأول للثورة.. وستأتي المواعيد تتلوها المواعيد.. والمجلس العسكري يحكم.. ولن يترك السلطة إلا لمن يختاره حاكماً لمصر.. ليس مهماً أن يختاره الشعب.. المهم يدين بالولاء والانتماء للمجلس العسكري.. ومصر لن تقبل هذا الطرح.. ولن يهمنا بحور الدماء مثلما حدث في ليبيا واليمن ويحدث في سوريا. لقد استكانت إسرائيل للوضع المزري الذي أصبحت عليه دول المواجهة معها.. واليوم لم يعد لنا صوت في أي قضية حتي الفلسطينية.. حتي القضايا الداخلية فشلنا في السيطرة عليها.. بفضل إصرار كل فصيل علي طريقته.. والعناد بين الفصائل والمجلس العسكري.. لتضيع مصر وسط الرعاع! دعاء يريح البال »اللهم زدنا ولا تنقصنا.. واكرمنا ولا تهنا.. واعطنا ولا تحرمنا.. وآثرنا ولا تؤثر علينا.. وارضنا وارض عنا« آمين يا رب العالمين