أسعار اللحوم والدواجن اليوم 3 أكتوبر بسوق العبور للجملة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الخميس 3 أكتوبر 2024    بعد إلغاء اشتراطات البناء.. هل تتراجع أسعار الحديد قريبًا؟    حدث ليلا: انفجارات تهز تل أبيب والمئات يهرعون للملاجئ والطقس السيئ يعوق الاحتلال بجنوب لبنان.. عاجل    عام على حرب غزة.. إسرائيل محت 902 عائلة بقتل كامل أفرادها    سبب مفاجئ وراء استبعاد حسام حسن ل إمام عاشور من قائمة منتخب مصر.. عاجل    موعد مباراة الأهلي وبرشلونة في كأس العالم للأندية لكرة اليد والقنوات الناقلة    الفنانة منى جبر تعلن اعتزالها التمثيل نهائياً    نفاد تذاكر حفل وائل جسار في مهرجان الموسيقة العربية    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل عبر its show time    موعد مباراة مرموش مع فرانكفورت أمام بشكتاش اليوم في الدوري الأوروبي والقناة الناقلة    صفقة مفاجئة في طريقها إلى الأهلي بتوصية من مختار مختار    هجوم جديد ضد أحمد بلال بعد سخريته من الزمالك قبل السوبر الإفريقي    حركة تنقلات محدودة في «تموين كفر الشيخ»    غداً.. قطع المياه لمدة 5 ساعات عن عدد من مناطق القاهرة    الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ ضربات دقيقة على الضاحية الجنوبية لبيروت    مجموعة السبع تدين الهجوم الصاروخي الإيراني وتؤكد أن السلام لا يزال ممكنا    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    "فوز ليفربول وهزيمة الريال".. نتائج مباريات أمس في دوري أبطال أوروبا    قوتها تصل ل265 حصان... شاهد سكودا سوبيرب الجديدة    نجيب ساويرس: الواحد مبقاش عارف مين بيمثل ومين حقيقي    بعد أزمة الشيخ التيجاني.. «الصوفية» بريئة من البدع.. و«الفكر الوسطى» هو الحل    «البلدي.. لا يوكل» في الذهب| خبراء: حان وقت الشراء وخاصة السبائك    رامي صبري يتراجع عن إلغاء حفل احدى الجامعات الخاصة.. ويوجه رسالة تحذير    أسعار الفراخ اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024 بالأسواق.. وبورصة الدواجن الآن    بشرى سارة.. علاج امرأة مصابة بالسكري من النوع الأول    منها تقليل خطر الزهايمر.. 7 فوائد لشرب القهوة    ما هي الصدقة الجارية والغير جارية.. مركز الأزهر يوضح    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    محلل: بايدن لا يملك السيطرة على نتنياهو.. وإسرائيل لا تملك إلا خيار الرد    نجوم 21 فرقة تضىء مهرجان «الإسماعيلية للفنون الشعبية»    أمل جديد لمرضى القلب.. تصوير مقطعي لتقييم تدفق الدم    "قومي المرأة" بالمنيا يناقش تفعيل مبادرة "بداية" لتعزيز التنمية البشرية وتمكين المرأة    درجات الحرارة بمدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى في القاهرة 30    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    الانقلاب يدعم المقاومة الفلسطينية بتجديد حبس 153 شاباً بتظاهرات نصرة غزة ً وحبس مخفياً قسراً    حرب أكتوبر.. اكتئاب قائد المظلات الإسرائيلي بعد فقد جنوده أمام كتيبة «16 مشاة»    حقيقة مقتل النائب أمين شري في الغارة الإسرائيلية على بيروت    قتلت زوجها بمساعدة شقيقه.. الجنايات تستكمل محاكمة "شيطانة الصف" اليوم    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 3 أكتوبر.. «فرصة لإعادة تقييم أهدافك وطموحاتك»    عبد العزيز مخيون يكشف تفاصيل مشاركته في الجزء الثاني من مسلسل جودر    هل ترغب في الارتباط ببرج السرطان؟.. 5 خطوات مضمونة لجذبه إليك    ضبط 400 كيلو أسماك مملحة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    ضبط بدال تمويني تصرف فى كمية من الزيت المدعم بكفر الشيخ    ضبط تشكيل عصابي بتهمة الاتجار في المواد المخدرة بطوخ بالقليوبية    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    نشرة التوك شو| الزراعة تتصدى لارتفاع أسعار البيض والبطاطس.. وتأثر النفط والذهب بالضربات الإيرانية    حدث ليلا| حقيقة زلزال المعادي.. وحقوق المنوفية توضح تفاصيل واقعة سب أستاذ للطلاب بألفاظ نابية    دمياط.. انطلاق فعاليات المبادرة الرئاسية بداية بقرية شرمساح    «احذر خطر الحريق».. خطأ شائع عند استخدام «الإير فراير» (تعرف عليه)    «مدبولي»: نعمل على تحقيق الأمن الغذائي ل 120 مليون نسمة    ضبط 3 أطنان لحوم حواوشي غير مطابقة للمواصفات في ثلاجة بدون ترخيص بالقليوبية    أستون فيلا ينتزع فوزا صعبا من بايرن ميونخ في دوري الأبطال    اغتيال صهر حسن نصر الله في غارة إسرائيلية على دمشق    عمرو موسي والسفير العراقي بالقاهرة يبحثان القضايا العربية على الساحة الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
في انتظار الجيش
نشر في الأخبار يوم 03 - 04 - 2012


جمال الغىطانى
منذ مينا موحد القطرين، وأحمس الأول محرر البلاد من الهكسوس، وصولا الي محمد علي مؤسس الجيش المصري الحديث، الي عبدالناصر ومن تبعوه، كان الجيش المصري مدافعا وحاميا للدولة المصرية التي يجري الاستيلاء عليها الآن.
ليس في التطورات الأخيرة لجماعة الاخوان مفاجأة بالنسبة لي، انهم اصحاب مشروع متكامل لتغيير هوية الدولة المصرية، وتجاوز الوطن الي الأمة واحياء الخلافة، باستمرار كان هناك صراع، مدنية أم دينية، الخطورة في العام الأخير ان ثمة دلائل تشير الي انحياز ما من مركز الثقل في الدولة المصرية الي الجامعة، والدليل السماح لحزب منطلق منها علي أسس دينية بالعمل لأول مرة في حياتنا السياسية، وهذا مبدأ حافظ عليه الرئيس السابق بدقة رغم كل ما ينسب اليه، لا يخفي دلالة الاعلان عن ترشيح المرشح الرئاسي من الجماعة وليس من الحزب، الإخوان اصحاب مشروع. وقد بدأوا عملية الاستيلاء علي مؤسسات الدولة، البرلمان، والشوري، والأعلي للصحافة، والدستور، ثم الرئاسة، لقد بلغ موقهم البراجماتي اقصاه، يعلنون في المساء ما ينقضونه في الصباح، بعد الرئاسة سوف ينقضون علي الجيش نفسه، ولديهم الميليشيات المسلحة، الجيش المصري هدف نهائي لهم، فهو العمود الفقري للدولة، حتي وان بدا في سياسات المجلس الحالي ما يماليء الإخوان، ولذلك اضعاف الجيش وحله نهائيا هو الهدف الاكبر للإخوان، ما عجزت عنه اسرائيل سيقومون به هم. وما قامت به الولايات المتحدة في العراق سوف يقومون به هم، يجب ألا ننسي ان الجيش المصري هو القوة الوحيدة الأقوي في العالم العربي الآن. وهو هدف لكثيرين من الخارج والداخل، نحن أمام مشروع متكامل لانهاء الدولة التي تحق فيها بعض عناصر الحداثة منذ تأسيسها في زمن محمد علي، وما يجري الآن تغيير هوية الدولة المصرية الي الخلافة، التي سيصبح فيها المختلف دينا مجرد ذمي، والمختلف رأيا مارق، لا حقوق للمواطنة لأن الوطن نفسه ليس موجودا في مفهومهم ونظرياتهم، انتماؤهم الي الامة، والأمة مفهوم فضفاض، لا حدود لها ولا مصالح ولا علم. مصر تتحول الآن الي ورقة في مشروع كبير.. وفي اللحظة المناسبة سيعلن احد حكام الخليج خليفة للمسلمين، وتبايعه الجماعة.
مصر التي نعرفها في خطر حقيقي. رغم كل شيء، والملاحظات علي اداء المجلس العسكري فإن الجيش المصري هو القوة الوحيدة التي يمكن ان تدافع عن الدولة المصرية التي يتم الاستيلاء عليها الآن، المهددة بالفوضي. يجب ايقاف هذه المهزلة مهما كلف الأمر، واقول دون مواربة اذا ترك قادة الجيش هذا المشروع يمر فسوف يسائلهم التاريخ ويحملهم المسئولية، ان ايماني بالجيش مطلق، وتاريخه منذ مينا موحد القطرين، واحمس الأول محرر الدولة من الهكسوس، وصولا الي محمد علي وعبدالناصر وعبدالمنعم رياض ومحمد فوزي والشاذلي والجمسي وغيرهم متسق. انه حصن الوطنية ودرعها ، اتحدث عن الجيش الذي اعرفه وتواجدت في صفوفه خلال حربين حاسمتين عرفتهما مصر، الاستنزاف واكتوبر. علي الجيش ان يحمي الدولة التي تجمع كل المصريين، وتساوي بينهم، علي الجيش ان يوقف استخدام مصر كورقة في مشروع لن يخدم الا اعداء مصر والعرب جميعا، لذلك اقترح حل مجلسي الشعب والشوري، ولجنة الدستور الاخواني وتأجيل انتخابات الرئاسة والعودة الي النقطة التي كان يجب ان نبدأ منها بعد توقف الثورة.. تشكيل لجنة من عموم الوطن. لجنة تمثل الامة المصرية لوضع دستور لكل المصريين وليس لجماعة دينية، انتخاب رئيس لفترة محددة لحين اتمام الانتخابات الرئاسية، ان يقود الجيش عملية تقارب مع جميع القوي المدنية وأولها الشباب الذي اشعل فتيل الثورة، ان ما يجري الآن نتاج عملية ديمقراطية زائفة، غير حقيقية، تصحيح الاوضاع ضروري، اتخاذ ما يلزم لانقاذ الدولة التي عاش في اطارها الشعب المصري لآلاف السنين. وهذا الدور لن يقوم به الا الجيش المصري الذي اعرف تاريخه واخلاصه للوطن وللدولة، ما ننتظره ان يكون دوره الآن متسقا مع تارخيه وتكوينه وليس مضادا ونقيضا له .
اقتصاديات الجيش
الثلاثاء:
من الامور المهمة التي جري بحثها اثناء اعداد الجيش لقتال اسرائيل بعد احتلالها سيناء عام 7691 ما يتعلق بالبشر، المأكل والملبس والشئون الخاصة، كان القرار ان يأكل الضابط والجندي من ماعون واحد، والا تكون هناك تفرقة، كان الجميع في نفس الخندق، تحت القصف، وفي ظل خطر واحد، وان يتواجد كبار القادة في المواقع الامامية من الجبهة، وكان الوصول الي الماء - أي شاطيء القناة - دليلا علي الجسارة، فالوصول الي حافة الضفة كان يقتضي احتياطات خاصة لان الجانب الشرقي اعلي وهذا يتيح فرصة للقناصة كي يتحكموا في الحركة فوق الضفة الغربية، فما البال بمن كان يعيش في المواجهة؟ كانت النقطة الحاسمة استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض في التاسع من مارس 9691 هذا هو الحدث الذي ردم الفجوة بين الشعب وجيشه بعد هزيمة يونيو. قائد الجيش يصاب في المواقع الامامية المطلة علي القناة مباشرة، حدثني المرحوم اللواء حسني مكي سكرتيره الخاص، قال انهم عندما نقلوا جثمانه، وبدأ اعداده للابدية، لم يجدوا في جيبه الا عشرة قروش، رئيس اركان الجيش المصري يستشهد وفي جيبه هذا المبلغ الزهيد، كان زمنا مغايرا!
تابعت تطور الشئون المتعلقة بالجنود. لم اكن اقضي ايامي في اماكن منفصلة، انما كنت مع زميلي مكرم جاد الكريم المصور الشجاع في الخنادق الامامية، وعند التواجد تحت الخطر يتساوي الجميع ويصبح التقارب ايسر، في اكتوبر 3791 كان الحشد قد تجاوز المليون رجل هم قوم ضباط وجنود الجيش، ان إعاشة مثل هذا العدد تحتاج الي دولة كبري. قام بتوفير مستلزماتها القطاع العام، لقد اجريت دراسات بواسطة معاهد التغذية التابعة للجامعات ووزارة الصحة والقوات المسلحة، وتم التوصل الي مكونات وجبة جيدة تكلفت شركة قها بانتاجها، لقد قام القطاع العام بدور كبير في دعم الجيش من حيث امداده بأسباب المعيشة، وبعد تفكيك القطاع وبيع وحداته بثمن بخس، وتم اهدار مدخرات الشعب المصري في اوسع عملية نهب تمت خلال ولاية السادات ومبارك، انتهي دور القطاع العام. هنا بدأ الجيش يتجه للاعتماد علي نفسه من خلال كيانات اقتصادية تؤمن احتياجاته، سواء كانت اسباب معيشة، أو متصلة بمشاريع التدريب واعداد القوات وتزويدها بما تلزمه، بحيث لا تصبح عبئا علي الدولة. وايضا تكوين احتياطي عام من المال يمكن الجيش من الحصول علي احتياجاته في حال وقوع ازمة بين الدولة وبعض الدول الاخري التي تعتمد عليها مصر في امدادها بالسلاح أو قطع الغيار هكذا بدأت الخطة ومن خلال جهد علمي تم تأسيس الكيانات الاقتصادية التي تؤمن احتياجات الجيش. وعند نقطة معينة يكون الجيش مصدرا للعون وليس عبئا، كما حدث الشهر الماضي عندما احتاجت البلاد الي استيراد الغاز والسولار، قام الجيش بدفع القيمة نقدا من الاحتياطي الخاص به، احيطت مشاريع الجيش الاقتصادية بسوء الفهم، واطلق عليها البعض، المملكة الاقتصادية، مع انها كلها تدار من قبل مكلفين وليس ملاك. اي انه قطاع عام خاص بالجيش. يخضع لادارة حازمة، ورقابة صارمة. ولذلك يقبل المواطنون علي محطات بنزين الوطنية لانضباطها في الميزان والنوعية، لكن ما كشف عنه اللواء محمود نصر كثير، سواء بالارقام او الحقائق، قال ان محطات بنزين الوطنية مصممة وموزعة بحيث تخدم اي خطة عسكرية بالتحرك في اتجاه الحدود لمهام الدفاع في جميع الاتجاهات والمحاور كذلك تخطيط ورصف . الطرق جزء من البنية العسكرية ومما اتذكره انني قطعت طرقا جديدة في طريقي الي الجبهة، منها طريق الكريمات - الزعفرانة، والذي اذكر وحشته وندرة العربات عليه، كذلك طريق القاهرة - الاسماعيلية - السويس ، طريق الكريمات - البحر الاحمر يحقق الآن دخلا يتجاوز المليار سنويا بعد ان رصفته القوات المسلحة بتكلفة اربعمائة وخمسين مليونا، وكان احد المستثمرين الاجانب قد قدم مشروعا لرصفه وتشغيله يتكلف ست مليارات جنيه. النشاط الاقتصادي للجيش ليس بدعة، في عصر محمد علي انشأ كيانا مشابها توفير احتياجات الجيش مما بقي منه سلاح المهمات. وايضا العديد من المصانع التي تلبي احتياجات الجيش، بالطبع مثل كل نشاط، خاصة اذا كان اقتصاديا وبالاخص اذا كان منضبطا ويقدم المنتجات بأسعار اقل من تلك التي يقدمها رجال اعمال ذوو مصالح خاصة، لذلك من الطبيعي ان تبلغ المنافسة درجة حادة من جانبهم، ولا أشك ان الحملات الاعلامية ضد اقتصاديات الجيش ممولة ومدعومة من اصحاب مصالح. اننا امام نموذج حديث للادارة مشابه لادارة انشاء السد العالي. ومما اذكره ان الرئيس جمال عبدالناصر قال ان الدولة انشأت السد بنجاح وعجزت عن ادارة قصر العيني.
لكن .. لماذا لم يصل جهد الجيش الي الرأي العام، لماذا لم يصبح نموذجا يحتذي بدلا من ان يصبح هدفا للنقد الحاد والهجوم. السبب في رأيي يرجع الي السياسة التي اتبعها نظام مبارك أي عزل الجيش واعتباره كيانا مغلقا يجب عدم الاقتراب منه، كان الهدف هو ابعاده عن السياسة واختصار المؤسسة في شخص واحد، اصبحت حرب الاستنزاف واكتوبر ممثلة في الضربة الجوية الأولي، وهذا احد اشكال النفاق المصري فلو ان الرئيس جاء من سلاح المدرعات كانت معارك الدبابات ستصبح هي الاهم. لقد كانت حربا تعاونت فيها كل الاسلحة، وبالنسبة لسلاح الطيران فان ما ذكره الاستاذ هيكل دقيق جدا. وهذا لا يعني خفض قيمة أو مساهمة الطيران الذي تعرض لمذبحة، وقام عدد من قادة الطيران باعداده وبناء اجيال من الطيارين، منهم الفريق مدكور ابوالعز، والفريق حسني مبارك الذي كان ضابطا ملتزما وصاحب كفاءة، قبل ان يخرج الي الحياة العامة، بعد ان اصبح رئيسا بالصدفة ومكث اطول مدة من اخطر ما تم خلالها اخفاء الجيش، ومحو ذاكرته ومحوه من ذاكرة الشعب، ولقد شغلت بتدوين ما عاينته من اعمال قتالية بطولية، بالمقال والقصة والرواية، في عام ألف وتسعمائة وتسعة وسبعين من القرن الماضي حصلت علي جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عن »الرفاعي« وتحمس الاستاذ ممدوح الليثي واشتراها لتليفزيون المصري، ولم تنفذ حتي اليوم، اي بعد ثلاثة وثلاثين عاما. ومن اغرب ما سمعته في الثمانينات ان المسئولين يفضلون عدم التركيز علي الاشخاص. بدا السبب غريبا، فالدبابة التي يستخدمها الجيش المصري بعد حرب اكتوبر اسمها باتون، وهذا جنرال امريكي شهير اما الجنرال ماك أرثر فانتجت افلام عديدة حول دوره في الشرق الاقصي، ولعل فيلم مدافع نفارين مازال في ذاكرة من شاهدوه. لدينا قصص ووقائع تنتج عشرات الافلام والاعمال الادبية لكن تم دفنها والتعتيم عليها من اجل بطل الضربة الجوية الاولي، وايضا حتي لا تظهر وجوه يمكن للشعب ان يتعلق بها، النتيجة هي ذلك الشعار الخطير »يسقط حكم العسكر« والذي يدمي قلبي كلما ردده الشباب علما بأنني اتحفظ كثيراً علي الاداء السياسي للمجلس والذي ألحق بالجيش الاذي. لقد تنبه مجموعة من شبابنا الي خطورة ما تم في اتجاه محو الذاكرة العسكرية، فانشأوا مواقع الكترونية تحفظ ما جري التعتيم عليه، وتم اجراء مقابلات مع جنود وضباط وقادة لم يسمع بهم احد. ومن الاعمال المهمة التي قام بها الدكتور اللواء سمير فرج اثناء توليه ادارة الشئون المعنوية تسجيله شهادات وافية لجميع قادة الحرب بما فيهم قائد الضربة الجوية الاولي، لماذا تظل هذه الشهادات في الادراج، لا ادري. ان الجيش المصري تتهدده الآن مخاطر عديدة، اهمها من الداخل ولهذا حديث يطول. المهم ان يوجد جسورا مع شعبه حتي لا يساء فهم ما يقوم به من انشطة ومن ذلك الكيانات الاقتصادية التي تستهدف الاكتفاء، الا يكون الجيش عبئا بل عونا.
رسالة من محجوب عمر
الاثنين
عرفت الدكتور محجوب عمر »الاسم الحركي للمناضل رءوف نظمي« عام 4691 وجمعنا المعتقل عام 6691 ، كان معتقلا قاسيا في ظروفه، وارتبطنا بصلة حميمة استمرت حتي رحيله مؤخرا، بعد عام 7691 وجد ان الكفاح الحقيقي بين صفوف القوات الفلسطينية، التحق بالفدائيين في الاردن، واصبح قريبا من أبوعمار، وخلال زيارتي الي بيروت عام ثمانين زمن الحرب الاهلية، التقيتهم صدفة في احد عربات الأجرة بالنفر، وزرت من خلاله مواقع ومؤسسات منظمة التحرير، في عام 7991 قرر الرئيس السابق منح القيادة الفلسطينية دعما قدره عشرة ملايين دولار كتبت معلقا، وكان موقفي ضد الدعم بعد شيوع اخبار عديدة عن فساد السلطة، وبناء قصور لقادتها في غزة، وتقاعس اثرياء مشاهير من الفلسطينيين عن دعم ثورتهم، بعد النشر ارسل لي الدكتور محجوب عمر خطابا رقيقا قال فيه:
»وأود لو أبقيت هذه الكلمات دون نشر، فقد التزمت منذ سنين عديدة بتجنب النقاش الجانبي أو ما يتعلق بالاشخاص ولولا ثقتي ومحبتي لما كتبت اليك، شكرا والي لقاء.
62/8/7991
اما وقد اصبح الدكتور محجوب بين يدي ربه، فإنني اقدم علي نشر هذه الوثيقة والتي تلقي اضواء علي موقفه ورؤيته.
أخي العزيز / جمال
صباح الخير - تعرف انني من قرائك الكثيرين، ولكثرة ما يصدر الآن من صحف ومجلات اخترت القراءة الانتقائية، وكان طبيعيا ان يدفعني عشقي لفلسطين لقراءة ما يكتب عنها، فان تقاطعت هذه الرغبة مع محبتي لكتاب بعينهم وقع الفعل المحظور، فعل القراءة مع الاستفادة الذاتية.
امس قرأت لك جريدة »الاسبوع« تحت عنوان »الملايين العشرة« ما جعلني اخرج علي التزام التزمت به بأن لا اخوض اي نقاش جانبي في هذه القضية منطلقا من ان كل من يكتب عنها يحبها حتي وان كان منتقدا لبعض ما يجري علي ساحتها أو لبعض اشخاصها او حتي لكل ما فيها.
هذه المرة ولذكري ايام عشناها، واتمني ان تدوم، لم استطع ان امنع نفسي من الكتابة لك، وبداية ارجو ان تلاحظ ان مقالك قد نشر علي الصفحة نفسها التي نشرت مقالا آخر في نفس الموضوع للاستاذ الدكتور يحيي الجمل وستلاحظ ان تعليقه اقترب من تعليقك في بعض جوانبه وقد تجنب المس بمشاعر اهل القضية وكان رفيقا باشقائه العرب.
ملاحظاتي يا صديقي العزيز أنك قد علقت علي واقعة الملايين العشرة بشكل كاد ان يفسد رونقها الجميل، فقد هاجمت الاثرياء العرب أو بالدقة الدول الثرية في المنطقة كما هاجمت الاثرياء الفلسطينيين والقيادات الفلسطينية نفسها ونالت كلماتك من جماعات واشخاص يوجب العدل واحقاق الحق ان نسمعهم قبل ان ندينهم، واري من وجابي البدء اولا بنفي الكثير مما قيل ويقال عن موقف الدول والانظمة العربية من قضية فلسطين، وبخاصة اثرياؤها ولا ينكر الفضل الا جاحد فقد قدمت هذه الدول وتقدم لقضية فلسطين والشعب الفلسطيني الدعم الكثير الي الدرجة التي جعلت بعض معارضي هذه الدول تفسر تقديماتها بأنها شكل من اشكال الافساد المتعمد للافراد والمؤسسات والهيئات الفلسطينية، وهو افساد لا يقتصر من وجهة نظر هؤلاء علي الافساد المادي وانما ايضا علي الافساد السياسي والبعض يري في هذه التقديمات بأنها من قبيل »شراء« السلامة والأمن طالما ان الفلسطينيين هم ممارسو العنف او الارهاب كما يقال، وطالما انهم يملكون الوصول الي مصادر معلومات كثيرة في العالم وكذلك شراء لسكوتهم. في كل الاحوال هم يقدمون الدعم المادي والسياسي وفي كل الاحوال تحتاج فلسطين لهذا الدعم المادي ولذلك الدعم السياسي وفي اعتقادي ان من واجبنا ان لم نستطع النطق بكلمة شكر فإن علينا ان نمتنع عن الشتم والاهانة وانكار الحقائق.
ولعلك يا عزيزي جمال تقول الآن بأن عرفات هو الذي عتب علي الدول العربية تجميد الاموال الفلسطينية وهو الذي اشار الي ان بعضها يجمد ما يزيد عن الف مليون دولار مستحقة للفلسطينيين وهو يقول ذلك وهو صادق ولعلك تستنتج هوية الدول التي تجمد هذه الاموال وتفرج عن بعضها احيانا بمقدار ومساومة، وفي اوراق الجامعة العربية مذكرات فلسطينية عديدة للمطالبة بها والافراج عنها، ومع ذلك فان من واجبنا نحن الذين يمكننا مخاطبة بسطاء العرب ان نهديء هذه المشاعر وان نسد كل ثغرة ونقيم كل شرخ في جدار التوافق العربي الشعبي العام.
كما ان ضميري لا يسمح لي ان اقرأ ما كتبته انت عن الفلسطينيين المشهورين في العالم ومنهم من يمتلك بنوكا ومؤسسات مالية ضخمة.. وتقول اننا لم نسمع ولم نقرأ عن اي تبرع او منحة من مؤسسات شومان المالية او غيرها للفلسطينيين المحاصرين، وهو قول يجانبه الصواب ولعل مؤسسات شومان واصحابها ليسوا في حاجة لمن يؤكد دورهم وتقديماتهم لشعبهم بل للامة العربية كلها. وربما كانوا يتجنبون المن.
أما الاسماء التي ذكرتها والمتهمة بالفساد، وذكرك للصور التي بينها التليفزيون العالمي للاثاث والسيارات والمكاتب والغرف الوثيرة والقصور، فلست في حاجة لان اذكرك بأن الاشخاص الذين تحدثت عنهم وسائل الاعلام ليسوا هم الذين ذكرهم التقرير الفلسطيني المشهور عن اساءة استخدام المال العام في السلطة الوطنية الفلسطينية، كما ان هذه الادعاءات وردت في مقال الصحفي ديفيد هيرست في جريدة الجارديان ولا تستند الي اساس. وحتي لو كان ابومازن أو نبيل شعث وأم جهاد يعيشون في قصور او ان أبو عمار نفسه يعيش في قصر فإن ذلك لا يبرر »المن« علي احد وبخاصة علي الشعب الفلسطيني بما يقدمه، علما بأن أبوعمار يقيم فعلا في قصر عندما يحضر ضيفا علي القاهرة وهو قصر بسيط جدا من الداخل اذا لم تكن قد رأيته، وتملكه رئاسة الجمهورية المصرية.
عزيزي جمال لست انت الذي أناشده بالتمعن طويلا في معني الآية الكريمة »ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذي« واصارحك انني بقدر ما سعدت وفرحت وافتخرت بقرار الحكومة المصرية وتعليمات الرئيس مبارك الخاصة بتحويل مبلغ الملايين العشرة فقد وضعت يدي علي قلبي فورا من ان يبرر ذلك مواصلة حملات الهجوم علي الشعب الفلسطيني وعلي قياداته سواء كانوا داخل فلسطين او خارج فلسطين ولدوافع سياسية في الاساس.
ان ائتلاف العرب أمانة في اعناقنا وكثير مما يمكن ان يقال سواء في السياسة أو في الرياضة أو في شارع جامعة الدول العربية يضر بالقليل الذي يتراكم يوميا في اطار وحدة العرب وتضامنهم، وعندما يختار كاتب مثلك ان يقدم للادب العربي روايات عربية عروبية شكلا ومضمونا فان غضبا كالذي ابديته في تعليقك الاخير هذا قد يجرح مشاعر بعض محبيك وقد يبرر للكثيرين تقاعسهم. ان ملايين الدولارات مطلوبة وهذه كما رأيت تصدر بقرار من السلطات اما القروش والدراهم من بسطاء الناس فهي اهم واكثر دواما ولكنها تحتاج الي الحفاظ علي مشاعر المحبة والتراحم.
عزيزي:
أرجو الاحتفاظ بهذه الرسالة دون نشر فلست اريد اثارة أي جدل حول هذا الامر وأود لو بقي بين الاصدقاء والمحبين.
مع تحياتي محجوب عمر
62/8/7991
من ديوان الشعر العربي
قال ابن الرومي :
دهر
دهرُ علا قدر الوضيع به
وهوي الرفيع يحطه شرفُه
كالبحر يرسبُ فيه لؤلؤهُ
سفلا ويعلو فوقه جيفُه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.