الشكل الخارجي يوحي بعداء جماعة حسن البنا للبريطانيين الذين كانوا يحتلون آنذاك المملكة المصرية، لكن العلاقة السرية بين الجماعة وممثلي الاحتلال كانت قوية، ومثمرة، للطرفين. ويضيف مؤلف كتاب:»عندما تتصادم العوالم« قائلاً: » الواقع أن بلاط ملك مصر فاروق وجهاز المخابرات البريطاني M16 والدبلوماسيين الانجليز كانوا يتوددون إلي تنظيم حسن البنا باعتباره القوة السياسية الإسلامية والمتاحة لمواجهة حزب »الوفد« ذي النزعة القومية بصفة خاصة وللتصدي في الوقت نفسه للحركات ذات الميول الاشتراكية والشيوعية، بما في ذلك »حركة الضباط الأحرار« داخل الجيش«. ومن جانبه يقول الدبلوماسي الغربي الشهير:»ريتشارد ميتشيل« في مذكراته عن تلك الفترة المهمة في التاريخ المصري: »بشكل مؤقت كان للقصر الملكي، و رؤساء الحكومات المحافظين، وجماعة الإخوان المسلمين، عدوان مشتركان هما: الحركة الشيوعية اليسارية، و حزب الوفد«. فترة تقارب الدولة القصر والحكومات، وأجهزة الأمن من جماعة حسن البنا، انتهزها الأخير في محاولة تحسين وضع الجماعة من الناحية السياسية، فقرر نقل مركزه وعملياته إلي القاهرة، حيث كثف دعوته لقيام »الحركة الإسلامية« إيذاناً بمولد ما يُسمي ب »المشروع العالمي« الذي سيلد بدوره ما أطلق عليه:»الحق السياسي الإسلامي«، بما في ذلك عناصره الإرهابية الحديثة. جماعة حسن البنا، نظمت نفسها علي هيئة خلايا، وتضم كل خلية خمسة أو سبعة إخوان للتأهل للعضوية. وكان الإخوان يتلقون تدريباً عقائدياً، وتدريباً علي حرب العصابات. وبالطبع.. كان التمويل لهذه التدريبات: العقائدية، والإرهابية، يتولاه جهاز ال M16 وبعض الحكومات والشخصيات العربية. وتفسيراً لهذه الجزئية بالذات، يقول المؤلف : [ وبالرغم من أن البريطانيين كانوا علي علم بالجاذبية السياسية المهيّجة لجماعة الإخوان المسلمين، ومع أن جناحه شبه العسكري السري كان ينقلب عليهم بطرق مخادعة أحياناً.. فلم تتردد لندن في الاستعانة بخدمات الجماعة عندما كانت تتوافق مع مخططاتها السياسية. ليس هذا فقط بل إن سفارتها ومن بعدها السفارة الأمريكية في القاهرة كان لها اتصال مستمر معها]. الحرب العربية الإسرائيلية الأولي عام 1948 زادت من قوة جماعة الإخوان المسلمين إلي حد كبير. فهزيمة الجيوش العربية علي أيدي الوحدات شبه العسكرية الإسرائيلية، استغلتها »الجماعة« في تشويه سمعة الجيوش والأنظمة العربية من جهة وهللت من جهة أخري للأمجاد التي زعموا أن »مجاهدي الإخوان المسلمين« حققوها ضد العدو الإسرائيلي وألحقوا به خسائر جسيمة! التهليل المستمر لهذه »الأمجاد« جذب شباباً كثرا للانضمام للجماعة بهدف التطوع كمقاتلين ضد الإسرائيليين المغتصبين. ويعتقد مؤلف الكتاب بأن »الجماعة« اكتسبت آنذاك »مشروعية معترفا بها باعتبارها تنظيماً سياسياً، و شبه عسكري، تفرغ قادته من أجل الدعاية لبطولاته، والدعوة للانضمام إليه. الورقة »الإسلامية« لم تتركها الولاياتالمتحدة مقصورة في قبضة جهاز المخابرات البريطانية. ففي منتصف الأربعينيات ظهر اهتمام أمريكا بتلك الورقة بوصفها قوة موازنة في مواجهة الشيوعية العالمية. و بدأ مخططو استراتيجيتها في دمج دور للمسلمين في تخطيطهم لاحتواء الاتحاد السوفيتي علي حدوده الجنوبية. من مظاهر هذا الاهتمام أن وكالة المخابرات الأمريكية سي. آي. إيه كتبت، وطبعت، منشورات وكراسات عديدة كلها ضد الدين الإسلامي، والمسلمين. ولأن من مباديء الوكالة :»الغاية تبرر الوسيلة« فقد نسبت ببساطة شديدة هذه المنشورات كلها إلي السفارة السوفيتية بالقاهرة، وقامت بتوزيعها في الدول العربية انطلاقاً من العاصمة المصرية. وسعت الولاياتالمتحدة إلي توسيع الهوة بين المسلمين والشيوعيين، عن طريق الاستفادة من أكبر عدد ممكن من المستشرقين البارزين بكتاباتهم ومحاضراتهم ضد الشيوعية والشيوعيين. من بين هؤلاء د. برنارد لويس كان أستاذاً في جامعة لندن، ثم في جامعة برنستون الذي كتب مقالاً عام 1953 بعنوان:»الإسلام والشيوعية« جاء فيه: »إن الشيوعية ليست ديناً، ولا يمكن أن تكون يوماً كذلك، بينما لايزال الإسلام ديناً بما له من جمع كبير من المؤمنين به.. وهذا هو جوهر المقاومة الإسلامية للأفكار الشيوعية، ورفضها أية عقيدة إلحادية تنتهك مباديء المسلمين الأخلاقية التقليدية«. و وجدت الحملة الأمريكية صدي واسعاً ليس فقط لدي الأوساط الشعبية في البلدان العربية والإسلامية، وإنما تسابق زعماء وقادة في تلك الدول للتنديد بالشيوعية، وبالإلحاد الديني، وطالبوا المؤمنين مسلمين ومسيحيين بالتحالف والدفاع عن الديانات السماوية ضد الشيوعية العالمية. وهو ما أسعد الإدارات الأمريكية واحدة بعد الأخري لدرجة أنها تدخلت بكل نفوذها للوقوف إلي جانب الأصوليين من رجال الدين في الامبراطورية الإيرانية، وضد رئيس وزراء إيران آنذاك:»محمد مصدق« باعتباره ذا ميول اشتراكية، شيوعية، إلحادية.. فيجب التخلص منه! وبالفعل نجحت أمريكا في إنهاء »ثورة مصدق«، عام 1953، وإعادة الشاه بشكل نهائي إلي عرش الطاووس. وهذا »النصر« الذي تباهت به أمريكا وقتذاك.. أدي إلي إذكاء نار الإسلام السياسي، مما مهد الطريق للخوميني المعادي بشدة للغرب، وأمريكا علي قمته للعودة إلي إيران، وطرد الشاه، وقيام جمهوريته الإسلامية علي الطريقة الخومينية، منذ عام 1979وحتي اليوم.