قال »بن لادن« في شريط عرضته قناة الجزيرة في أكتوبر2001 إن هذه الأحداث يقصد هجماته الإرهابية في11سبتمبر قد قسّمت العالم بأسره إلي فسطاطين: »فسطاط إيمان« و »فسطاط كُفر« وينبغي علي كل مسلم أن يهب لنصرة دينه«. وسارع »بن لادن« إلي تقديم »المحفزات« التي تصوّر أنها كافية لإقناع كل مسلم في قارات الدنيا الخمس ب »الجهاد« ضد كل أمريكي سواء كان من العسكر، أو الخفر، مروراً علي المرضي، والعجزة، والأبرياء: كهولاً، و نساء، و أطفالاً (..). وكانت محفزات، ومبررات الجهاد كما طرحها »المجاهد الكبير« من بينها علي سبيل المثال لا الحصر: وجود القوات الأمريكية في جزيرة العرب إبان حرب الخليج، وهو ما يعني ضمناً من وجهة نظر »بن لادن« الحط من قدر الأماكن المقدسة الإسلامية انتهاكاً ل »العهدة العمرية في عام 641ميلادية« التي تنص علي عدم تدنيس وجود الكفار به، وعلي أساس من أحاديث نبوية تقول إنه: »لا يجتمع في جزيرة العرب دينان«، و »لأخرجن اليهود والنصاري من جزيرة العرب حتي لا أدع إلا مسلماً«. استخدام الجزيرة العربية كأرض حشد لشن هجمات علي بغداد مقر الخلافة الإسلامية لأكثر من ألف عام مجيد سجل الدين فيها العديد من أروع منجزاته، ولهذا السبب فإن بغداد تعتبر بعد مكة والمدينة والقدس أحد أقدس الأماكن بالنسبة للمؤمنين. وتباهياً بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، بُثت في 15ديسمبر2001 رسالة شديدة اللهجة بقلم، ولسان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري تحت عنوان:»فرسان تحت راية النبي«، عدَّد فيها أمجاد القاعدة ثم انتقل مؤكداً أن القاعدة كانت بحاجة إلي »توجيه هذه الضربة الحاسمة يقصد هجمات 11سبتمبر لحث المسلمين الذين لم يحسموا أمرهم علي الدعم بإقناعهم بأنها أصبحت قوة جبارة اصطفت في قتال مميت ضد القوة العظمي الفاسدة التي تزداد ضعفاً وتحالفت مع الحكومات المرتدة في دار الإسلام وحمتها«. وبصراحة أكثر قال »الظواهري« إن استراتيجية القاعدة بعد هذه الضربة الحاسمة هي تقوية قبضتها علي أبناء دينها لنيل دعمهم للكفاح المسلح الواجب لخلق الإمبراطورية الإسلامية الموازية«، ثم هاجم »الأنظمة العربية« قائلاً: »السادة في واشنطون وتل أبيب يستخدمون تلك الأنظمة لحماية مصالحهم وخوض المعركة ضد المسلمين بالنيابة عنهم، لكن إذا وصلت القذيفة إلي بيوتهم وأجسامهم فسوف يتبادلون الاتهامات مع عملائهم بشأن من هو المسئول بالفعل عن ذلك؟ وفي تلك الحالة سوف يواجهون واحداً من خيارين أحلاهما مر: إما أن يخوضوا الحرب ضد المسلمين بأنفسهم، وهو ما يعني أن المعركة سوف تتحول إلي جهاد بيَّن ضد الكفار، أو يعيدوا النظر في خطتهم بعد الاعتراف بفشل مواجهتهم ضد المسلمين«. وأنهي »الظواهري« مبرراته لهجمات 11سبتمبر قائلاً:» .. ولهذه الأسباب كلها كان لابد من نقل المعركة إلي أرض العدو«. وفي نوفمبر2002 أرسل »بن لادن« خطاباً مفتوحاً عبر الإنترنت إلي أمريكا حصر فيه ما أسماه »خطاياها الجلية«، طالباً منها.. و فوراً: وقف ما تقوم به من »قمع، و أكاذيب، و فجور، و فسوق«. الاعتراف بأنها أمة »بلا مبدأ أو أخلاق« . وقف دعم إسرائيل في فلسطين، و الهند في كشمير، و روسيا في الشيشان، وحكومة مانيلا ضد المتمردين في جنوب الفلبين. إلغاء دعمها للقادة الفاسدين في البلدان العربية والإسلامية. وفي نهاية الرسالة المفتوحة، جدد »بن لادن« مطالبته لأمريكا بضرورة تنفيد ما أمرها به كي لا »نُجبر علي إعادتكم إلي وطنكم داخل نعوش«. بهذه الرسائل، والبيانات، والتهديدات.. أفصحت »القاعدة« عن هدفها المعلن في أن ما حدث في نيويورك، سيتكرر مع الفارق في الأهداف والضحايا في »مدريد« و »لندن« وغيرهما. ويحدثنا كتاب »عندما تتصادم العوالم« لمؤلفه: »جين هيك« عن المثل القديم القائل: »عدو عدوي صديقي«، والذي أخذت به الآلة الدبلوماسية الأمريكية و وكالة المخابرات المركزية عندما جندت شباب المسلمين ودرّبتهم، وسلحتهم، ثم ألقت بهم في جبال و سهول أفغانستان لمحاربة السوفيت بدلاً منهم! يقول »هيك« إن المخابرات الأمريكية فاتها تماماً الدرس الذي قدمته نظيرتها البريطانية (M16) قبل ذلك بنصف قرن عندما دعمت قيام تكوين ونشوء أول ما يُسمي :جماعة إرهابية مسلمة ذات رؤية عالمية وأفق إقليمي. كانت علاقة لندن مع الإخوان المسلمين المصريين معقدة. وتشير السيرة الذاتية لحسن البنا أنها قامت في مارس من عام1928، بمنحة قدرها500جنيه استرليني استخدمت في بناء أول مساجدها الذي سيكون بمثابة مقرها وقاعدة عملياتها في مدينة الاسماعيلية . وبالرغم من العداء بين الإخوان والبريطانيين فإن تلك العلاقة استمرت علي جبهات مختلفة. فأمام خطر النازية الوشيك في بداية الحرب العالمية الثانية عام 1941، التقي »حسن البنا« بعملاء ال (M16 ) في السفارة البريطانية بالقاهرة، وهو اللقاء الذي تم التعهد فيه بمزيد من الاسهامات من الأموال البريطانية. المدهش أن »عمالة الإخوان« لبريطانيا آنذاك، لم تمنعها من الاتصال بعملاء النازية الذين كانوا يخطبون ودها.. كما أكد الدبلوماسي الغربي البارز:»ريتشارد ميتشل« في كتابه الذي استند إليه »جين هيك« كأحد أهم مراجع كتابه: »عندما تتصادم العوالم«.