في أوائل 2002 وتقريباً منذ ظهور جمال مبارك في الحياة السياسية المصرية وعلي الرغم من عدم توليته أي منصب رسمي في الدولة حيث فضل العمل السياسي داخل أمانة السياسات بالحزب الوطني الحاكم. وبرغم أن غالبية معارضي جمال مبارك يجمعون فيما بينهم علي قوة شخصية هذا الرجل ودماثة خلقه ويحمدون فيه أسلوبه في تناول القضايا الوطنية بمنهج علمي يعكس طريقة تفكيره الهادئة دون إنفعال. وعلي الرغم من ذلك كله فإنه لم يسلم من سهام الحقد والغيرة تحت ستار التشكيك في أي إنجاز يقوم به هذا الشاب وهو ما يظهر جلياً في صحفهم الصفراء والحمراء وكافة ألوان الطيف السياسي مستندين في هجومهم علي فهم خاطئ لنصوص الدستور بدعوي ان التعديلات الدستورية الأخيرة إنما تعزز وتكرس لمبدأ توريث السلطة في مصر. وإذا كنت واحدا من المتخصصين في القانون الدستوري فلقد ساورني الشك فيما أنا مقتنع ومتأكد منه ان نصوص الدستور لا تشير من بعيد أو قريب الي جمال مبارك المفتري عليه ولا تمنحه ايه ميزة في حال ترشحه أو تحرم غيره من المتنافسين من أي حق. فأمانة الكلمة تفرض ان أوضح هذه الأمور لقرائنا الأعزاء وللعلم فأنني لم ألتق قط مع السيد جمال مبارك ولا أسعي لأي منصب سياسي أو مكافأة في مجال عملي فطبيعة عملي القضائية تحول دون ذلك كله ولكنها الحقيقة وصدق الكلمة فأنا أعبر عن رأي علمي قانوني من واقع نصوص الدستور المصري سواء تصادف إن كان في صف جمال مبارك أو مع غيره. فالمادة (75) من الدستور وهي الخاصة بالشروط التي يجب توافرها في شخص المرشح لمنصب رئيس الجمهورية وهي أن يكون مصرياً ومن أبوين مصريين وأن يكون متمتعاً بكافة حقوقه المدنية والسياسية وألا يقل عمره عن أربعين عاماً ميلادياً. أما المادة (76) وهي التي تتناول إجراءات الترشيح لهذا المنصب الرفيع وضمانات عملية التنافس والإختيار تحت إشراف لجنة الإنتخابات الرئاسية التي يقودها رئيس المحكمة الدستورية العليا وبالمناسبة فهو أعلي منصب قضائي في مصر وبعضوية أقدم شيوخ القضاء في مصر بالإضافة الي عدد من الأعضاء والذين يتم إختيارهم من بين الشخصيات العامة المرموقة في الدولة بما يضفي علي رسالتهم مزيداً من الإستقلال ويدفع عنهم مغبة المجاملة. فالمادة (76) رسمت طريقين للوصول لمنصب رئيس الجمهورية في مصر الأول: عن طريق الأحزاب السياسية الشرعية القائمة وفقاً للقانون والتي حصلت علي مقعد واحد في عضوية مجلس الشعب أو الشوري في الإنتخابات النيابية التي تسبق الانتخابات الرئاسية. والطريق الثاني: لم يحرم المستقلين الذين فضلوا عدم الإنخراط مع أي تيار أو حزب سياسي من خوض الإنتخابات الرئاسية ولكن مع إجراءات مقيدة بعض الشئ إذ انها ليست إنتخابات محلية بل إنتخابات رئاسية تجري علي المستوي القومي لذلك ينبغي الحصول علي تأييد عدد من أعضاء مجلس الشعب أو الشوري المنتخبين وعدد من أعضاء الوحدات المحلية التي حددها الدستور. وبحسبة بسيطة يمكن القول بأنه في الإنتخابات الرئاسية القادمة إذا علمنا ان عدد الأحزاب السياسية القائمة في مصر تبلغ أربعة وعشرين حزبا سياسيا وبالتالي فمن المنتظر وجود عدد لا بأس به من المرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة فأي توريث هذا الذي يمكن الحديث عنه في ظل وجود عدد يقترب من خمسة عشر مرشحاً تقريباً إذا إستطاعت بعض هذه الأحزاب الحصول علي مقعد وحيد في أحد المجلسين وهو تخفيف لشروط الترشيح بصورة غير مسبوقة في أي دستور مقارن علي مستوي العالم. فالمواد السالفة التي تناولت الشروط الإجرائية أو الموضوعية التي يجب توافرها في شخص رئيس الجمهورية هي نصوص عامة ومجردة دون تخصيص أو تفضيل لمرشح علي آخر فليس في نصوص الدستور ما يمنع جمال مبارك أو غيره من التنافس الشريف علي هذا المنصب الرفيع بشرط أن يكون قادراً علي أن يحوز ثقة وتأييد الشعب المصري فهو صاحب السيادة والكلمة العليا والقول الفصل في تفضيل مرشح علي آخر. كاتب المقال : الوكيل العام الأول للنيابة الإدارية دكتوراه في القانون الدستوري