المشاهد للتليفزيون في رمضان هذا العام يشعر أنه في مولد وصاحبه غايب! فالكل موجود بإنتاجه ومسلسلاته وبرامجه وإعلاناته، والكل يفترس المشاهد بقسوة، يريد أن يربح ويتواجد ويشتهر علي حسابه. فالمشاهد هو الخاسر الوحيد في هذا المولد المنصوب 42 ساعة يوميا علي مدي 03 يوما هي أيام شهر رمضان المبارك! المشاهد تائه بين مسلسلات تجارية، تستهلك وقته وعقله بلا أي معني أو قيمة أو موضوع يحرك الفكر والخيال، وبين برامج »تقطيع الهدوم« و»الردح الرخيص« التي تشوه صور نجوم كنا نحبهم، وكنا نقدرهم حتي شاركوا في هذا المولد الذي بلا صاحب. حتي المسلسلات ذات المضمون ومنها »عايزة أتجوز« الذي يناقش مشكلة العنوسة في قالب كوميدي، أو »العار« الذي يحاكي الفيلم الشهير الذي يحمل الاسم نفسه، ضاعا في زحام المسلسلات والإعلانات ووصلات الردح البرامجية. أما »زهرة وأزواجها الخمسة« فهي النسخة »الحريمي« من »الحاج متولي«، هكذا أراد كاتبها مصطفي محرم أن يستثمر نجاح مسلسله السابق تجاريا، فلم يتعب نفسه كثيرا، قلب الفكرة علي »الوش التاني«، وهات يا كتابة! ربما تكون الحسنة الوحيدة في هذا المولد الغريب هي مسلسل »الجماعة«، إنه العمل الوحيد الذي لم يستطع الزحام والرداءة أن يطمسا معالمه القوية ومضمونه العميق، وشأن الأعمال الدرامية العميقة، جذب المشاهدين علي اختلاف أعمارهم واتجاهاتهم، وأفسح لنفسه مكانا فريدا له احترامه وخصوصيته. فشكرا للكاتب القدير وحيد حامد، الذي لايزال يدافع عن القيمة والمعني والرسالة في زمن التفاهة والضآلة والاسترزاق، وتحية خاصة للمنتج المحترم كامل أبوعلي الذي تصدي لإنتاج هذا العمل التليفزيوني المهم، ليذكرنا بالمنتجين الكبار، عندما كان هناك فن حقيقي يريد أن يقول شيئا أو أن يحدث تغييرا في عقول الناس، والحقيقة أن هذا المسلسل الفريد هو الذي بيّض وجه التليفزيون المصري في رمضان 0102. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه: متي يعود التليفزيون المصري إلي دوره الأصيل، ويتبني رؤية محددة من خلال خريطة تليفزيونية رمضانية ممتعة وعميقة في آن واحد؟ هل أطلب المستحيل؟ أكاد أسمع أغنية سيدة الشرق أم كلثوم: وعايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يا زمان!