يبدو أن الأخبار السيئة سوف تلازم القمح العالمي خلال الفترة المقبلة بما ينذر الدول المعتمدة علي استيرادها للغذاء من الخارج لمواقف مؤلمة جراء عدم استيعابها لمغبة الاعتماد علي الغير. ففي خلال الأسبوع الماضي كانت التقديرات الأولية تشير إلي توقع انخفاض إنتاج القمح في روسيا بنسبة لا تتجاوز 14٪ إلا أن البيان الصادر من مجلس الحبوب العالمي ومجلس القمح الأمريكي هذا الأسبوع أشارت إلي أن هذا الرقم تضاعف الآن وأصبح المتوقع أن تصل نسبة الانخفاض في محصول القمح الروسي إلي نحو 30٪ من المحصول المتوقع بسبب زيادة حرارة الأجواء في روسيا نتيجة لاستمرار حرائق الغابات وتأخر موسم الأمطار. وبالمثل أيضا كان من المتوقع أن تنخفض صادرات روسيا من القمح بما لا يتجاوز 15٪ ولكن تقديرات 15 أغسطس أشارت إلي توقع انهيار الصادرات بنسبة لن تقل عن 84٪. بالإضافة إلي ذلك فقد أشارت تقديرات الأسبوع الأول من أغسطس بتوقع انخفاض محصول القمح في أوكرانيا بنسبة 13٪ فقط ولكن تقديرات هذا الأسبوع أشارت إلي تضاعف هذه النسبة بثلاثة أضعاف ووصلوها إلي 36٪. ويبدو أن الكوارث ليست في دول شمال وغرب البلقان فقط ولكنها وصلت إلي الانخفاض المتوقع من المحصول العالمي نتيجة لانهيار الإنتاجية في روسيا وأوكرانيا حيث أشارت التقديرات إلي انخفاض الإنتاجية العالمية للقمح بنسبة 6٪ بدلا من المتوقع سابقا بانخفاض 2٪ فقط ليصل المحصول العالمي المتوقع حتي الآن إلي 645 مليون طن بدلا من سابق التوقع بأن يكون 661 مليون طن، مع انخفاض نسبة المخزون العالمي المخصص للتصدير بنسبة 24٪ بدلا من 12٪ في الأسبوع الماضي. يضاعف من تأثير هذه الانهيارات في إنتاجية القمح الفيضانات التي اجتاحت الصين والهند وباكستان وبنجلاديش والتي دمرت الزراعات القائمة من القمح والأرز بما أخذ بأسعار الأرز عاليا بنسبة 10٪ خلال أسبوع واحد فقط وما يخلقه بزيادة الطلب علي القمح كبديل للأرز بالإضافة إلي دخول هذه الدول كمشترين جدد للقمح بعد سابق اكتفائها الذاتي منه لعشرات السنين بما سيزيد من حجم الطلب علي القمح العالمي مصاحبة لنقص المعروض وبالتالي حدوث المزيد من زيادة الأسعار. الدول المستوردة للقمح خاصة دول شمال أفريقيا التي تضم ثلاث دول من قائمة الدول العشر الأكثر استيرادا للقمح في العالم وهي مصر والجزائر والمغرب شهدت انخفاض محصول القمح هذا العام بنحو 13٪ نتيجة للشتاء الدافئ الذي اجتاحها والذي لم يوفي القمح احتياجاته من البرودة كمحصول شتوي. فإذا علمنا أيضا أن الطلب العالمي علي القمح يزيد سنويا بمعدل 2٪ طبقا لمتوسط نسبة النمو السكاني العالمي كما يزيد أيضا نسبة القمح المخصص للعلف بنسبة 3٪ فإن الصورة تكون قد اكتملت بالنسبة للانهيارات الحادثة هذا العام في إنتاجية القمح. التصور بأن كل من الولاياتالمتحدة واستراليا وفرنسا والأرجنتين يمكنهم إعادة التوازن للتجارة العالمية للقمح دون استغلال للأوضاع الحالية من تدهور الإنتاجية وزيادة الطلب وعدم رفع أسعار القمح يكون مخطئا لأن هذه الدول تطبق مبدأ التجارة الحرة وتترك الأسعار تتحرك كما تشاء وفقا لتوازن الأسواق . السؤال الذي يجب أن يدور في ذهننا جميعا هذا العام هو ماذا لو أن الموجة الحارة لشتاء هذا العام قد اجتاحت أيضا كل من الولاياتالمتحدة واستراليا وفرنسا بجانب روسيا وأوكرانيا فماذا سيكون الوضع في الدولة الأكثر استيرادا للقمح في العالم بمعدل وصل هذا العام إلي 9.5 مليون طن!!؟ وهل انخفاض المساحات المنزرعة بالقمح في مصر عاما بعد عام عند انخفاض الأسعار العالمية للقمح في صالحنا!!؟ كاتب المقال : استاذ بكلية الزراعة - جامعة القاهرة اعتذار يعتذر الدكتور محمد السعدني عن عدم كتابة مقاله اليوم ويستأنف الكتابة الاسبوع القادم.