توقفنا في الجزء السابق عند مخرجات التعليم التي باتت ضعيفة واليوم نستكمل حديثنا عن المدرسة التي تتحول بيئات مغلقة وذلك حين تكبت في عقول أبنائها روح التساؤل ، وتجعل من نصوص الكتب ومحتواها حدًا لآفاق التشوق العقلي ، وحين تئد لدي التلاميذ الرغبة في البحث والتقصي والكشف ، وحين تؤكد في أذهان التلاميذ أن هناك إجابة واحدة صحيحة لكل سؤال كما أن هناك حلاً وحيدًا صحيحًا لكل مشكلة ، وأن التفوق يعني عدم الخروج عن نصوص الكتب كما يعني الالتزام بمضمون المقرر الدراسي وما حوي من أفكار . ويمكن للمدرسة أن تكون بيئة مخصبة للابتكار ، وبوابة الدخول إلي عالمه الواسع الرحب بما ترسخه في أذهان أبنائها ونفوسهم من حب الاستطلاع وحرية اكتشاف المشكلات والتفكير في سبل غير تقليدية لحلها والتسامح إزاء التناقضات ، وبما تهيئه المدرسة من أنشطة متنوعة بعيدة عن ضغوط الامتحانات والمناهج التي تمثل حواجز حقيقية في طريق الابتكار وفي الاتجاه الذي يهواه كل طفل لتفجر طاقات التلاميذ الكامنة وتكشف عن إمكاناتهم الخبيئة . وأن الابتكار قدرة يمكن التدريب عليها وتنميتها ، وذلك بإتاحة الفرصة أمام التلاميذ لتنمية التفكير الابتكاري لديهم داخل بيئة علمية مفتوحة لا يحدها منهج أو امتحانات ، بيئة تسمح للطفل أن يستكشف ما حوله وتدهشه وتثير لديه الخيال وتسمح للكبار أن يستكشفوا قدرات ومواهب الأطفال ؛ لأن ذلك أصبح ضرورة استراتيجية مُلحة لبناء الجيل المبتكر الخلاق ، ويلزم لذلك إدخال آلية جديدة للتعلم، وهي تكوين الخبرات بحيث لا ترتبط في ذهن الطفل بالدرجات والشهادات ، فالطفل يريد بيئة تعليمية يشعر من خلالها بمتعة التعلم الحر بعيدًا عن المسار المحدد وعن جو الامتحانات والدروس المنظمة والقالب التقليدي . والطفل أيضاً يريد بيئة تسمح له بالتعلم من خلال الاستكشاف والاستمتاع ، ومن خلال حبه الغريزي للمعرفة ، وتسمح بالتعلم الحر وبناء الشخصية العلمية ، وفي نفس الوقت يتوافر فيها احترام شخصية الطفل وحقه في الاستكشاف ، كحق من حقوق الطفل المفتقدة ، وبالذات عن طريق اللمس والفك والتركيب دون خوف ودون نهر . لذلك فإن توفير بيئة علمية مفتوحة غنية بالمثيرات المتنوعة واستخدام الأنشطة الجديدة والمبتكرة في تنمية التفكير الابتكاري لدي الأطفال ضرورة من أجل إبعادهم عن المناخ المدرسي المقيد بالمنهج والامتحانات والتقييم ، فالطفل يكره البيئة غير الجذابة والمغلقة ، ولذلك يفضل العيش في بيئة مليئة بالمثيرات ، وهو -أيضًا- يفضل البيئة القابلة للترتيب والتنظيم والمثيرة للذهن لأنه شديد التأثر ببيئته ، وعلي البيئة أن تسمح له بحرية التعبير عن أفكاره وإذا صدمته البيئه بدا أكثر قلقًا، وأصبحت البيئة بذلك معوقًا لتنمية التفكير الابتكاري لدي الأطفال . والمطلوب إذًا هو جيل من العلماء يَشُبّ علي أرض مصر ، ويبقي علي أرض مصر ، ويبني علي أرض مصر ، ويكتشف ويخترع ويبتكر علي أرض مصر . بحيث نصدر إلي الغرب وإلي العالم نتاج أفكارهم وخبراتهم لا نصدرهم هم . فنحن نحتاج إلي إنشاء قاعدة ضخمة من المهتمين بالعلم علي أرض مصر ، بحيث تنشغل هذه القاعدة بكل ما تحتاجه مصر لتطوير آلة إنتاجها ، وبما يمكنها من المنافسة العالمية في عصر العولمة والأسواق المفتوحة . وما يلزم لتحقيق ذلك هو أن نبدأ بأطفال اليوم ، ونخطط لهم من الآن مستقبلاً جديدًا أساسه : تشجيع الموهبة ، وتحفيز الابتكار ، والتدريب علي المبادأة للعمل المبتكر الحر ، وتحرير الأفكار ، وإطلاق الخيال وملكات الإبداع . وهذا الاتجاه تبنته السيدة الفاضلة / سوزان مبارك وأنشأت تحت رعايتها العديد من المراكز والبيئات العلمية اللانمطية والمدن العلمية الاستكشافية في كل أنحاء الجمهورية للتشجيع علي التعليم الاستكشافي والابتكاري وتنمية ملكات الإبداع والابتكار لدي الأجيال القادمة .