علي الرغم من أن القطاع الزراعي يمثل أهمية بالغة لمصر ويستوعب نحو 35٪ من إجمالي العمالة المصرية ويعمل به أكثر من 65٪ من أهل الريف في محافظات الوداي والدلتا إلا أنه تهميش دوره في دعم الاقتصاد المصري أصبح ظاهرة تستحق الدراسة حيث تشير أرقام الموازنة العامة للدولة إلا أن القطاع الزراعي لا يساهم إلا بنحو 17٪ فقط من إجمالي الدخل القومي المصري!!. ولو كانت مصر إحدي الدول البترولية أو واحدة في قائمة العشرين دولة الصناعية الكبري أو المنطلقة اقتصاديا لبدا حجم مساهمة القطاع الزراعي في الدخل القومي منطقيا إلا أن واقعنا كدولة زراعية لا يجعلنا نتقبل هذا التهميش الذي يبدو غريبا. وعلي سبيل المقارنة ففي قطاع البترول فإن البترول وكافة مكونات تصنيعه من بنزين وسولار ومازوت وبتروكيماويات ينسب مساهمتها في الدخل القومي إلي قطاع البترول بينما وعلي خلاف ذلك تماما فإن جميع أنشطة تجارة وتصنيع المنتجات الزراعية ينسب عائدها إلي قطاعي التجارة والصناعة!!. فإذا ما خرجت الخضروات من الحقل إلي مصانع التعبئة والتجميد والتعليب فإنها بذلك تكون ناتجا صناعيا، وإذا ما خرجت الدواجن إلي مصانع التجميد أو قسمت إلي أوراك وصدور وأجنحة وعبئت وغلفت أو تم طهيها جزئيا فإنها تكون منتجا صناعيا!! وحتي محلات بيع اللحوم والدواجن والبيض والتي تأخذ بضاعتها كاملة من القطاع الزراعي فإن ناتج بيعها يحسب لقطاع التجارة الداخلية ولا تحسب كمنتج زراعي يساهم في الدخل القومي يمكن أن يبرز دور مصر الزراعي في مجابهة الفجوة الغذائية المصرية والعربية والتي تزداد يوما بعد يوم. ويصل الأمر في هذا التهميش أن حتي ناتج الأرض الزراعية من أرز وقمح وحبوب وبقول والتي تباع في محلات التجزئة والسوبر ماركت معبأة أو سائبة في محلات البقالة والعلافة فإنها تنسب أيضا إلي قطاع التجارة الداخلية منكرة علي القطاع الزراعي أن يجني ثمار جهود مزارعين ومهندسين ومرشدين ومنتجي تقاوي وأسمدة ومبيدات. إن السياسة العامة التي بدأت تنتهج خطة الزراعة المتكاملة لتقليل الفاقد في القطاع الزراعي والذي قد يصل إلي 30٪ بإدخال التصنيع الزراعي في العديد من زراعات الخضروات والفاكهة حيث تشير البيانات علي سبيل المثال أن حجم التصنيع الزراعي للطماطم بتحويلها إلي عجينة مركزة (صلصلة) لا تزيد عن 3٪ من حجم محصول الطماطم في مصر في حين يصل الفاقد منها إلي 30٪ في الأسواق بسبب سرعة تلفها وسوء وسائل التداول والحفظ في أسواق الجملة والتجزئة المتاحة حاليا. وبالمثل أيضا باقي الخضروات المحفوظة والمجمدة وبنسب تصنيع اقل من 1٪ من المحصول وتلف كبير في الأسواق علي الرغم من البيانات المعتمدة تشير إلي أن 60 - 80٪ من مبيعات السوبر والهايبر ماركت ومحلات التجزئة تعود إلي المنتجات الغذائية والخضروات والفاكهة واللحوم والدواجن المجمدة والمعبأة وسابقة التجهيز ونصف المطهية والتي أصبحت تناسب النمط السريع للحياة وعمل الزوجين خاصة في المدن بالإضافة إلي الجودة النسبية الأعلي من هذه المنتجات مقارنة بمثيلاتها المتداولة في أسواق التجزئة للخضروات والفاكهة. ونظرا للتكامل المنشود في مختلف قطاعات الأنشطة المنتجة وتنشيط الاستثمار والذي من أهم شروطه تبسيط الإجراءات وعدم تعددها بين قطاعات ووزارات مختلفة فإن ملف التصنع الزراعي بأكملة يجب أن ينضم إلي القطاع الزراعي بعيدا عن قطاعي الصناعة والتجارة بدءا من تصنيع منتجات الألبان واللحوم والدواجن الطازجة أو سابقة التجهيز والمناحل وتعبئة وتجميد وتصنيع وتعليب الخضروات الفاكهة وغيرها كما يجب أن تتم أيضا في المجتمعات الزراعية لتحسين اقتصادياتها بتقليل وتحجيم تكاليف النقل ثم التسويق والتوزيع. هذا الأمر يجب أيضا أن يطبق علي جميع طلبات الاستثمار في القطاع الزراعي والتي مازالت تحت الدراسة والتي يجب أن يشترط فيها تصنيع أجزاء كبيرة من المنتج الزراعي لأراضي المستثمرين وعدم الاعتماد فقط علي تسويق المنتجات الطازجة مع ضرورة تكامل النشاط المزرعي بأن يضم وحدة إنتاج حيواني وداجني يمكن أن تستفيد من مخلفات المزرعة وتفيد الزراعة أيضا بمخلفاتها العضوية ووحدة تعبئة وتصنيع ألبان ولحوم وتجميد وحفظ وعصر وتركيز وخضروات ومصنعا للأعلاف وآخر لتحويل مخلفات وقمامة المزرعة إلي أسمدة عضوية حفاظا علي البيئة وتدويرا للمخلفات إلي أن يصل الأمر مستقبلا للوصول بالمزرعة المكتفية ذاتيا والمفيدة للمجتمع المحيط بها بإعداد وحدة إنتاج خبز للعاملين بالمزرعة والمنطقة المحيطة مع كافة المنتجات الزراعية المصنعة والمعبأة التي توفر احتياجات مجتمع القرية والمحافظة المحيطة بالمزرعة ثم وحدة تصدير مستقبلية بمواصفات قياسية مع تنامي جودة وإنتاج هذه المزارع النموذجية. كما يستطيع التعاون الزراعي والمجتمعات الأهلية تنظيم وحدات إنتاجية مماثلة لتجميع أعداد من الزراعات والملكيات الصغيرة لتصل بها إلي ألف فدان يمكن أن تعمل كوحدة إنتاجية متكاملة للإنتاج والتصنيع الزراعي وتدوير المخلفات والحفاظ علي البيئة وتوفير الأسمدة العضوية التي تحتاجها هذه المزارع بتدوير مخلفاتها. يستطيع القطاع الزراعي أن يلعب دورا محوريا في تطوير وتنمية وزيادة دخول أهل الريف والعودة إلي القرية المنتجة والمتكاملة والمكتفية ذاتيا والمحافظة علي البيئة فتقل الإصابات بالسرطان والفيروسات الكبدية والفشل الكلوي والتي أصبحت الآن في كل بيت في الريف والحضر.