وداعا فارسة الگلمة تلقيت بحزن عميق نبأ وفاة الكاتبة القديرة سناء فتح الله، فقد أيقنت أن الكلمة الجريئة ستخبو إلي حين بوفاتها، فهي بحق »فارسة الكلمة«، ولكن أي كلمة! انها الكلمة الجريئة المقاومة للصهيونية، فمن النادر أن تقرأ مقالة للفقيدة تخلو من رأي جريء، أو من فكرة مقاومة للصهيونية، أو من تفنيد للمخططات الإسرائيلية، وهذه الأمور يتجنبها أغلب الكتاب طلبا للسلامة، ولكن فقيدتنا كانت فارسة هذه المجالات بلا منافس. فمن منا نسي ابتهاجها بصدور كتاب »محاكمة مسرح يعقوب صنوع« عام 0002، وإلغاء ريادة صنوع للمسرح العربي في مصر، فكتبت الفقيدة ثلاث عشرة مقالة متتالية، تعد أطول سلسلة مقالات نشرتها الفقيدة في موضوع واحد. والمعروف عن الفقيدة أنها ناقدة مسرحية قبل أن تكون ناقدة صحفية أو كاتبة سياسية، ولكنها استطاعت بمهنية نادرة أن تجمع هذه الصفات في عمودها الأسبوعي »الساعة 9«، دون أن تتخلي عن دورها القومي في مقاومة الصهيونية، فعلي سبيل المثال في مقالاتها الثلاث »المسرح الحي«، المنشورة عام 0002، استطاعت أن تنسج بقلمها مسرحية سياسية نقدية، فتناولت في الفصل الأول مجازر إسرائيل المعروفة »دير ياسين، تل الزعتر، صابرا وشاتيلا، قانا.. إلخ«، وفي الفصل الثاني تناولت هولوكوست المسجد الأقصي من خلال الشهيد محمد الدرة، وفي الأخير تناول فكرة التاريخ يعيد نفسه من خلال وهم إسرائيل بأنها شعب الله المختار، واختتمت مقالاتها بدعاء »يارب.. زلزل الأرض تحت أقدامهم، ودمرهم تدميرا«، وهو دعاء ختام مسرحية »رسالة الطير« لقاسم محمد، التي عرضت علي مسرح الهناجر. واذا تتبعنا كتابات الفقيدة القومية من خلال موقفها المقاوم للصهيونية سنحتاج إلي أطنان من الورق لنسطر فيها هذه المواقف، لذلك سنشير إلي بعضها مثل: مقالها »السطو الصهيوني علي الموسيقي العربية«، وهو كتاب لفرج العنتري وفي المقالة أبانت الفقيدة عن النوايا الصهيونية لتسجل الأعمال الموسيقية العربية، كي تنسبها إلي الكيان الصهيوني. وفي مقالها »فرقة رفح المسرحية« تحدثت عن العرض المسرحي »الاغتصاب«، لسعد الله ونوس كعرض مقاوم للصهيونية. وفي مقالها »في ساحة الأقصي«، دعت إلي كتابة مسرحية تجسد جريمة القرن العشرين، وهي اغتصاب الدولة الفلسطينية، وقامت الفقيدة بكتابة خطوط العمل العريضة من خلال تاريخ الجريمة تشجيعا للكتاب المسرحيين، وفي مقالها »من سيحرر القدس« مدحت وشجعت الأفلام التسجيلية التي عرضت في مكتبة القاهرة، وهي: القدس، ورسالة فلسطين، وأيام مقدسية، وشدو الحجارة. وفي مقالها »مسرحية رديئة اسمها الهيكل«، دعت إلي كتابة مسرحيتين: الأولي، تقند مزاعم إسرائيل عن الهيكل واستبداله بالمسجد الأقصي، والأخري، تفند مزاعم الصيهونية بأن الإسلام عدو للمسيحية. وتحت عنوان »حروب القدس« كتبت الفقيدة تسعة مقالات دعت فيها إلي تأليف مسرحيات تسجيلية توثق حروب القدس لتعرض علي العالم بجميع لغاته لإظهار الحقيقة أمامه. وفي مقالها »قصص تحت الاحتلال« أشادت بهذه المسرحية التي عرضت في المهرجان التجريبي لفرقة مسرح القصبة برام الله، كما أشادت في مجموعة مقالات بالعرض المسرحي »لن تسقط القدس«. وفي مقالها »نحن في حاجة لعروض تسجيلية ووثائقية« دعت إلي إنتاج أفلام تسجيلية تبين عدم أحقية تواجد إسرائيل في المنطقة، وتفنيد مزاعمها. وفي مقالها »الصمود«، تبنت فكرة كتابة مسرحيات من فصل واحد تسجل أشكال الصمود للشعب الفلسطيني. وفي مقالها »الاستشهاديون« أشادت بالفكرة قائلة: »الاستشهاديون يقومون بأرفع آيات المقاومة من أجل الأمل في حياة أفضل.. وليس اليأس من الحياة كالانتحار«. وفي مقالها »فارس بمائة مليون جواد«، أشادت بالفنان محمد صبحي ودوره في المسلسل لفضحه المخططات الصهيونية، وفي مقالها »حرب المصطلحات«، فندت باقتدار تبعا لموقفها القومي المصطلحات الإعلامية المرفوضة، مثل: التطبيع، ومعاداة السامية، وحائط المبكي، وتهويد القدس، وعرب إسرائيل.. إلخ. هذه إطلالة سريعة علي موضوعات الفقيدة طوال عامين فقط »0002 2002«، فيما يتعلق بموقفها من الصهيونية، فما بالنا بما كتبته طوال أكثر من نصف قرن! ألا يستحق هذا العطاء صدور كتاب عن الفقيدة يخلد ذكراها، ويسجل للأجيال الموقف الثابت لكتابة مصرية عربية آمنت برسالتها الصحفية، وأخلصت لقلمها.. أتمني أن أقرأ هذا الكتاب قريبا، وياليته يحمل عنوان »سناء فتح الله.. فارسة الكلمة«؟! أ.د. سيد علي إسماعيل سناء فتح الله والگتابة وطن لك الله يا صديقة العمر لك الله يا سناء.. لقد استطاع حضورك الطاغي بمقالاتك التي كانت تضرب في العمق وتصبح مدفعا في الحرب ووردة في السلام.. بات فراغا لا يملؤه أحد!! استطعت بقوة العزيمة واستحضارك القدرة الدفاعية في كل قضاياك أن تنسينا نحن الذين كنا نشاركك الألم نشعر بأنك أقوي منا جميعا أقسم برب العزة أنني كنت أنس تماما أنها تمسك بالسماعة بصعوبة لترد علينا أو تتواصل معنا.. والقدرة علي نسيج المقالات واتساق الحجة ورجاحة الأفكار والغريب أنها كانت تضع يدها علي اعقد القضايا. والغريب أنها كانت كأنها في كل مكان.. تبذر حب الوطن.. الغريب أنها كانت تستحضر اللحظة في عمق غير مسبوق لتصل إلي النقاء.. لقاء الوطن من الدنس ونقائها في الفشل في الحل أحيانا كانت تطلبني وتقول. افتحي التليفزون بسرعة شوفي المهزلة.. افتحي شوفي كذب فلان وعلان.. إنه نسي أو تناسي أننا كنا في قلب هذا الحدث معه وأنه مغالط كانت هذه الأشياء تمرضها وتمزقها داخليا وخارجيا وأفتح التليفزيون وتظل معي وكأننا في مؤتمر لم تفقد حماسها لمشاكلنا الداخلية لحظة. لم تفقد علاقات مصر الخارجية أبدا أبدا.. كانت مهتمة لكل هموم الوطن.. كانت إذا قرأت نصا مسرحيا بحثت عن مصر فيه ثم ألقت الضوء عليه وإذا لم تجدها وجهت نظر الكاتب إلي فراغ النص من مصر.. ذاب منها الجسد قطعة قطعة.. وهي مثابرة.. يا الله.. من أين لك كل هذا الصبر؟ يا الله من أين لك تلك القدرة علي التحمل؟! لعل القراء الأحباء لولعها بالتواصل الجيد معهم لعلهم لم يتصوروا لحظة عذابات سناء من أجل كتابة مقالات يطل من ثناياها الوطن.. سواء الافراح بأعياد الحصاد أو الاتراح لفقد قدرات الوطن يا حبيبتي سناء ليتنا نجمع كتاباتك في كتيبات صغيرة ليتنا نلملم تفاصيل ولعك بالوطن لتصبح في كتب حتي تعلم الأجيال القادمة أن هناك سيدة فاضلة فاض ذكاؤها بين يديها وحول الكتابة إلي وطن. نعم الباز هي أيوب من عصرنا ليس سهلا أن أتكلم عنها بصيغة فعل ماض: إنها سناء فتح الله المفعمة بالحيوية والنشاط والحماس والإقبال علي الحياة تزرع فيها وتسقي نبات الإخلاص والمحبة والصدق والأمانة. صديقتي في مشوار سنوات تعدت نصف القرن دراسة وعمل وبحث عن أفراح للوطن نختلف ونتفق ولا تهتز بيننا قيم الوفاء والشهامة والتراحم. باهرة الجمال خلقة وخلقا، سريعة البديهة لاذعة التهكم، تلقط المفارقة وتضحك من القلب، تكتم الآهات وتتحدي الوجع وتعاند الجراح. حين كان الغضب يملؤنا بفعل أمور تغيظ انحيازنا للحق والخير والعدل والجمال، كنا نشد حديثنا الي الشعر الطيب ونغنيه حماية لنا من لجج الغرق في اليأس. معا وقفت أقدامنا علي أرضية مشتركة ليست بها مساحة للتبرم من محن الزمن ومصائب الأيام فشعارنا: ما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن لا شكوي ولا ندم فلا نأسف علي مافاتنا ونفرح بنعمة الحمد لله كثيرا. حتي آخر مكالمة هاتفية معها قبل سبقها إلي لقائه سبحانه وحده لا شريك له كانت كلمات التسبيح بالشكر له وتحية السلام ولا إله إلا الله، الندي المرطب لشفتيها والمعلق بلسانها فتغلبت علي محنة الابتلاء بالمرض وقهرت الآلام فكأنها وقد شربت كأس الرضاء لم تمرض أبدا فطوبي لها: صديقتي الوضيئة سناء فتح الله: أيوب عصرنا. صافي ناز كاظم آخر الأحزان إهداء إلي أمي وأستاذتي سناء فتح الله طابور يسلم إيد ورا إيد وعيون تبص بحزن شديد وانا اللي واقف في مكاني يجعلها آخر أحزاني ما هي آخر أحزاني يجعلها أخر مصايبنا آخر وداعنا لحبايبنا أخذنا م الحلو نصيبنا والمر عارف عنواني يجعلها آخر أحزاني يجعلها آخر حضن جميل آخر ايدين تسند وتشيل وعيون حنانها الصافي يسيل وقلب يفرح علشاني آخر لسان يصرخ بالحق وقلم بينزف كلمة لأ آخر قمر لو غاب وانشق في الجنة حينور تاني يجعلها آخر أحزاني آخر دعاء في صلاة الفجر آخر ملايكة ليلة القدر آخر سبب لنزول رحمة موش باقي غير الزيف والغدر وطفل عايش وحداني يجعلها آخر أحزاني محمد بهجت