"ليست هناك خطيئة اصلية هناك حكاية اصلية..." هكذا تختم سلوى النعيمي الكاتبة السورية المقيمة في باريس روايتها الجديدة "شبه الجزيرة العربية" الصادرة عن دار "رياض الريس" في بيروت والتي يحمل غلافها لوحة للفنان الراحل شفيق عبود، اقرب الى خارطة بلون الرمال المتدرجة في الاصفر. وتحفل الرواية بسياقات خاصة تتطرق للحياة والوطن والعلاقات والجنس بكلمات معلنة واخرى موازية تختمر في الرأس وحكايات تقوم على خط تماس يتحول الى خط للقص يقتضي العوم فوق الكلام بحثا عن "الجنة الضائعة" وعن "الجسد المحروم من تاريخه". وعن عنوان الرواية التي تثير العلاقة بالوطن السوري وهي مبنية على تذكر لحظات هذا الوطن الذي تحول الى قبر ليس فقط في زمن الثورة بل من فترة تسبق ذلك بكثير، تقول سلوى النعيمي "ليس المعنى الجغرافي هو المقصود وانما انا احيل على عالم عربي كامل بكل ما فيه من لغة وهوية وانتماء من خلال الكتابة". اما عن فصول الرواية التي وضعت لكل منها عنوانا استقته من قصائد سابقة لها فتقول "حين الكتابة، كانت مقاطع كاملة من كتاباتي السابقة تتسرب الى كتابتي بشكل طبيعي". وللكاتبة عدة مجموعات شعرية آخرها "انا اعطيناك"، اما "شبه الجزيرة العربية" فهي روايتها الثالثة بعد "برهان العسل" و"كتاب الاسرار". وتقول الكاتبة التي تسترجع في الكتابة العلاقة مع "المكان الاول" ان "الحميمية" هي ما يجمع بين "شبه الجزيرة العربية" وبين كتابها السابق "برهان العسل" بل هي تعتبر العمل الجديد "اكثر حميمية" وترى ان التطرق لموضوع الجنس في الكتابين اسهل من الكتابة عن الوطن. وتشرح الكاتبة "الموضوع العام اتكلم به بصعوبة اكبر منه مع الموضوع الخاص. انا اعجز عن الكتابة عن الثورة مثلا فانا احس انها هي الموضوع الحميمي. الكلام عن الوطن لم اتمكن من طرحه بشكل معلن اذ هو مشكلة وجودية بالنسبة لي بحاجة لجرأة أكبر لاكتب عنها وهذه مفارقة في علاقتي مع الموضوع العام". واعتبرت النعيمي التي تسجل في كتابها هذا قطيعتها الذاتية والنهائية ربما مع الوطن الذي لا يجيد سوى قتل ابنائه ممن فضل البقاء فيه ان "الكلام عن الجنس وما يوصف بالكتابة الجريئة اسهل علي لاني اكتب من خلاله وفي الحميم وعيي بلغتي". وتطرح الرواية تساؤلات كثيرة حول الوطن لكنها كلها تظل معلقة او قد تأتي الاجابة عليها ربما من صديق كان عاتبها على اختيارها المنفى لكنه يبادرها حين تعود وتلتقيه "نحن بقينا لكننا لم نربح نفسنا ولا الوطن". لكن هل ربح نفسه من هاجر؟ هذا السؤال ترد عليه سلوى النعيمي بالقول "عندما تجبرين على العيش بعيدا لا بد ان تخترعي وطنا ثانيا او احاييل تستطيعين من خلالها ان تتابعي الحياة ... الوطن لا يمكن ان يكون جسدا او فكرة انها مجازات نخترعها لنواسي انفسنا، انه حل شخصي فيه نوع من الهروب في محاولة للحفاظ على النفس". اما حول ذاتية كتابتها واستخدامها لصيغة "الانا" في الرواية هذه كما في عملها السابق فتشرح "الكتابة ليست الحياة وليست نقلا لحياتي على الورق. كل شيء مكتوب حقيقي لكنه كذب بمعنى الكتابة. استخدم عناصر من الواقع ولا يمكن في الكتابة الا ان اكون ذاتية ربما لان كتابتي تتناول الحميمي. لا اتخيل اني ممكن ان اكتب شيئا الا من خلال ضمير المتكلم". ويتضمن المعنى في كتابة النعيمي البسيطة الظاهر، مستويات عدة تقود الى امكنة خطرة وحيث العام يتحول الى خاص حتى تمكن كتابته، وحيث الذاتي يتحول الى عمومي له لغته الخاصة "كل ما اقوله حقيقي وكل ما اقوله سرد لواقع متخيل. انا لا احكي حكاية عائلتي ولا حكايتي احكي حكاية علاقتي مع المكان الاول". وعن اضافتها للفصل الاخير بعد اندلاع الثورات العربية والذي رأى البعض انه مقحم على الرواية التي كتبت في وقت سبق الثورات، تقول سلوى النعيمي التي اختارت تونس ومدنها البحرية كمكان دائم للكتابة "كتابة الرواية تمت في بلد اندلعت فيه اول ثورة عربية ولم يكن من الممكن ان اتجاهل ذلك". وتضيف حول هذه النقطة "الحياة تقلب السرد، والتاريخ اقوى من السرد، من خلال اللغة والكتابة كنا نحاول النضال ضد الموت الذي يعيش فيه العالم العربي. لكن في اقصى احلامنا لم نكن نتجرأ ان نفكر بالثورات". ويحمل الفصل الاخير عنوان "آراب إز بيوتيفول" محاكاة لعبارة "بلاك إز بيوتيفول" هذه العبارة التي رددها السود في فترة ما لتأكيد وعيهم بذاتهم وهنا تعلق سلوى "هذا كان شعاري وكنت اردده دائما وهو موقف من ثقافة كاملة مثل اشياء نتشبث بها حتى لا نغرق". يبقى ان للكتابة في الخارج كما ترى سلوى النعيمي "محرضاتها المختلفة تماما عن المحرضات الموجودة في الداخل" محرضات تقود الى "شعور بالحرية لا يضاهى. لا يمكن لاحد ان يأسرني. لا العائلة ولا الوطن ولا الحزب ولا الحب ولا الزوج ولا الولد ولا العمل".