يبدو واضحا التراجع النسبي للتغطية الإعلامية العربية لتطورات قضية القدس تحت الاحتلال الاسرائيلي, سواء علي مستوي وسائل الإعلام المكتوب أو المسموع أو المرئي. وسواء أكان إعلاما قطريا أو إقليميا أو جماعيا. واقتصرت التغطية الإعلامية في الغالب الأعم علي نشر وإذاعة أخبار قصيرة نسبيا حول انتهاكات اسرائيل الصارخة علي أرض القدس ومقدساتها, وتضاءلت نسبيا المقالات والدراسات التحليلية والتحقيقات الصحفية أو الإذاعية أو التليفزيونية, ومن هنا تبدو أهمية اعداد مسح اعلامي لقضية القدس علي مدي الأعوام الثلاثين الأخيرة أي منذ صدور قانون تهويد القدس في30 يوليو1980 وحتي الآن. وتعرضت القدس خلال العقود الثلاثة(1980 2010) لأبشع وأعلي وسائل الاستعمار والاحتلال والتهويد والتشريد والتخريب.. إلخ, وسجلت اسرائيل بذلك سابقة تاريخية لم تتكرر في أية مستعمرة من مستعمرات الامبراطوريات الاستعمارية السبع التي هيمنت علي دول افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية منذ الحرب العالمية الأولي وحتي إعلان الأممالمتحدة بتصفية الاستعمار عام1960, وكانت جنوب افريقيا العنصرية هي خاتمة موجة الاستقلال عام1990, بينما ظلت اسرائيل كدولة احتلال منذ عام1948 وحتي الآن, واستطاعت بمناصرة حلفائها التسلل إلي عضوية الأممالمتحدة من الباب الخلفي للمنظمة الدولية ومارست ابشع وسائل الاستعمار والعنصرية علي ارض فلسطين, ومن ثم لايكفي مواجهة اسرائيل بالشجب والتنديد فحسب حيث تبرز أهمية ممارسة الضغوط الدولية علي اسرائيل مشروطة بالمقاطعة حتي تمتثل اسرائيل لأبسط قواعد القانون الدولي الانساني. ومن منطلق أن أصحاب القضية أدري بشعابها فإن الانسان الفلسطيني أيا كان موقعه قد سئم من الاستماع الي الاحاديث المتكررة عن عروبة القدس دون تقديم أعمال وجهود ومساعدات, فالأحاديث الشفهية وبيانات الشجب والاستنكار لم تعد كافية ومن أوليات المطلوب مايلي: إجراءات عربية عملية تؤدي الي حماية المقدسات والحقوق السياسية للفلسطينيين بصفة عامة والمقدسيين بصفة خاصة. الإسناد السياسي والإعلامي لقضية القدس عبر استخدام العرب لعلاقاتهم الدولية ولغة المصالح بينهم وبين المجتمع الدولي, مثل المصالح التجارية والاقتصادية والعسكرية, بحيث تصبح جزءا من تفاهمات وإجراءات علي الصعيد الدولي. الإسناد الاقتصادي بتزويد صندوق الأقصي بأموال اضافية لا تنفق علي استهلاك الغذاء والدواء وإنما تنفق علي انشاء مرافق اقتصادية وتنمية مستدامة علي صعيد الزراعة والسياحة والصناعة بهدف دعم الفلسطيني وتثبيته علي أرضه. إنشاء وقفيات عربية جديدة, بمعني رصد أموال ومشاريع وقف ينفق ريعها علي القدس والخليل والمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين من أجل تطويرها وتعزيز مكانتها. تضامن الاجيال الفلسطينية المعاصرة في تحمل المسئولية, ويكفي الإشارة هنا الي أن خطورة انتهاكات اسرائيل العدوانية بشأن القدس لا تقتصر علي الجيل الاسرائيلي المعاصر بل تتزايد الخطورة جيلا وراء جيل, ويمكن الاشارة هنا إلي ما أثبتته وكالات الأنباء في10 مايو الماضي وأشارت الي متطرفين يهود أنتجوا تسجيلا لواقع افتراضي يمثل تصورا لهدم المسجد الأقصي( لاقدر الله), وذلك من خلال قصفه جوا, ويتم تداول هذا الشريط بين اليهود المتطرفين في مناسبات اجتماعية في محاولة لإعداد جيل يضع مسألة هدم الأقصي باعتبارها واحدا من اهدافه, ويأتي هذا التسجيل الافتراضي بالتزامن مع مخططات اسرائيلية اخري هدفها المس بالمسجد الأقصي سواء عبر حفر الانفاق أو بناء الكنس اليهودية في محيطه, كما يأتي ضمن محاولات عديدة للمتطرفين لبناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصي. وفي سياق هذا المخطط التهويدي أقرت اللجنة المسماة باللجنة المحلية للبناء والتخطيط بمدينة القدس في يوليو الماضي بناء32 وحدة استيطانية جديدة في احدي مستوطنات شمال القدس وأعلن المسئولون اليهود مواصلة التخطيط والبناء في كل أحياء القدس وعدم السماح بتدخل جهات خارجية. وفي مواجهة هذا التحدي الاسرائيلي الشرس لانجد في وسائل الإعلام التي نشرت أو اذاعت مثل تلك القرارات الاسرائيلية ردا فلسطينيا مسئولا للرد علي هذا التحدي اللهم إلا تصريحا صحفيا لرئيس وحدة القدس في الرئاسة الفلسطينية قال في سياقه إن مثل تلك الاجراءات لاتشكل أرضية إطلاقا لمفاوضات مباشرة ولاغير مباشرة, مشيرا الي ضرورة البحث عن وسائل فلسطينية أخري للدفاع عن الوطنيين المقدسيين والعقارات ومواجهة المخططات الاستطيانية في القدسالشرقية, وأضاف المسئول الفلسطيني في تصريحه ان وحدة القدس في الرئاسة رصدت خلال الشهرين الأخيرين أكثر من7 مخططات استيطانية جديدة تستوعب تقريبا150 ألف مستوطن جديد في القدسالشرقية مما يعني ان يصبح عدد اليهود في القدس بشقيها الشرقي والغربي مليون يهودي, وتقليص عدد الفلسطينيين من خلال الطرد الجماعي لسكان احياء بالكامل, كما هو في أحياء حي البستان وحي وادي حلوة في سلوان وحي الشيخ جراح وأحياء اخري, اضافة الي الطرد الفردي كما هو الحال في الاعلان عن طرد النواب المقدسيين في خطوة أولي لطرد شخصيات دينية ووطنية وشعبية أخري. ويبدو واضحا من تصريح المسئول الاعلامي الفلسطيني خطورة الخطوة التي أقدمت عليها اسرائيل مؤخرا... لكن التناول الإعلامي هنا اقتصر علي ما أقدمت عليه اسرائيل دون الإشارة إلي ردود الفعل السياسي والاعلامي الفلسطيني, وكأن سياسات التهويد أمر واقع لا يمكن التعامل معه إعلاميا, ولذا اقتصرت الصحف العربية علي نشر الخبر في حيز ضيق, ويبدو واضحا ان دراسة تلك الواقعة إعلاميا تؤكد تضاؤل مساحة نشر تلك الاخبار الخطيرة التي تتابع إعلاميا أخطر المخططات الاستيطانية الاستعمارية في عصرنا. ** نقلا عن صحيفة الاهرام المصرية