تنشغل الديبلوماسية الفرنسية في تحديد الخطوة التالية الواجب اتخاذها على خط دمشق - باريس بعدما كسر جان كلود كوسران مبعوث وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير القطيعة التي فرضها الرئيس جاك شيراك في السنوات الثلاث الماضية، فيما تبدي الديبلوماسية السورية تفاؤلاً حذراً في مدى إمكان ان «تنزل السياسة الفرنسية من القطار الأميركي، ليس فقط في لبنان بل في الشرق الأوسط في شكل عام». ويتفق الطرفان السوري والفرنسي على ان حل الأزمة اللبنانية يساهم في طي صفحة القطيعة، لكنهما يختلفان في كيفية مقاربة هذا الأمر. باريس ترى ان «السلوك السوري في لبنان يحدد مسار العلاقات السورية -الفرنسية»، غير ان الأفق مختلف بالنسبة الى دمشق التي لا تريد ان يكون مصير العلاقات مع باريس «رهناً بالعلاقات السورية - اللبنانية» بأمل ايجاد مسار ثالث مباشر بين باريس ودمشق. وكان واضحاً ان الرهان السوري في السنوات الأخيرة قام على ان «لا تغيير في المسار السوري - الفرنسي، قبل التغيير في الاليزيه». وبمجرد فوز نيكولا ساركوزي بالرئاسة بدأت دمشق إرسال إشارات إيجابية له، حيث بعث الرئيس بشار الأسد «برقية تهنئة» مع أمل تطوير العلاقات، قابلها ساركوزي بإرسال برقية تهنئة الى الأسد في مناسبة فوزه بولاية رئاسية ثانية بعد الاستفتاء الرئاسي الأخير، ملمحاً الى ان المفتاح في لبنان. وبين هذا وذاك، قام السفير الفرنسي في دمشق ميشيل دوكلو بجهد ديبلوماسي هائل، فكان يلتقي المعلم قبل كل زيارة استشارية يقوم بها الى باريس على أمل ان يأخذ معه «شيئاً جديداً» يقوي التيار المؤيد للحوار مع دمشق. ومثلما كان لبنان وراء القطيعة السورية - الفرنسية، تم توافق غير مباشر على ان لبنان ربما يكون البوابة لاستعادة الحوار. كانت دمشق تراقب الشقوق الظاهرة في جدار التحالف بين باريس وواشنطن ازاء لبنان ومظاهر القلق الفرنسية من أزمة كبيرة في لبنان تهدد الدور الفرنسي ومشاركتها في ال «يونيفيل». وبعد حوار ديبلوماسي، ابلغ المعلم السفير دوكلو رسمياً ان دمشق «تدعم في شكل كامل» المبادرة الفرنسية لاستضافة الحوار اللبناني في سان كلو. لكن المعلم لم يعلن ذلك، تاركاً «باب العودة مفتوحاً، لاحتمال عدم التعاطي الإيجابي مع الإشارة السورية». وبالفعل، تم وأد المحاولة الأولى بعد اغتيال النائب وليد عيدو وإطلاق صواريخ كاتيوشا على شمال إسرائيل والهجوم على ال «يونيفيل» حيث تعتقد المصادر السورية ان هذه الأحداث «استخدمت لمنع اي تقارب فرنسي - سوري». وبالفعل ألغى كوسران الزيارة التي كانت مقررة في إطار التحضير لحوار سان كلو. لكن الدعم السوري لهذا الحوار وعدم عرقلة دمشق ذهاب جميع الأطراف اللبنانيين الى باريس، شجع الوزير كوشنير على التحرك نحو دمشق، بعدما توصل الفرنسيون الى قناعة انه «لا يمكن حل الأزمة اللبنانية من دون الحديث الى سورية» وأن هناك «هدفاً معلناً مشتركاً بين الطرفين وهو الاستقرار والأمن في لبنان». وقالت مصادر مطلعة ل «الحياة» ان الرئيسين الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان والجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني «شجعوا الرئيس ساركوزي على الحوار مع سورية». ولم تكن مصادفة ان تكون المشاورات الديبلوماسية الفرنسية التي شارك فيها دوكلو، قد أدت الى التوافق على ان يكون المبعوث الفرنسي الأول الى دمشق، هو كوسران نفسه باعتباره عمل سفيراً لثلاث سنوات في دمشق في بداية التسعينات قبل ان يعمل مديراً للاستخبارات، ما ساهم في ان يكون له الكثير من الأصدقاء في سورية، الأمر الذي كان واضحاً في طبيعة لقاءاته مع الشرع والمعلم الى «حد ان الكثير من أصدقائه القدامى أراد رؤيته، لكن المواعيد أرجئت الى زيارة أخرى محتملة». أما الشيء الآخر الذي توصلت اليه الديبلوماسية الفرنسية، فهو أن «لا بد من اتباع مقاربة مختلفة عن المقاربة الأميركية مع سورية» وأن «أميركا مهتمة بالعراق اكثر من لبنان» وأنه «صحيح ان استشارات حصلت بين باريس وواشنطن قبل الزيارة، لكن قرار كسر العزلة والعودة الى الحوار اتخذته الخارجية الفرنسية بسبب اهتمامها بالاستقرار في لبنان واعتقادها ان تحقيق ذلك ممكن». ولم تكن مصادفة ان كوسران «لم يقدم لائحة مطالب الى محاوريه، بل قدم مقاربة حساسة وشاملة» و «حرص على الحصول على دعم كامل وعام لجهوده من دون الخوض في التفاصيل» مع المسؤولين السوريين. وبحسب المعلومات المتوافرة ل «الحياة»، فإن كوسران شكر السوريين على «دعم» حوارات سان كلو مقابل شكر الجانب السوري له لأنه حرص على دعوة جميع الأطراف من دون استثناء، في إشارة الى «حزب الله» وعلى ان باريس «لم تحاول فرض أي شيء على اللبنانيين» وأنها «لم تفعل سوى تسهيل الحوار»، الأمر الذي يعني «ان السياسة الفرنسية باتت ترى لبنان بمنظار واقعي» وذلك يتوافق مع التصور السوري بضرورة ان «يأتي الحل من الداخل ويدعم ويصان عربياً ودولياً».