يشغل بالي السمك بكل أنواعه. فهو موضة العصر في الأكل. وكل طبيب ينصح المريض والعجوز بالبوري والبلطي وباقي أفراد العائلة السمكية حسب قدرة الزبون فالأسعار نار. ولأنني من قرية تطل علي بحيرة نصف أهلها من الصيادين أو كانوا قبل التجفيف والتبوير والسفر لدول الخليج فقد أحببت السمك بكل أنواعه وأصغر احجامه.. ليحزنني هذه الأيام بأن الأسماك المستوردة المثلجة عرفت طريقها لمدن وقري الصيادين! وعندما منيت نفسي بوجبة فاخرة طازجة اختار صديقي الخبير مطعما شهيرا في الإسكندرية. لفت نظري فيه أنه يقدم البربوني مستوردا علي انه صيد بلدنا. وكان شكله جميلا كبيرا ولكن بلا طعم. حاولت أن اتحاشي أسماك المزارع التي تتغذي علي أنواع مجهولة من العلف ثم وجدت أنها أفضل من تلك التي تعيش علي مياه الصرف الصحي الفاسدة وما تحتويه من سموم بطيئة المفعول واندهشت لحادث موت البلطي في المريوطية وصوره علي سطح الماء بالجملة. ما بين القول بأن كيماويات المصانع التي تصب في المياه تقتله. أو تخدره. أو تجعله يهرب ثم يقول تقرير علمي بأنه مصاب بنقص في السكر أو شح الاوكسجين في الماء وهو ما لا نسمع بمثله من قبل.. آخر كلام ان الأسماك ماتت مخمورة بسبب زيادة نسبة المولاس في المياه.. طفت علي السطح بالجملة وهي سعيدة لا تدري فماتت علي الفور!! قبلها كان حديث أسماك "الباسا" الفيتنامية وما أشيع حولها من أضرار قيل انها دعايات يروجها رجال الأعمال المتنافسين استيراد السمك من خارج البلاد. أصبح البحث عن "بوري بلدي" يحتاج إلي واسطة. ولا تصدق كل من يقسم لك. فقد مارست في منطقة فايد حيث الأسماك طازجة من قناة السويس مباشرة والشراء أحيانا من قوارب صغيرة تناديها من الشاطيء "معاك رزق" فيأتيك ما قد فتح الله به عليه.. ثم سمعت انهم يشترون البوري وخلافه من مزارع السمك ويحتفظون بها في قاربهم ويذهبون بشباكهم إلي القناة. ولا يهم أن يصطادوا لأن معهم رصيدا حملوه يبيعونه لك ولا تملك إلا أن تصدقهم.لم يعد هناك سمك آمن.. ولم يعد أيضا رخيص الثمن. اشترت ابنتي "جمبري" من رجل تتعامل معه منذ سنوات فإذا بها تشك في شيء ما أخذت تبحث وتسأل فعرفت ان السوق مليء بأنواع واحجام مختلفة من المستورد. يأخذه التاجر مجمدا في كرتونته ليفكه ويعرضه للبيع وكأنه من السويس بعد أن يضاعف سعره.. الغريب انها سألت التاجر في اليوم التالي بشكل مباشر ان كان الجمبري مستوردا فاعترف ببساطة! هذا وشواطئنا ممتدة ومتنوعة. بحار وأنهار.. فلماذا هذ العجز في الإنتاج؟ ولماذا الاستيراد؟! للعلم. أنقل لكم ما أذيع عن بورصة الأسماك: الباسا "الفيتنامي" باثني عشر جنيها والكاليماري والمرجان "الصيني" بعشرين جنيها. والماكريل "الكوري" بسبعة والسردين "اليمني" بخمسة. والمكرونة والوقار "العماني" بستة جنيهات.. أما الجمبري في كل البلاد وأهمها السعودية والإمارات. مقابل ذلك يصل الجمبري البلدي - لو كان - لمائة وخمسين جنيها والوقار إلي ثمانين جنيها والدنيس ستين والقاروص لا يوجد كله للتصدير ويرتفع البوري إلي ثلاثين جنيها ولا يبقي سوي البلطي في متناول الجيب. بدأت أميل لسمك البحر الأحمر فهو بعيد عن التلوث الذي أهلك البحيرات وزحف علي الشواطيء لولا ان زوجتي منعت دخوله البيت منذ حادث عبارة "محمود إسماعيل" وغرق مئات المصريين وقيل أيامها ان السمك تغذي علي جثمانهم! * نقلاً عن جريدة "الجمهورية" المصرية