ما أن أرخى الليل سدوله حتى بدأ الصمت يخيم على المناطق المحاذية للشريط الحدودي في قرية عبسان شرق خان يونس فلا أحد يستطيع التحرك أو الخروج من المنزل مهما كانت الأسباب وإلا فالموت سيلاحقه كما غيره برصاصة جندي إسرائيلي قد يكون متمركزاً في موقعه العسكري أو تسلل خلسة بين المنازل الفلسطينية. بهذه الصورة يقضي الفلسطينيون الذين يسكنون قرب الحدود مع إسرائيل شرق القطاع لياليهم، التي تحولت إلى ساعات طويلة من الرعب والموت الذي لا يفرق بين صغير أو كبير، "فرغم الهدوء الذي يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام بعد الحرب الأخيرة، إلا أن ذلك لا ينطبق في أحيان كثيرة على من يسكن قرب الحدود، خصوصاً وأن الاحتلال حدد مسافات يمنع الاقتراب فيها من الحدود" كما ذكر محمود أبو دقة. وأسقطت الطائرات الإسرائيلية منشورات من الجو تحذر فيها الفلسطينيين من الاقتراب من السياح الحدودي لمسافات طويلة، وشملت المنشورات على خارطة تفصيلية للمسافات التي يمكن للفلسطينيين التحرك فيها، وإلا سيتعرضون للاستهداف، علماً بأن جيش الاحتلال يطلق النار حتى في حدود مسافة ال 300 متر التي حددها ويصل إلى أكثر من كيلو متر. وقال أبود قة: "قوات الاحتلال لا تعتبر أن المناطق التي نسكنها قرب الحدود جزء من أي وقف لإطلاق النار، ولذلك فهي تتوغل فيها بشكل شبه دائم من دون حتى أن يذكر ذلك في وسائل الإعلام المحلية". وأوضح أن حياة أسرته وأبنائه أصبحت "على كف عفريت" مع تواصل التوغلات والقصف الإسرائيلي، "فلا مأمن لأحد حتى داخل غرف النوم، فالقلق يسيطر علينا ليل نهار وكلما خرج الأولاد إلى المدرسة وحتى يعودوا". وبعد انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة في أعقاب عدوان "الرصاص المسكوب"، شهد القطاع تهدئة غير معلنة بين الفصائل الفلسطينية المسلحة وبين إسرائيل، غير أن جيش الأخيرة لم يتوقف عن استهداف الفلسطينيين من خلال عمليات انتقائية كان آخرها اغتيال ثلاثة من عناصر حركة "الجهاد الإسلامي"، إضافة إلى عمليات التوغل المتواصلة في الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة وما يصاحب ذلك من قصف وتدمير واعتقال. ولا يختلف الحال في شمال قطاع غزة عن جنوبه، فالمواطن إبراهيم أبو الوهدان من بلدة بين حانون يعتبر أن استمرار المشهد على حاله يعني مزيد من المعاناة لمن يسكن على الحدود، خصوصاً وأن جيش الاحتلال لا يتورع عن استهداف أي جسم يتحرك في المنطقة من دون التأكد من هويته. وقال: "لم نشعر أن هناك تهدئة بالمطلق ، فالدبابات الإسرائيلية لا تغادرنا بالمطلق والسياج الحدودي أصبح بمثابة هوس يصيب الجميع، خشية من التوغلات والقصف الذي يلاحقنا في المنطقة". وأضاف: "حياتنا تحولت إلى جحيم لا يطاق بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة". وأكد "المركز الفلسطيني" لحقوق الإنسان في غزة أن قوات الاحتلال المرابطة على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل، تطلق النار باستمرار باتجاه المناطق الزراعية والمنازل السكنية المتاخمة للشريط. وذكر في تقريره الأسبوعي أنه سجل في الآونة الأخيرة العديد من حالات إطلاق النار، فضلاً عن حرمان المزارعين من الاقتراب من أراضيهم، إضافة إلى العديد من التوغلات التي نفذها جيش الاحتلال رغم حالة التهدئة غير المعلنة.