الأسر ليس كسنوات الدراسة تنتهي منه فلا يبقى إلا ذكريات عن أصدقاء ومعلمين. وبالرغم من كونه فصلاً في حياة أو مرحلة من عمر فإنه يظل يلاحقك حتى النفس الأخير. هو الاعتقال ومن ثم تجربة الحرية بعد المعتقل. فيه تشعر بظلم كبير يطال كيانك الإنساني ووجودك. لماذا أنا هنا؟ ما الجريمة التي اقترفتها؟ أنا لست لصاً أو مجرماً؟ تنسى جلادك. تنسى كل ما شاهدته وكبرت عليه من دمار وتشريد ومجازر لتقول إن المكان ليس مكانك. تتعلق بخيط الحرية، وتنسج به صورتك الأفضل هناك بين الأهل والأصحاب ورفاق الدرب بطلاً محمولاً على الأكتاف أو مناضلاً تشير إليه أصابع الناس بفخر واعتزاز. تتشابك الخيوط وتتعقد الصورة، ومن ثم تخرج. هل تنتهي الحكاية هنا؟ هل يتوقف السرد؟ أم يقع عليك ظلم آخر؟ قارب عدد المعتقلين اللبنانين في سجون العدو الإسرائيلي التسعة آلاف أسير وذلك استناداً إلى تقديرات وزارة المالية. وهذا الرقم يتطابق مع ما لدى جمعيات وهيئات الأسرى التي تتابع الملف أي ما نسبته 0,25 في المئة من نسبة سكان لبنان. فقد دخل إلى معتقل الخيام، منذ افتتاحه في أواخر العام 1984 حتى إغلاقه في العام 2000، ما يقارب الخمسة آلاف معتقل. في حين اقتيد إلى معتقل أنصار ما بين ستة آلاف الى ثمانية آلاف أسير بينهم قسم كبير من الأسرى العرب والفلسطينيين. أما الذين زج بهم في سجون فلسطينالمحتلة فيقدر عددهم بالسبعين أسيراً، إضافة إلى العشرات الذين تم إيقافهم في مراكز التحقيق كالريجي في النبطية والبص في صور، ومركز ال17 في بنت جبيل. آخر الأسرى المحررين من المعتقلات كان عميد الأسرى سمير القنطار ورفاقه أسرى الوعد الصادق لكن من هم أولئك الأوائل الذين خاضوا التجربة في المعتقل فحملوا منذ البدء لقب الأسرى المحررين؟ في تشرين الثاني 1983 جرت أول عملية إفراج عن أسرى لبنانيين، والصفقة تمت بين حركة فتح وإسرائيل فأفرج بموجبها عن 4700 أسير لبناني وفلسطيني من معتقل أنصار مقابل ستة جنود صهاينة أسروا في منطقة بحمدون لتكر بعدها سبحة التبادل بين فصائل المقاومة وإسرائيل. ففي العام 1985 وحده أطلق سراح ما مجموعه ألفا أسير لبناني فتم إغلاق معتقل أنصار وأفرج عن الأسرى اللبنانيين الذين سبق أن نقلوا إلى معتقل عتليت داخل فلسطينالمحتلة. من استقبل هؤلاء الأبطال؟ وكيف تم التعامل مع هذه الشريحة الاجتماعية الجديدة على المجتمع اللبناني، والغريبة على قواه السياسية المقاومة؟ من احتضنهم؟ وكيف تعاملت معهم الدولة؟ الإجابة يلخصها الأمين العام للجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين في السجون الإسرائيلية، محمد صفا، الذي كان من بين المُفرج عنهم في تلك الفترة: «لم يكن هناك أي اهتمام رسمي أو شعبي أو حتى حزبي بقضية المعتقلين فشكلنا بعد خروجنا من المعتقل إطاراً أطلقنا عليه اسم «تجمع معتقلي أنصار»، وبدأنا العمل. كانت مهمة شاقة والعقبات كثيرة خضنا نقاشات حادة مع الأحزاب بهدف إقناعها بجدوى التحرك الشعبي لإبراز معاناة الأسرى. كان يقال لنا دعوا الأمر جانباً، فعندما يطبق القرار الدولي 425 سيتم الإفراج عن الأسرى». تلك مرحلة كانت فيها الحرب الأهلية مستعرة بين الطوائف قتال بالنار، لا على المنابر وبالخطب. يقول صفا عن موقف الدولة الغائبة: «تصور أن أحد رؤساء الحكومة طردنا والصحافيين من مكتبه وقال لنا: جايين تطالبوا بمعاشات كمان! كدنا نصاب بالإحباط، لكن ثقة أهالي الأسرى بنا والآمال التي علقوها علينا جعلتنا نتابع معهم المسيرة. واصلنا العمل فأسسنا لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين، وتمكنا من انتزاع بعض المطالب، كعودة الأسرى المحررين إلى وظائفهم، ورفع الرواتب الشهرية، وإعطاء الأسير منحة تحرير كما نجحنا في إيصال صوت الأسرى إلى المحافل الدولية». ولدى سؤاله عن موقفه من دور مجلس الجنوب الذي تأسس في العام 1969 لمتابعة أوضاع الجنوبيين المتضررين من العدوان الإسرائيلي يرفض صفا الدخول في سجال مع أي جهة معتبراً المجلس مؤسسة حكومية.