هناك إلحاح إسرائيلي متصاعد, مؤخرا, علي انتزاع اعتراف عربي فلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية, ورفض عربي فلسطيني حاد, وإن بدا أقل صخبا لفكرة يهودية إسرائيل. ويركز البعض علي التأثيرات المحتملة لهذا الاعتراف علي الناحية الديمغرافية وكذلك علي السيادة علي الأرض للفلسطينين داخل إسرائيل( عرب إسرائيل), وهو في الحقيقة جزء صغير جدا من الحقيقة, إذ إن قضية يهودية إسرائيل تشكل خطرا أكبر بكثير من البعد الديمغرافي. فهو يعني أن الفلسطينيين والعرب تجاوزوا نهائيا قضية الاعتراف بوجود إسرائيل من عدمه وأن خيار التسوية قد أصبح شبه نهائي لا تعارضه إلا قوي سياسية ودينية محدودة. وقد بقيت إسرائيل, منذ نشأتها عام1948, دون دستور, لأن إصدار دستور يعني حسم أهم قضيتين خلافيتين, وهما الهوية( دينية علمانية) والحدود التي لم تكن موضع إجماع إسرائيلي أبدا, فكانت هناك مدرسة( صهيونية الأراضي) التي تطمح الي دولة من النهر الي البحر, حتي ولو ضمت سكانا عربا, و(الصهيونية الديمغرافية) التي كانت تعطي أولوية لنقاء السكان بغض النظر عن الخرائط والحدود. ولهذه الأسباب, ولأسباب أخري توسعية, بقيت إسرائيل منذ نشأتها دون دستور. من ناحية أخري, فإن قبول إسرائيل كدولة دينية يعني استحضارا غير مسبوق للبعد الديني في الصراع علي فلسطين, بكل ما يعنيه ذلك من تبعات خطيرة. والخلاف حول يهودية إسرائيل من وجهة نظر قادتها ليس خلافا علي الحقوق أو الحدود, بل هو خلاف علي القناعات التي تحكم تأسيس الدولة وقواعد إدارتها. واليوم يعود صراع القناعات السياسية ليطرح نفسه بقوة. ويري نيتانياهو أنه من المحظور الخلط بين خطوة الاعتراف القانوني من قبل الدول العربية وبين الوضع الجماعي للعرب أو النخبة منهم. إذ إن وجود إسرائيل كدولة ذات جوهر يهودي يحتاج الي اعتراف علي مستوي الوعي ليهوديتها. فا لاعتراف القانوني بالدول ليس ضمانة لتحقيق اعتراف نخبها علي مستوي الوعي. من هنا, فإن انتزاع إسرائيل من الدول العربية اعترافا رسميا بيهوديتها من شأنه أن يعرقل فرصها لتحقيق اعتراف عربي علي مستوي الوعي بعدالة وصدق يهوديتها. وتحقيق هذا الاعتراف يستوجب أن تكون إسرائيل صادقة في التفسير الذي تمنحه ليهوديتها والوسائل التي تتبعها لتجسيد ذلك. وفي الوقت الحاضر هي ليست محقة في أي من هذه الأمور. وقد برر نيتانياهو وتسيبي ليفني مطلب اعتراف العرب بإسرائيل كدولة يهودية بالحاجة الي تعزيز للمقاومة لمطلب حق العودة للاجئين الفلسطينيين, ولكن كان لليفني تبرير آخر, إذ ادعت ليفني أن الاعتراف العربي بيهودية إسرائيل سيساعد علي إسكات مطالب قومية لعرب إسرائيل. وهذا التبرير غير صحيح فحتي تكون إسرائيل دولة يهودية, ليست هناك حاجة لحرمان العرب الإسرائيليين من حقوقهم الجماعية كأقلية قومية. ونود التأكيد علي بعض الزوايا. أهمها أن الوثائق التي قبلها القادة الإسرائيليون لم تنص خلال مباحثات السلام مع مصر ومع الأردن, ومع الفلسطينيين في أوسلو, عام1993, علي وضع دولتهم كدولة يهودية أو كوطن لليهود. ولم يكن هذا مطلبا إسرئيلي ا علي الإطلاق. إن مطالبة نيتانياهو بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية يعقد الأمور ويجهض فرص التوصل الي السلام في المنطقة ويزيد من تعقيد الموقف. أشار نيتانياهو في خطابه يوم14 يونيو الماضي الي أن قرار التقسيم رقم181 لسنة1947, نص علي وجود دولة يهودية ودولة عربية. ولم يشر نيتانياهو الي أن القرار181 ينص علي إقامة دولة عربية علي مساحة42.88% من فلسطين التاريخية. فهل يقبل نيتانياهو بإقامة دولة عربية( فلسطينية) علي مساحة42.88%, برغم أن الدول العربية وافقت علي إقامة الدولة الفلسطينية علي مساحة22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية بعد الاعتراف بالقرار رقم242 وبعد قيام إسرائيل عام1948, كان مشروع القرار الأمريكي بالإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية, إلا أن الرئيس الأمريكي هاري ترومان شطب بخط يده كلمة دولة يهودية, وكتب بدلا منها دولة إسرائيل. عموما, تعني مطالبة نيتانياهو بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية الآتي: إسقاط القرار رقم194 الخاص بحق العودة(5 ملايين لاجيء) إعطاء إسرائيل المبرر لإبعاد1.4 مليون فلسطيني من عرب إسرائيل. وأن تكون أرض دولة إسراذيل يهودية, وأن يكون لعرب إسرائيل, وهم أصحاب الأرض الأصليين, حق الانتفاع بأرضهم99 عاما, تعود بعدها الأرض لملكية دولة إسرائيل. تحديد الشكل النهائي وترسيم الحدود, وذلك بتحديد المناطق التي ترغب إسرائيل في تجنب ضمها, نظرا للكثافة السكانية الفلسطينيةالعالية, وضم المناطق التي لا توجد فيها كثافة سكانية فلسطينية مرتفعة. وذلك للحفاظ علي يهودية الدولة وستكون هناك صعوبة علي إسرائيل للاحتفاظ بأغلبية يهودية في حال استمرار احتلال الضفة الغربية. وهو الأمر الذي سيجبر إسرائيل علي فصل سكان الضفة الغربيةالفلسطينيين عن إسرائيل. ولا يقتصر الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل فقط علي الكيان الدبلوماسي أو السياسي, بل باعتبارها الوطن الشرعي للشعب اليهودي, وأن صلة الشعب اليهودي بأرض إسرائيل مستمرة منذ3500 عام, والاعتراف بالحق اليهودي في أرض إسرائيل. ولا شك أن قرار إسرائيل محو الأسماء العربية لبلدات فلسطينية في إسرائيل ومحو لوحات اتجاهات السير بالعربية والابقاء علي الاسم العبري, يدخل في إطار محاولات حكومة نيتانياهو تهويد دولة إسرائيل. *الأهرام