احتفالات العراق بمناسبة انسحاب القوات القتالية الامريكية من بغداد ومدن أخرى تقف في تناقض صارخ مع ردود الفعل في الولاياتالمتحدة... التى شهدت ما يمكن ان يوصف بالامبالاة العامة ازاء قضية نقل السلطة فى العراق الكثير من الامور القت بظلالها على هذه المسالة بدا من وفاة مايكل جاكسون الى مصير اجندة الرئيس اوباما المحلية . قبل سنة في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية مثلت مسألة بقاء او انسحاب القوات الامريكية من العراق نقطة ساخنة فى الجدال والخلاف بين أوباما وجون ماكين. الآن نقل سلطة حماية المدن العراقية من الولاياتالمتحدة الى القوات العراقية قد قوبل بترحيب شبه عالمي - وأيضا قوبل ببعض من المخاوف مما قد يحدث مستقبلا بعد ذلك. أوباما خلد هذه لحظة بتصريحات مقتضبة في البيت الابيض قائلا ان الشعب العراقي " لديهم الحق للتعامل مع هذا اليوم بكونه يستحق الاحتفال" ار الى أن الزعماء العراقيين عليهم حل العديد من القضايا السياسية. كما أثنى على القوات الامريكية لجميع ما قاموا به هناك. كما حرص الرئيس اوباما على لفت النظر لأعمال القتل والهجمات التي وقعت مؤخرا في العراق بقوله "ستكون هناك ايام صعبة امامنا". واضاف "نعرف ان العنف في العراق سيستمر". ولكنه قال انه لا يزال واثقا من أن القوى التي تقف وراء التفجيرات ستفشل. وختم قائلا "هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به ، ولكن المهم اننا احرزنا تقدما". الانسحاب من المدن - من الناحية التقنية - لا يمثل انسحابا ، فما زال للولايات المتحدة نحو 130 الف جندي في العراق وسيبقون لعدة أشهر.. ان الانسحاب الحقيقى لن يبدأ بشكل جدي الا بعد الانتخابات العراقية العامة في يناير 2010. ولكن ماحدث امس فهو دلالة رمزية ، ويمثل بداية جديدة ومرحلة حاسمة بعد ست سنوات من الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة. الرأي العام منذ فترة طويلة أظهر أن غالبية الأميركيين يرون أن غزو العراق الذى امر به الرئيس الامريكي جورج بوش كان خطأ. و قد واجهه قرار بوش بزيادة القوات الذى بدأ في مطلع عام 2007 معارضة كبيرة و لكنه نجح في المساهمة في الحد من العنف. لكن ادارة الرئيس جورج بوش في إدارة الحرب في السنوات ما بين الغزو و"زيادة القوات " تم الحكم على نطاق واسع بانها كانت فاشلة. وقد يستمر النقاش محتدما حول الحرب وأدوار بوش وديك تشيني ودونالد رامسفيلد فيها فقد اصبح هذا الصراع هو الاكثر انقساما منذ حرب فيتنام. حيث مازال المنتقدين للحرب غير قادرين على مسامحة الثلاثى على مافعلوه ، بينما يعتقد المدافعون عن بوش انه برر جزئيا رؤيته من خلال الصراع. لكن الجدل بهذا الشان لم تعد في مركز السياسات الاميركية. فقد ازداد ارهاق الأمة بالوضع فى العراق. باعتبارها قضية سياسية تلاشى العراق ليصبح في الخلفية وعلى الرغم من وجود القوات الكبيرة التي لا تزال هناك فقد تضاءلت الحرب باعتبارها قوة نقطة توتر في الجدل السياسي في عام 2008 حينما بدا الانهيار الاقتصادى . حقق ماكين تقدما يذكر في محاولة تشويه صورة أوباما باعتباره غير مستعد ليكون القائد الاعلى للقوات المسلحة ، و لكن لم يحقق المرشح الجمهوري من ولاية اريزونا الكثير من مقاومته تحديد جدول زمني للانسحاب من العراق . قرار اوباما بسحب القوات اثار قليل من النقاش العام جزئيا لان العراقيين كانوا يتوقون لمغادرة الامريكان و عدد كبير من الأميركيين يريدون أن يروا نهاية لالتزام الولاياتالمتحدة. وفي إطار خطة أوباما فان القوات المقاتلة ستغادر بحلول نهاية أغسطس 2010. وما يتبقى من القوات الامريكية قد يصل إلى 50 الف جندى سوف يغادرون العراق بحلول نهاية 2011 بموجب اتفاق مع الحكومة العراقية. في الصيف الماضي اشار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى رغبته في وضع جدول زمني لمغادرة القوات الاميركية. و سرعان ما تم توقيع اتفاق بين البلدين تصريحات المالكي في الأيام الأخيرة تحمل رائحة النصر بنجاحه فى إنهاء "احتلال" البلاد والتأكيد على المصلحة المتبادلة في الحد بشكل كبير من وجود القوات الامريكية في العراق . حقيقة أن تنفيذ الانسحاب وفقا للتوقيت المقرر و الذى تم امس لا ينفي حقيقة أنه يمثل أول اختبار كبير لسياسة أوباما. ففي الأيام التي سبقت الموعد النهائي كانت هناك سلسلة من التفجيرات والهجمات مما اسفر عن وقوع اكثر من 250 قتيل. وأمس ، في انفجار سيارة ملغومة في كركوك قتل اكثر من عشرين شخصا. يوم الاثنين ، اربعة جنود امريكيين قتلوا في المعارك. العراق ليست آمنة تماما. ويصر مسؤولون في الادارة ويؤكد الرئيس مجددا امس ان تصاعد العنف كان متوقعا حيث نفذ الانسحاب ويحاول المتمردين استغلال الفترة الانتقالية. . على العلن اعرب الجنرال راي اوديرنوRay Odierno قائد القوات الامريكية في العراق عن ثقته بان القوات العراقية قادرة على المحافظة على المدن آمنة. بينما القادة العسكريين الاخرين نقلوا للبيت الابيض نفس الشيء و لكن ليس على العلن . ماذا لو كانوا مخطئين قد تكون هناك تساؤلات حول ما ستتركه امريكا وراءها. و أوباما قد يجد نفسه تحت ضغط لتعديل الجدول الزمني للانسحاب. يحتاج الرئيس ان تكون الفترة الانتقالية في العراق هادئة نظرا لوفرة برنامجه للسياسة الخارجية. فهو ومستشاريه فى سباق مستمر لتكييف استراتيجية خاصة بايران في أعقاب ما بعد مظاهرات الانتخابات هناك. فتشجيع معارضي الرئيس محمود أحمدي نجاد أثناء محاوله اقناع القيادة الايرانية للتفاوض حول طموحاتها النووية هو الآن أكثر تعقيدا مما كان عليه قبل بضعة أسابيع. و ايضا كوريا الشمالية لا تزال تمثل مشكلة خطيرة وإن كانت مشكلتها أكثر وضوحا من ايران. وهناك ايضا أفغانستان وباكستان ماتزالان تستهلك طاقات الادارة وكذلك اسرائيل والفلسطينيين. ليس على أوباما سوى أن يأمل في أن تصبح قوات الامن العراقية قوية بما يكفي لتلبية التزامات جديدة.