وقف السيد وكيل الوزارة الخاص بالتموين مزهواً أمام كاميرات التليفزيون ليعلن بكل غبطة وسرور.. أنه تم ضبط عشرات الأطنان من الأغذية الفاسدة في حملات علي المحلات المختلفة وأنه سيتم إعدامها فوراً.. وكل هذا لا غبار عليه.. لكن ما استوقفني وأثار حيرتي ودهشتي هو حديث السيد الوكيل عن فن إعداد اللحوم المفرومة والخلطة العجيبة والسحرية التي لا يمكن أن تكون من إعداد البشر أو تفكير من له صلة بجنس بني آدم علي الإطلاق..! ما هي الخلطة السحرية هذه؟.. والتي تستخدم في صنع الكباب والكفتة.. وكل أكلة يدخل فيها اللحم المفروم من حواوشي وهمبورجر وسجق وشاورمة وخلافه؟؟.. إنها أشياء تثير اشمئزاز النفس وتملؤها بالغثيان والقرف.. إنها خلطة من مخلفات الذبح من أحشاء الماشية وأرجل الدجاج والأجنحة والرءوس والعظم الناتج من إخلاء الفيليه وبقايا تشفية اللحوم عند الجزارين والدهن غير الصالح للبيع وغير ذلك من إضافات من مكسبات الطعم واللون وما تيسر من توابل وبهارات وشطة وخلافه.. يتم طحنها وعجنها وبيعها بالكيلو في لفائف من البلاستيك وذلك لتكتمل دائرة السمية المغلفة وتذهب جاهزة لمحلات الأغذية السريعة والتيك أواي خاصة الكباب والكفتة والعربات السيارة في الشوارع والحواري والأزقة وغيرها.. ولك أن تتخيل الكمية التي تم الإعلان عنها في الحملة الخاصة التي نفذها قطاع التجارة الداخلية بوزارة التجارة والصناعة خلال أسبوع فقد أسفرت عن ضبط 33 طناً منتجات منتهية الصلاحية ولا تصلح للاستهلاك الآدمي.. وفي الجيزة فقط ضبطت مديريتا التموين والطب البيطري 5 أطنان لحوماً ودواجن فاسدة بمناطق العجوزة والعمرانية الشرقية وإمبابة وهذه الأطنان الخمسة كانت لحوماً مصنعة من أحشاء الحيوانات ومخلفات الطيور وكانت معدة لتصنيعها حواوشي وهمبورجر وسجق كما قال التقرير.. وتمت إحالة التجار إلي المسئولين إلي النيابة العامة.. تري لو استمرت الحملات أسبوعاً آخر وفي عدد أكبر من المحافظات.. ماذا ستكون النتيجة وكم من أطنان اللحوم سيتم اكتشافها إلي جانب الأغذية الفاسدة الأخري؟؟ ماذا يعني هذا؟ وما دلالة الفوضي العارمة في سوق الغذاء؟ وهل هانت صحة المواطنين إلي هذا الحد؟ ألا يوجد حد للفساد ليتوقف عنده.. حتي ولو أمام صنف واحد أو اثنين حتي يتمكن الناس من اجتنابه؟ أعتقد أن الكيل قد طفح من الفساد في الأغذية.. المسلسل مستمر ومتواصل حتي يكاد يلحق بكل الأنواع والأصناف.. الشعبية وغير الشعبية علي السواء.. وأصبح الناس في حيرة ماذا يأكلون وماذا يدعون.. وفي أي مكان وإلي أي تاجر أو مصنع يطمئنون.. هل نضرب الأمثلة؟ لن نبقي أي صنف خارج القائمة السوداء.. قبلي وبحري علي السواء.. الألبان والجبن حدث عنها ولا حرج والغش فيها تجاوز كل الركب ووصل بالفعل إلي الرقب.. .. اللحوم وما أدراك ما اللحوم.. لم تعد تطمئن إلي السليم منها إلا ما رحم ربي ولن نتحدث عن المخلوط والمفروم والمبروم والمبطوط وما كان علي السفود.. من أصول مختلفة ما بين الكلاب والقطط والحمير وانضم إليها بجدارة السيد الخنزير وأصبح يتربع فوق كل العروش خاصة المشوي منها والمفروم. .. الأسماك.. وقد فاحت رائحتها حتي قبل أن تخرج من الماء.. أسماك البحيرات السامة الخاصة بالمصانع الكيماوية وفي المناطق الصناعية تملأ الأسواق في كل مكان.. والأسماك السامة المستوردة أيضاً والتي تباع بدم بارد للغلابة في كل مكان بأسعار رخيصة.. ناهيك عن أنواع من المزارع والفاسد والمضروب.. .. الخضراوات والفواكه والبطيخ وخلافه.. وكل يفتح الباب واسعاً أمام كل أنواع السرطانات التي يعرفها العالم والتي لم يسمع عنها من قبل.. .. هل أحدثكم عن القمح المسرطن والقمح الفاسد.. والقمح الذي دخل المخابز بالدود والحشرات وأكلناه بالمرض والسقم الدائم الذي لا شفاء منه ولا دواء.. .. هل أحدثكم عن الأكياس البلاستيكية السوداء التي تملأ الأسواق وتباع فيها الأطعمة الساخنة والباردة والخضراوات والفواكه وكلها تؤدي إلي السرطان بسهولة ويسر.. .. لم يبق إلا الكشري.. وأعتقد أنه هو الآخر لم يسلم من الأذي الرفيع وتراق علي جوانبه الحريفة وغير الحريفة الأرواح البريئة واللاهثة عن شيء آمن يردعها مخمصة الجوع وقرصاته المؤلمة.. إن الأمر لم يتوقف عند الكارثة الصحية وتدهور صحة المواطنين والأمراض الخطيرة التي ابتلوا بها من جراء التهاون في سلامة الأغذية.. والتي تكلف ميزانية الدولة سنوياً بالمليارات.. خاصة بعد الانتشار الفظيع لأمراض السرطان والفشل الكبدي والكلوي وغير ذلك من أمراض لم نسمع عنها في بر مصر.. بل والأنكي من هذا أن الأمر بدأ يؤثر علي قطاع السياحة وعلي سمعة مصر علي الساحة الدولية.. وباتت بعض الدول توجه رعاياها إلي قائمة الممنوع والمسموح من الطعام في السوق المصري...!!! لقد هالني وأنا أتابع علي الإنترنت بعض الموضوعات أن أقرأ عناوين من قبيل: الأغذية الفاسدة تملأ أسواق القاهرة وفي صحف عربية وأجنبية.. القاهرة: ملأت كميات ضخمة من الأغذية الفاسدة أسواق القاهرة خلال الفترة الأخيرة وبصورة غير مسبوقة حيث استغل بعض التجار معدومي الضمير قرب حلول شهر رمضان المعظم وانتعاش حركة البيع والشراء وبدأوا في ترويج بضاعتهم المسمومة غير عابئين بحجم الخطورة التي سوف تسببها بضاعتهم القاتلة لكل من يتناولها. وشنت الإدارة العامة لمباحث القاهرة عدة حملات استهدفت المصانع التي تقوم بتصنيع هذه الأغذية وإعدادها للبيع وكانت نتيجة هذه الحملات مذهلة. فقد تم ضبط مصنع كبير لتصنيع قمر الدين المغشوش وتغليفه تحت اسم ماركة سورية شهيرة وترويجه في الأسواق وتم تحرير الأدوات المستخدمة في تصنيع قمر الدين المسموم. وأسفرت الحملة أيضاً عن ضبط كميات ضخمة من السكر الفاسد والعصائر التي وصلت إلي درجة التعفن فضلاً عن البندق واللوز والزبيب الذي انتهت مدة صلاحيته. .. إن الأمور قد وصلت حداً لا يمكن السكوت عليه.. وعلي ما يبدو فإن العقوبات من غلق وغرامات لم تعد كافية ولا رادعة.. بدليل أن المخالفات مستمرة ليل نهار بل وتتعاظم ويتفنن مرتكبوها في أساليب المخالفة والتهرب.. إن الأمر أصبح بحاجة إلي تدخل قوي وفوري وحاسم من قبل النائب العام حفاظاً علي صحة المواطنين ومنع أي تلاعب أو استهتار بها.. ولتكن صحة المواطن خطاً أحمر لا يجوز الاقتراب منه أو أن يمسه أحد بسوء من قريب أو من بعيد.. .. هل نحن بحاجة إلي إصدار فتوي باعتبار هؤلاء المتلاعبين بأقوات الناس والمتعمدين الأضرار بصحتهم العامة بأي وسيلة من المفسدين في الأرض.. المحاربين لله ولرسوله وعامة المؤمنين؟.. إذا كان المسئولون بحاجة إلي مثل هذه الفتوي.. فهل إصدارها مسألة صعبة؟ وهل يفعلها علماؤنا الأفاضل.. وهل تتقدم دار الإفتاء أو شيخ الأزهر برأي أو حكم يحسم القضية قبل أن تتدهور الأمور ونعض أصابع الندم يوم لا ينفع الندم؟ أم تلجأ الأجهزة المعنية بالمكافحة ومعها أجهزة الأمن والداخلية لتطبيق قانون الطوارئ علي هؤلاء المفسدين في الأرض؟ أم ننتظر حتي تقع كارثة ويسقط الضحايا هنا وهناك.. ثم نبدأ في التحرك والبحث عن حل.. وندخل في دوامات وجدل عقيم هل هؤلاء الضحايا شهداء أم أنهم راحوا ورحلوا عن دنيانا فطيس؟؟!!!! *الجمهورية