الاهرام :13/2/2009 ليس هناك شك في أن هناك أزمة في الحوار السياسي والفكري في المجتمع العربي وترد هذه الأزمة إلي أسباب متعددة ومتشابكة ومعقدة في الوقت نفسه. ونحتاج حتي نفهم الأسباب العميقة للأزمة إلي أن نرسم خريطة سياسية للنظام الإقليمي وخريطة ثقافية للمجتمع في الوقت نفسه. والواقع أن الخلافات السياسية والأيديولوجية العربية العربية قديمة ومتجددة في الوقت نفسه ولا ننسي في هذا المجال أن أبرز الخلافات العربية القديمة ظهرت في العصر الناصري حين صيغ التصنيف الشهير للدول العربية الذي قسمها إلي دول تقدمية ودول رجعية!( الدول التقدمية كانت في عرف هذا التصنيف هي الدول الثورية مثل مصر وسوريا والعراق, في مواجهة الدول التقليدية في الخليج العربي). ودار الصراع أساسا علي الصعيد الأيديولوجي, بين الاشتراكية والتوجه الإسلامي. ودار الجدل الفكري المحتدم بين أنصار الماركسية ودعاة الاشتراكية العربية وذلك داخل معسكر الدول التقدمية بالإضافة إلي الصراع مع مفكري معسكر الدول الرجعية الذين رفعوا راية الإسلام للدفاع عن صحة توجههم الأيديولوجي, وبطلان آراء أنصار الاشتراكية. كانت هذه سنوات عجافا حقا في تاريخ الحوار العربي العربي, وهي التي سماها عالم السياسة الأمريكي المعروف مالكوم كير الحرب الباردة العربية قياسا علي الحرب الباردة العالمية التي دار فيها الصراع الأيديولوجي العنيف بين الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية. وهذه المساجلات لم تكن حوارا بالمعني الصحيح لأن أطرافها انطلقت من أن كل طرف هو الذي يمتلك الحقيقة المطلقة! وحين يسود هذا الاتجاه فإنه عمل يلغي الحوار لأنه بحسب التعريف من بين ما يعنيه إمكان قبول نقد الآخر والاستعداد للوصول إلي حل وسط ودوت هذه المساجلات الأيديولوجية, خصوصا بعد هزيمة يونيو 1967 حيث رفعت مصر رائدة الدول التقدمية شعار وحدة الصف في مواجهة إسرائيل بدلا من الشعار الماضي وحدة الهدف. بعبارة أخري أراد هذا الشعار الجديد أن يقول إنه مهما يكن هناك تباين في طبيعة الأنظمة السياسية العربية فإن أهم من ذلك الوحدة في مواجهة الدولة الصهيونية لإزالة آثار العدوان. ودارت مساجلات حادة أخري بعد حرب أكتوبر1973, حين اتجهت مصرمن أجل استكمال مشروعها الأساسي وهو تحرير الأراضي المصرية إلي عقد سلام تفاوضي مع دولة إسرائيل وتم ذلك أولا خلال توقيع اتفاق كامب ديفيد واستكملت الخطوات بتوقيع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية. وأدي الموقف المصري من الاعتراف بإسرائيل وتوقيع معاهدة سلام معها إلي مساجلات أيديولوجية حادة وصراعات سياسية عنيفة بين مصر وباقي الدول العربية الرافضة التي أطلقت علي نفسها جبهة الصمود والتصدي. في هذه المرحلة أيضا توقف الحوار وسادت المساجلات الأيديولوجية الحادة وكل طرف يتهم الآخر بأنه علي باطل وأن الحق هو الذي يعبر عن موقفه. وجاء عام1990 الذي شهد الغزو العراقي غير المشروع لدولة الكويت والذي كان في الواقع انقلابا علي معاهدة الدفاع العربي المشترك من ناحية وعلي الشرعية الدولية من ناحية أخري. وانقسم العالم العربي بين دول معارضة للغزو ودول مؤيدة ووصل الانقسام لدرجة أن الدول المعارضة للغزو قبلت بأن تشارك في قوة التحالف التي قادتها الولاياتالمتحدةالأمريكية لتحرير العراق. وهنا نحن نشهد هذه الأيام الانقسام العربي حول السلوك السياسي لحركة حماس التي قامت بانقلاب عسكري ضد السلطة الفلسطينية في غزة وأرادت الزعم بأنها هي التي تمثل الشعب الفلسطيني وقد أدي السلوك الفعلي لحماس وغياب استراتيجية واضحة لها في موضوع مقاومة إسرائيل وتذبذبها بين قبول التهدئة وإطلاق الصواريخ العشوائية إلي تقديم الذريعة للدولة الإسرائيلية العنصرية أن تشن حربها الهمجية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة. وتعقد الحوار العربي العربي في هذا المجال أيضا, نتيجة تدخل إيران من ناحية, ودعمها المطلق لحماس وتشجيعها لها علي عدم التفاوض مع إسرائيل وعلي المقاومة حتي ولو كان ذلك بغير استراتيجية واضحة وبغير إجماع من الشعب الفلسطيني كله, ودون تعبئة حقيقية. وذلك بالإضافة إلي دخول حزب الله اللبناني إلي صميم ساحة المساجلات العقيمة من خلال خطب السيد حسن نصر الله التحريضية العقيمة التي لم تزد الموقف إلا اشتعالا. وهكذا توقف الحوار الفلسطيني الفلسطيني نتيجة دخول أطراف إقليمية مثل إيران, ودعمها الصريح للاتجاهات المتطرفة لحركة حماس كما أعلن قادتها تريد تصفية السلطة الفلسطينية وإنشاء مرجعية فلسطينية تهيمن عليها مما سيؤدي في النهاية إلي تضييع قضية الشعب الفلسطيني إلي الأبد! ليس غريبا أن يمر الحوار السياسي العربي العربي بأزمة حادة عنيفة, بعد أن حاولت بعض الدول الصغيرة مثل قطر أن تختطف مؤتمرات القمة لحسابها, بدعم من إيران سعيا وراء إدخال النظام الإقليمي العربي في دائرة نظام شرق أوسطي جديد فيه إيران وفيه إسرائيل معا! ومن المعروف أن ممثلي الإسلام السياسي برزوا في عديد من البلاد العربية سواء من خلال المنابر الشعبية التي احتكروها بحكم لجوئهم إلي الخطابة الدينية التحريضية أو من خلال الانتخابات كما حدث في حالة حماس وفي حالة مصر حيث نجح ما يزيد علي ثمانين نائبا من نواب الإخوان المسلمين في الانتخابات التشريعية الأخيرة وبالرغم من أنها جماعة محظورة بنص القانون, لكنهم نجحوا في الدخول كمستقلين. هذا التيار الإسلامي السياسي يطمح في استعادة دولة الخلافة الإسلامية ولا يؤمن أنصاره بالحدود بين الدول ويرون أنها من صنع الاستعمار وأن هناك أمة إسلامية واحدة وأن الوطنية فكرة رجعية استعماريةوأن الأممية الإسلامية هي الأساس ومن هنا فاستراتيجيتهم هي قلب النظم السياسية العربية العلمانية وتأسيس دول دينية محلها تحكم بالشريعة الإسلامية ليس في حقيقتها التي تقوم علي الحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية ولكن كما يفهمونها هم والتي تقوم في رأيهم, علي القهر السياسي للخصوم وتكفيرهم ومنع أي أصوات مخالفة لهم وإعلان الجهاد هكذا ضد الدول الكافرة. وقد ظهرت أفكارهم المتطرفة في أثناء العدوان الإسرائيلي علي غزة حيث دعا بعض زعمائهم إلي عدم الاعتداد بالحدود المصرية وفتح المعابر بلا أي قيود, أمام الفلسطينيين حتي لو تدفق الملايين بينهم وأفتي أحدهم بأن في ذلك تطبيقا لمبدأ إجارة المسلمين لو استجاروا, ونسوا أن في ذلك تطبيقا لخطة الترانسفير الإسرائيلية التي تريد طرد الفلسطينيين من أرضهم. لقد حاولوا الانقلاب علي الدولة في السودان وحاولوا محاولات متعددة في مصر وفشلوا ويدخلون الآن في صراع عنيف مع النظام الأردني ويقومون بانقلابات شتي في الجزائر والمغرب بحيث أصبح تيار الإسلام السياسي أحد المعوقات الحقيقية للتحول الديمقراطي في العالم العربي. وليس ذلك فقط لعدم إيمانهم الحقيقي بالديمقراطية المعاصرة, لكن لأنهم يدفعون النظم السياسية العربية دفعا إلي إعلاء الضوابط الأمنية تحسبا من فكرهم المتطرف, والذي تحول في حالات متعددة إلي فكر إرهابي, لم يتورع أنصاره عن ممارسة العنف الدموي, سواء ضد الأجانب, أو ضد المواطنين. وسجل الإرهاب المتشح بالإسلام معروف, ولاداعي لتكراره, ويكفي في هذا المجال أن نشير إلي التاريخ الأسود للجماعات الإسلامية, ولجماعة الجهاد في مصر. وهكذا يمكن القول إن الاختلافات السياسية العميقة في توجهات الدول العربية من ناحية, والصراعات الأيديولوجية الحادة بين تيار الإسلام السياسي وغيره من التيارات السياسية, من شأنها أن تساعد علي استمرار أزمة الحوار العربي, في عالم متغير زاخر بالمشكلات التي تدعو لاعتماد الحوار أساسا متينا للتفاهم بين البشر.