الجمهورية: 28/11/2008 * مازال أغلبنا يتذكر فيلم "انتبهوا أيها السادة" للفنان محمود يس والذي كان يقوم فيه بدور "زبال" وانه استطاع من خلال هذه المهنة جمع أموال طائلة. وبناء عمارات سكنية عجز أحد أساتذة الجامعة عن دفع مقدم أو خلو رجل لشقة واحدة من عشرات الشقق التي يمتلكها هذا الزبال. الذي استطاع بالصبر وحب وفهم عمله رغم جهله أن يرتقي بمعيشته ليثبت لمن حوله أنه لا يقل عنهم وانهم هم الذين يحتاجونه. * أقول ذلك بمناسبة دراسة عن حجم المخلفات استغرقت 18 شهراً بالتعاون بين شعبة البلاستيك ومركز تكنولوجيا البلاستيك وجمعية منتجي ومصنعي خامات البلاستيك في إيطاليا. أكدت أن اجمالي حجم المخلفات 20 مليون طن سنوياً. وتجيء محافظة القاهرة في المقدمة من حيث الحجم حيث تصل إلي 10 آلاف و835 طناً يوميا تليها الجيزة وأقلها الوادي الجديد 65 طناً يوميا وكشفت الدراسة التي أردت ابرازها لأهميتها ان العديد من كل هذه المخلفات لها أهمية كبيرة في مجال الصناعة خاصة الورق والزجاج والمعادن والبلاستيك وتمثل خامات أساسية للصناعة المصرية بالمجان وتقدر قيمتها المباشرة بما لايقل عن 6 مليارات جنيه تتضاعف إلي 12 ملياراً عند تحويلها إلي سلع وسيطة أي إلي خامات ومستلزمات تستخدم في الصناعة وتزداد مرة أخري قيمتها إلي ما لا يقل عن 24 مليار جنيه عند استخدامها في تصنيع منتجات نهائية مثل الزجاج والورق والصاج ولعب الأطفال والملابس الداخلية والأحذية الرياضية والموكيت والمواسير والأجهزة الكهربائية وغيرها وهذا يعني أن هذه القمامة ثروة حقيقية تضيع سنوياً هباءً في سلة المهملات فلماذا لا نستفيد منها؟ * أجاب علي السؤال رئيس شعبة البلاستيك في غرفة الصناعات الكيماوية انه للاستفادة من مخلفات البلاستيك وإعادة تدويرها لاستخدامها في تصنيع منتجات نهائية للبلاستيك كان لابد من حصر كميات مخلفات البلاستيك السنوية. وبالتالي تم إجراء دراسة عن اجمالي حجم المخلفات بصفة عامة في مصر. وأنه بالفعل تم اعداد مشروع شامل بعد النتائج التي أسفرت عنها الدراسة وتم تقديمه لوزير التجارة والصناعة ويتضمن استخدام نفس الأسلوب المطبق في العديد من الدول الأخري كدول الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدةالأمريكية بحيث يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لقيام المحليات وغيرها من الجهات المختصة في كافة الأماكن والخدمات العامة كالحدائق والمستشفيات والفنادق وغيرها وذلك باستخدام صناديق للمخلفات تحتوي كل منها علي أربع وحدات منفصلة كل منها تخص لنوع من المخلفات الورقية والمعدنية والزجاجية والبلاستيكية بحيث يسهل جمعها من خلال الشركات المختصة أو حتي جامعي القمامة العاديين ثم القيام باعادة تصنيفها في أماكن تجميعها بالصورة المطلوبة مما يسهل توجيه كل نوع من المخلفات لاستخدامها في الصناعة المناسبة لها. * وأعتقد هذا ما كان يقوم به محمود يس في الفيلم أو جامع القمامة البسيط قبل دخول الشركات الكبيرة. رغم ضيق المكان وندرة الأيدي العاملة. وانه بفضل حسن التصرف استطاع تكوين ثروة كبيرة عجز أستاذ الجامعة حسين فهمي عن تدبير مقدم شقة كما يحكي لنا الفيلم. لأنه يعمل في صمت ولا يملأ الدنيا صياحاً. كالديوك ولأنه لم يفلسف الحياة علي الطريقة المثالية والورق. وانما فلسفها بطريقته ووفق رؤيته وبفكره الاقتصادي الواقعي فكتب الله له النجاح. ومثل هذا الرجل نحن في احتياج له رغم بساطته وسذاجته من وجهة نظر الغير. وأعتقد هناك الكثير من أمثاله من المزارعين البسطاء الذين يخافون علي زراعتهم ويطورونها بطريقتهم الخاصة وليست علي طريقة الخبراء الذين بفلسفتهم بارت الكثير من الأراضي وكسدت الزراعة وضعفت الانتاجية. * الحقيقة مشروع جمع وفرز القمامة طبقاً لنوعياتها لإعادة تدويرها واستخدامها فكرة جيدة يجب الأخذ بها واخراجها للنور وإلي حيز التنفيذ بسرعة. بعدما باتت القمامة خطراً يهدد حياتنا ومرتعاً للحشرات والقوارض وبالتالي الإصابة بالأمراض. ناهيك عن التشويه للمنظر العام والتلويث البصري. وأيضا ما قد ينجم عنها من حرائق وكم من حرائق نشبت بسببها. ولكن فيما يبدو تم وضع المشروع في سلة مهملات الوزارة. ودخل في طي النسيان. والدليل انه لا حس ولا خبر عنه حتي الآن حيث أنني أتابع الخبر منذ نشره قبل بضعة أشهر. ولكن هذا هو الحال وليس بغريب عنا. * صراحة منظر القمامة المنتشرة بالأكوام والتلال في الشوارع وحول الأبنية الحكومية وحتي الأثرية سواء في العاصمة أو القري يثير الاشمئزاز. ويصيب المارين بالاكتئاب فما بال السياح والعرب الذين يتوافدون علي مصر بالآلاف. وان منهم من يفضل التجوال والعسس في المناطق الشعبية والأثرية ليسجل بالصوت والصورة ما يراه لذا لابد من وقفة حاسمة ووضع ضوابط صارمة مع تشديد العقوبات لهؤلاء الذين يتعمدون إلقاء القمامة في الشوارع. للمصانع التي تصب سمومها في النيل ولشركات الأسمنت والمسابك التي لا تقوم بفلترة مداخنها كي لا تنبعث منها أطنان الأدخنة القاتلة لرئة الإنسان. ناهيك عن نفايات المستشفيات التي تعد بمثابة قنابل موقوتة. * الحقيقة السكوت علي هذا الاهمال يعد جريمة في حق المواطن قبل الوطن. لأنه يسيء إلي نفسه ويجلب المرض ويشوه المنظر العام. والغريب أن البعض لا يكتفي بإلقاء المخلفات في الشوارع وانما يقوم بسرقة الصناديق التي خصصتها له الدولة. الأمر الذي جعل الأحياء تقوم بربطها بسلاسل وحتي البلاعات تتم سرقة أغطيتها وكأنها ناقصة. وهذا يعني انعدام ثقافة المواطن بالنظافة العامة وجهله بالخطر المحدق حوله وهذا صراحة يحتاج إلي وقت لتأصيل المفاهيم السليمة لدي العامة بتكثيف حملات التوعية في وسائل الإعلام وداخل دور العبادة لأن الأمور زادت عن حدها. الأمر الذي نخشي فيه ألا نجد مكانا نظيفا فنضطر إلي السير علي أكوام القمامة كي نصل إلي منازلنا أو مصالحنا أو مدارسنا. * وطبعاً سيضاف إلي ذلك مخلفات الأضاحي خاصة ونحن نقترب من عيد الأضحي المبارك والذي فيه تكثر عمليات النحر تقرباً وزلفي إلي الله. واعتقد انها لن تقبل إذا تركت بقاياها ودماؤها علي قارعة الطريق. وأمام الشوادر ومحلات الجزارة وحتي المنازل كما يفعل البعض. لأنها تترك أثاراً لروائح كريهة ومخالفة لما أمرنا به الله ورسوله وهو النظافة من الايمان فهل مشاهد الدم التي اعتدنا عليها كل عام في مثل هذا العيد ستختفي؟ أعتقد لا لأن الكثير منا لا يفكر سوي في نفسه فقط. ولا ننظر إلا تحت أقدامنا. بدليل رؤيتنا لتلك المشاهد الكئيبة دون تحريك ساكن وكأننا استمرأناها مع أن التخلص منها من مصلحتنا جميعا كي نعيش في بيئة نظيفة وصحية. وأيضا ستدخل خزينة الدولة مليارات الجنيهات إذا ما أحسنا استخدامها كما أشرنا في صدر المقال. فانتبهوا أيها السادة!!