يختلف هذا الرجل مع ما يعشقه كثير من أصحاب الهوايات وهوايته تتسم بالقسوة وإراقة الدماء ويبغضها كثيرون، وتتطلب قوة وشكيمة ويقظة.. فهو يسير على درب القدماء مارسوا عليها نفس هوايته، إنها «التحنيط». أكثر من 15 عاما قضاها هذا الرجل بسيط الحال والتعليم في الصحراء يبحث ويفتش عن أسرار هذا العلم، ويراكم خبرات عديدة عن حيواناتها وطبيعة كل منها، لذلك لم يكن غريبا أن يكون الحاج نصر عبدالرحيم، رمزا لهذه الهواية التي عرفتها الحضارات القديمة. من الصحراء بدأت هوايته، كان دائم التجول بها، شاهد مئات الأنواع النادرة من الحيوانات والطيور ذات الجمال الفائق، وفي يوم من الأيام قبل 15 عاما فوجئ بأحد هذه الطيور مصابا بجرح دام، وقتها وقف حائرا لا يدري ما يمكنه أن يفعل لهذا الطائر بديع الألوان الذي لم ير مثيلا له، ولم تمض ساعات إلا وفارق الطائر الحياة، ووجدت فيه هوام الصحراء وجبة مثالية.. يومها قرر أن يجد طريقة للاحتفاظ بهذه الحيوانات والطيور ولو في صورة هياكل تذكر بأشكالها وطبيعتها، والتعرف على طبيعة أجسادها لإمكان مساعدتها في الشفاء من الإصابات، وكان قراره بتعلم التحنيط الذي تحول إلى هواية عنده. عندما بدأ عم عبدالرحيم ممارسة هوايته اكتشف أنه لابد من العلم، وكان الذهاب إلى المتحف الزراعي بالقاهرة، ليتعرف على كيفية تحنيط هذه الحيوانات، وكذلك بدأ يتردد على متحف حدائق الحيوان بمصر.. فضلا عن التزود بخبرات من بعض دوائر المعلومات، وخبرات شخصية من بعض العاملين بعدد من الجهات المعنية بهذا الأمر في مصر، وتعلم أسرار نزع ماء الجسم وتجفيفه تماما والتخلص من أي قطعة من اللحم داخل الجسم حتى لا تتمكن البكتيريا من تحليل بقاياه، مستخدما في ذلك مواد يعرفها كل من يمارسون هذه الهواية. ويرفض عم نصر ما يردده البعض بعدم وجود جدوى لهذه الهواية، وأنها مضيعة للوقت، فضلا عن ما تتسم به من قسوة ودموية، مؤكدا أن هذه المزاعم لا تخرج عن إنسان متعلم، إذ تتعدد فوائد التحنيط سواء في الأغراض العملية أو الدراسية أو للعرض في المتاحف، بالإضافة إلى الحفاظ على بعض الطيور والحيوانات النادرة من الاندثار، لاسيما تلك التي تعيش في الصحراء ولا تكاد تراها العين. كما ينفي تهمة القسوة التي يراها البعض في هذه الهواية، موضحا أنها لا تتم إلا على طائر أو حيوان يشرف على الموت، فحينها يكون التدخل أشبه بتدخل الجراح الذي تجول مشارطه في أجساد مرضاه بغية إنقاذهم، فلو ترك الطائر على حاله فما هي إلا ساعات وربما دقائق وتضيع معالمه، إما بأنياب هوام ودواب الصحراء، أو بفعل التحلل، لذلك فإن التحنيط يعتبر الحل الأمثل لحفظ هذه الطيور والحيوانات للبشرية، وتتم عملية التحنيط بنزع ماء الجسم وتجفيفه تماما واستخلاص أي قطعة من اللحم داخل الجسم حتى لا تتمكن البكتريا تحليله. وحول ما إذا كانت هوايته تدر عليه دخلا جيدا لاسيما أنها تكلفه كثيرا من الأموال، يشير هاوي التحنيط المصري إلى أنه يكسب من هوايته أموالا جيدة، بسبب الإقبال الكبير على اقتناء محنطاته سواء من دارسي الكليات العلمية كالطب، والفنون الجميلة، أو من هواة اقتناء الحيوانات والطيور المحنطة. ومن المواقف التي لا ينساها «نصر» خلال ال 15 عاما التي مارس فيها التحنيط، ما يوضحه بقوله: طلبني أحد المسؤولين وأخبرني أن وزارة الزراعة تدعوني للقيام بتحنيط نمر أبيض خاص ب «سيف الإسلام» نجل الرئيس الليبي معمر القذافي، وبالفعل ذهبت إلى ليبيا ووجدت أن هذا النمر من نوعية نادرة جدا، لذلك أصبح عزيزا علي، لذلك كنت حريصا على عدم الوقوع في أي خطأ، ليس خوفا من نجل الرئيس، إنما خوفا على النمر النادر من أن يصيبه ضرر، وبالفعل تمت العملية بنجاح، ومن هنا بدأت شهرتي تتخطى حدود الهواية لزيارة العديد من الناس إلينا والإقبال لرؤية بعض الحيوانات التي قمت بتحنيطها.