المصرى اليوم 14/6/2008 أمتحانات الثانوية العامة تحولت إلي قطار سريع، يقوده سائق أعمي يطيح بمن أمامه سواء اجتهد الطالب أم لا.. التحق بمدارس التعليم المجاني أو الخاص، أو دفع أهله دم قلبهم في المدارس الأجنبية.. سواء حصل الطالب علي دروس خصوصية أم لا.. كل ذلك لا يمنع المشهد المتكرر كل عام: طلاب يبكون.. وطالبات يصبن بالانهيار العصبي.. وأمهات يلطمن.. وآباء يتحسرون علي ما دفعوه طوال العام.. وحتي يكتمل المشهد يخرج أحد مسؤولي وزارة التعليم ليعلن إجراء عملية تصحيح لعينات من أوراق الإجابات أحياناً، أو التشكيك في شكاوي الطلاب في أحيان أخري. كل عام هناك امتحان أو أكثر يسبب أزمة.. أتذكر عندما كنت في الثانوية «العاميه»، جاء سؤال في اللغة الفرنسية: «تخيل نفسك حنطوراً»، وخرجنا جميعاً نندب حظنا، ونصب لعناتنا تجاه وزارة التربية والتعليم، التي كان يقودها وقتها د. فتحي سرور.. وخرج علينا رئيس قسم اللغة الفرنسية بكلية آداب عين شمس، ليعلن أن هذا الامتحان لا يناسب طلاب الثانوية، ولا حتي طلاب ليسانس لغة فرنسية.. ومن يومها أسأل نفسي: من أين تأتي الوزارة بواضعي أسئلة الامتحان.. هل هم من شعب آخر.. من وزارة أخري، أم من أصحاب الجامعات الخاصة أو مستشاريها.. هل هناك مراجعة لأعمالهم أو حساب لما يفعلونه؟ لا يمكن استمرار هذه المهزلة سنوياً، التي من المؤكد أنها تخلق نوعاً من الضغينة لدي هذا الجيل من وزارة التعليم ووزيرها والحكومة والبلد.. فلا يمكن تخيل كم الإحباط الذي أصاب 402 ألف أسرة بعد امتحان التفاضل والتكامل، بالإضافة إلي كم الجهد البدني والنفسي والمالي، الذي بذلته هذه الأسر طوال عامين، من أجل حصول ابنهم أو ابنتهم علي مجموع كبير في الثانوية «العاميه». امتحانات الثانوية دليل جديد علي فشل المنظومة التعليمية في مصر، سواء بنظام العام الواحد أو العامين.. أطراف العملية التعليمية: المدرس والطالب والمنهج والمنظومة بها.. مشاكل عديدة، لكن الأزمة الحقيقية التي تربط بين هذه العناصر، هي غياب الثقافة عن الجميع، مما يدل علي فشل المنظومة التعليمية. ** أجزم بأن امتحانات الثانوية «العاميه»، تمثل أول صدمة نفسية بين الشباب والحكومة، تتسبب في اهتزاز الولاء للبلد.. بعدها بسنوات تأتي أزمة البطالة لتعمق الأزمة.. ثم يتوالي تراجع الولاء مع أزمات أخري، وبالتالي يجب حل أزمة الثانوية «العاميه» من جذورها، ليس باقتلاع العيون، ولكن بحمايتها منذ الصغر من العمي.