أصبح دخول الأبناء إلى المدارس الخاصة أمرا ضروريا ويأتي في أعلى قائمة أولويات الأسرة الكويتية هذه الأيام والسبب الأول هو للأسف تردي مستوى التعليم في المدارس الحكومية الذي أصبح «مكانك راوح»، فلا يوجد أي تجديد وتطوير للمناهج أو لأسلوب التعليم أو وسائل التعليم الحديثة، ولهذا تتجه بعض الأسر إلى الاستثمار بأبنائها وإلحاقهم بمدارس خاصة لضمان تعليم أفضل يتماشى مع متطلبات العصر ومستقبل وظيفي أفضل عند التخرج، خاصة أننا نجد فرقا كبيرا بين خريجي المدارس والجامعات الخاصة وخريجي المدارس الحكومية، سواء بطلاقة اللغة أو بالمعلومات العامة أو بالثقة عند دخول أي معترك يواجههم في الحياة. أما السبب الثاني، وهو للأسف أكثر انتشارا هذه الأيام في المجتمع الكويتي، وهو «للشحاطة» والتفلسف الزائد بالإضافة إلى الهوس بحب المظاهر والتقليد الأعمى أو مثل مايقولون «عليج يا شقرة»، فكثير ممن يعانون مرض حب المظاهر و«الشحاطة» يقومون بالاستذباح لإلحاق أبنائهم بمدارس خاصة، الأمر الذي يكبدهم الكثير من الحرمان طيلة العام، علاوة على ربطهم للحزام على مصراعيه وتحمل أقساط المدرسة ومتطلباتها التي لا تنتهي، وكذلك قرض البنك الذي يقص ظهرهم قصا لدرجة «التحندب». مع هذا كله تجدهم يقولون ان أي أمر يهون في سبيل المظهر العام للأسرة ونظرة المجتمع لهم. فالأم تجد قمة متعتها عندما تجلس بين زميلات العمل وقت الحش على مائدة الريوق اليومية، أو عندما تهرول على جهاز المشي في النادي الصحي، وتقول بصوت مسموع الجملة التي باتت أسطوانة مشروخة لكثرة تكرارها «أتصدقون مدرسة بنتي الأميركية بتسوى حفلة باربكيو حق أولياء الأمور في بيتها وحرصت على الحضور»، طبعا المقصد من هذه الجملة أن تعرف التي لا تعرف أن ابنتها في مدرسة خاصة ومعلمتها اميركية (تدرون إحنا عندنا عقدة الخواجة). ولا يختلف الأمر بالنسبة للأب الذي يحرص عند جلوسه في صالة التداول بالبورصة ينتظر فرج الله ورحمته أن يتحول السهم الأحمر إلى أخضر حتى يعوض قليلا من خسارته ويرد فلوس الناس اللي متسلفهم أو يطلع فلوس بيعة السيارة أو رهن البيت، أن يقول حق رفيجه اللي لايعه جبده من وضع السوق أن ولده في المدرسة الفلانية، وعليه أن يروح بسرعة لأن عنده موعد مع الناظر الإنكليزي حتى يناقش معه بعض الأمور. والوضع نفسه عندما يكون الحبيب جالسا بالديوانية ويلعب كوت بوستة مع الربع والجلاليب تارسه أذونه، وفوق هذا يتشيحط ويقول «أتصدقون سلوم ولدي يغرد بالانكليزي أحسن مني» (صج مكسورة وتبرد)، فهذا الأب الذي يفتخر بأن سلوم يغرد بالإنجليزي لو يفتح محفظته لن يجد فيها ما يكفيه لشراء صمونة فلافل أو بطاطا وباذنجان يسد بها جوعة ويترس بطنه. هوس بالمظاهر للأمانة أن الواحد يستاء من الوضع الذي وصل إليه بعض أفراد المجتمع الكويتي وهوسهم وهرولتهم وراء المظاهر، والذي أصبح مثل المرض المعدي الذي بدأ يفتك بنا.. قد يقول الكثير منكم ممن يقرأ هذا المقال: لماذا هذا التناقض في الطرح وأبنائي يتلقون تعليمهم في واحدة من أغلى المدارس الأميركية الخاصة بالكويت؟ لكنني أملك الرد الشافي والمقنع إن شاء الله لهم.. فردي بسيط جدا ويتضمن شقين أساسيين، أولهما، وهو الأساسي، أنني لم أقم بفرض حصار بحري وجوي وبري على أسرتي، ولم ألبس حزاما ناسفا يقصف بأمور حياتنا طيلة الشهر، ويقضي على جميع متطلباتنا الأسرية والحياتية في سبيل أن يقال في المجتمعات النسائية إن أولادي يدرسون بمدارس خاصة. وثانيهما، والله يشهد على، أنني كنت رافضة تماما فكرة التحاق أبنائي بمدارس أجنبية، والسبب قناعتي الكاملة بأن مدارس الحكومة أقوى وأفضل. فأنا ووالدهم درسنا في مدارس حكومية من مرحلة رياض الأطفال وحتى الجامعة وهناك الكثير الكثير ممن علا شأنهم في الحياة الكويتية، سواء السياسية أو الاجتماعية أو العلمية، من خريجي مدارس حكومية، فلماذا لا يكون حال أبنائي كحالهم؟ وفعلا سجلت ابنتي عند بلوغها سن الرابعة في إحدى مدارس رياض الأطفال النموذجية في منطقة العاصمة التعليمية، وقمت على أثر ذلك بإقناع بنات عمي بإدخال أبنائهن مع ابنتي رغبة مني بتشجيع المنتج الكويتي (الأمر الذي حملني تأنيب ضمير حتى يومنا هذا). وفعلا التحقت طفلتي المدللة بهذه المدرسة لمدة عام دراسي كامل تعلمت خلاله الكثير الكثير. أتدري عزيزي القارئ ماذا تعلمت ريان طيلة هذا العام؟؟؟ خبرة في الغناء والرقص ابنتي أصبحت بارعة وفنانة في الغناء والرقص الشعبي وحفظ جميع الأغاني الوطنية، وأصبحت لديها خبرة لا يستهان بها في الألعاب الشعبية ومشاهدة الرسوم المتحركة.. للأمانة أنا لا أقول أن القصور يكمن في المدرسات اللاتي يعملن في هذه المدرسة لأنهن طاقات شابة مبدعة ويملكن الذكاء والرغبة في تطوير هذه المرحلة المهمة في عمر الطفل والتي تعتبر الدعامة الأولى في حياته، لكن الأمر ليس بأيديهن فهن يحاولن ويجتهدن، لكن الأمر الأول والأخير بيد الوزارة وروتينها القاتل. ولانها جريمة لا تغتفر في حق أطفال الكويت بأن يقضوا سنتين من عمرهم في الرقص والغناء والتنطط، لهذا قمت بتحرير ابنتي وإطلاق سراح تفكيرها من البرمجة التي تمت عليه لمدة عام كامل بالرقص والغناء واللعب، وسجلتها في احدى المدارس الأميركية التي ولله الحمد استطاعت أن تكتشف مواطن الذكاء والفطنة لديها. فهي الآن أنهت السنة الثانية من مرحلة الروضة، وتستعد لدخول مرحلة الأولى ابتدائي بكل ثقة وشجاعة سواء بالكتابة والقراءة أو التحدث والمناقشة باللغتين، والتي تتحدى أي طالب في المرحلة المتوسطة في مدارس الحكومة هذه الأيام. ولكن على قولة المثل «الحلو ما يكمل»، فالمدارس الخاصة أيضا، على الرغم من إيجابياتها في ناحية التعليم، لها الكثير من السلبيات والعيوب التي عانيت منها أيضا، وأحاول قدر استطاعتي أن أتحكم وأكون مسيطرة على الوضع فيها. فداخل أسوار هذه المدارس تجد طلابا من جنسيات وبيئات مختلفة تعكس عمق الأسرة التي يمثلونها وللأسف ضحالة تفكيرهم، فإليكم بعض القصص التي حدثت معي شخصيا: الحادثة الأولى: الأصل والفصل جاءتني ابنتي قبل أسبوع تسألني ببراءة الأطفال قائلة «ماما إحنا أصيلين؟». للأمانة عزيزي القارئ أنني كنت مستلقية أقرأ رواية المنتظر للمبدع عبد الله المضف، وإلا بقشعريرة أصابتني جعلتني أرمي بالرواية أرضا وأتمعن بملامح ابنتي ذات الخمسة أعوام وهي تسألني عن الأصل والفصل؟ اعتدلت وقلت لها: ريونة منو قالج هذا الكلام؟ فقالت: صديقتي بالمدرسة فهي اليوم قامت بأخذ أسامينا علشان تعطيهم أبوها ويقول لها منو الأصيل ومنو مو أصيل؟ ماما الله يخليج قوليلي إحنا أصيلين ولا لأ؟ علشان أنا أحب صديقتي وما أبي أبوها ما يخليها تكلمني. لم أعرف بماذا أجيب حبيبة قلبي، فقد ربط لساني من شدة ما سمعت، فماذا يعني أن تسأل طفلة في الخامسة من عمرها أقرانها بالفصل إن كانوا أصيلين أم لا؟ ولماذا يتم زرع هذا الشيء فيهم منذ صغرهم. وبعد أن أطمأنت ريان على علاقتها بصديقتها الأصيلة وأنها لن تنقطع بسبب الأصل والفصل، أخذت اضرب كفا بكف على حال الجيل القادم الذي عُقدت عليه أمال وأحلام بأن يكون أفضل من الجيل الذي سبقه، لكن بعد هذه السالفة أصبح الامر مختلفا جدا. الحادثة الثانية: هدايا عيد الميلاد ونحن جالسون بأمان الله بعطلة نهاية الأسبوع بادرت ابنتي والدها بسؤال: ?Dad what you gona give me on my birthday فأجابها: إن شاء الله ريان أي شي تبينه أشتريلج إياه. فقالت: أنا أبي هدية أحسن من هدية صديقتي رزان. فأجابها والدها: وما هدية صديقتك رزان؟ فقالت: Her father opened a bank account for her and he put In It one hundred thousand dinar because he loves her so much وطبعا لا أنا ولا والدها تفوهنا بكلمة واحدة واكتفينا بأن نقول إننا نحبك وإن شاء الله نعطيك هدية حلوة. هذه بعض الأحداث التي تمر علينا من بعض من يسمعون أفكار أبنائهم ويتركونها تبث على أقرانهم بالمدارس، فالقصد لماذا يتم زرع هذه التفاهات في نفوس الأطفال وعقولهم التي تعتبر كالتربة الخصبة التي تحتاج إلى رعاية وعناية فائقة لكي تخضر وتزهر وتثمر في نهاية المطاف ورودا تتفتح وتينع في ميادين مختلفة تعود بالفائدة على المجتمع وتساهم في ارتقائه. وكما ذكرت مسبقا إن «الحلو ما يكمل»، فالمدارس الخاصة بها الزين والشين حتى من ناحية الهيئة التدريسية، لكن كما يقولون أننا نتمسك بأخف الضرر حتى نصل إلى بر الأمان لنا ولأبنائنا، فالمدارس الخاصة أيضا فيها من يستغلون أولياء الأمور ويضطرونهم لأخذ دروس خصوصية لتقوية الطفل، وطبعا القصد ليس تقوية الطفل، بل الهدف هو ملء جيب المدرس الذي يحاول بأقصى جهده تأمين أكبر مبلغ من هذه المهنة التي تدر عليه ذهبا، علاوة على طلبات التبرع للمدرسة طيلة العام. ومن ناحية أخرى فهي ترعرع ابناءنا على كثير من العادات والمفاهيم التي نحاول بكل جهدنا أن نبعدهم عنها، لكن بحكم وجودهم في مجتمع غربي ادخلناهم فيه بإرادتنا الكاملة من دون أي ضغط أو تهديد من أطراف خارجية يتعيّن علينا الرضا والترحيب بمجاراة فلذات أكبادنا لعاداتهم وتقاليدهم. نداء ورجاء ولهذا فأنا أتوجه بنداء ورجاء باسمي وباسم كل أم بالكويت تحرص على مستقبل أبنائها إلى المرأة الحديدية في مجلس الوزراء الكويتي، التي نبارك عودتها بالجلوس بين صفوف إخوانها الرجال ونقول لها أعانك الله يا أم عادل وأعطاك الصبر ورباطة الجأش على ما ستواجهينه من عواصف ورياح سوف تهب في وجهك، ولكنني على يقين بأنك أقوى من هذه العواصف فيا جبل ما يهزك ريح، فأنا وكل أهل الكويت متأملون فيك خيرا إن شاء الله بأن يكون شفاء التعليم الكويتي من مرحلة الشلل المزمن الذي هو عليه الآن على يديك. فنحن نريد منك حقنة مضاد حيوي سريعة المفعول يقفز على أثرها التعليم الكويتي بكل همة ونشاط، وتصبح المدارس الحكومية على أحدث وأعلى مستويات من ناحية التصميم والتطوير واستخدام أحدث وسائل التقنية التعليمية في العالم. فلله الحمد إن الكويت دولة غنية وخيرها مغطي القاصي والداني، ولا أعتقد أن هناك مشكلة في مسألة الميزانية المعدة لتطوير التعليم، لأنني رأيت كما رأى الشارع الكويتي صراخ ووعود نواب الأمة أثناء حملاتهم الانتخابية بإهتمامهم ووعودهم التي قطعوها على أنفسهم أثناء المعركة الانتخابية بأن خطواتهم ستكون جادة في طريق النهوض بالتعليم. لهذا فأن المسألة ستصبح ميسرة وسهلة عند طلبك لأي ميزانية تجدينها مناسبة لغربلة التعليم الحكومي بالكويت، حتى إن تطلب الأمر تدخل القطاع الخاص، الأمر الذي ينادي به صاحب السمو أمير البلاد والذي هو عين الصواب لكي نستطيع ان نكون في مصاف الدول المتقدمة إن شاء الله. كما نتمنى أن يعاد النظر في عملية استقطاب المدرسين والمدرسات، وأن لا تتم عملية الاختيار وفق العمالة الأرخص. عيال الكويت يستاهلون، فلماذا لا يتم استقطاب مدرسين أجانب للاستفادة من خبرتهم ولغتهم حتى نضمن أن يتم إصلاح ما أفسدته مخرجات التعليم في الوقت الحاضر، علاوة على اختيار لجان المدرسين التي تعاني من الشيخوخة والزهايمر؟. نحن وضعنا ابناءنا ومستقبلهم أمانة في عنقك يا أم عادل، وأنت محاسبة أمام المولى عز وجل على هذه الأمانة وأنا متأكدة وواثقة بقدرتك على تحمل هذه الأمانة لأنني أعرف من هي نورية الصبيح.