تعد عملية تعيين المرأة قاضية فى مصر خطوة فارقة فى تاريخ مصر، خاصة بعد أن نجحت المرأة فى العمل فى جميع المناصب التى شغلتها كوزيرة وسفيرة وعميدة كلية ونائبة رئيس جامعة وغيرها من المناصب، وقد أثبتت تفوقا فى عملها، فالمرأة لديها القدرات والمهارات والكفاءات الفنية اللازمة لمباشرة العمل فى مجال القضاء، ليس فى مصر فقط بل فى معظم البُلدان وصانعة قرار وتمثل عنصراً فاعلاً فى العديد من مجالات الحياة . وبالرغم من تصاعد حدة الجدل منذ سنوات حول قضية اعتلاء المرأة كرسى القضاء والذى شهد العديد من الآراء المتفاوتة، بل وأصيب الوسط القضائى بانقسام فى الآراء، فمنهم من شجع جلوس المرأة على المنصة باعتباره تكريساً لمبدأ المساواة بين الجنسين، ومنهم من رفضه لاعتبارات عديدة ولا يتسق مع تقاليد المجتمع، ولكن فى النهاية تم حسم هذا الجدل بتعيين السيدة تهانى الجبالى أول قاضية فى مصر عام 2003 ، وتلاها تعيين 30 قاضية فى أبريل 2007 ، كأول دفعة من القاضيات . دفعة ثانية من القاضيات: وفى إطار مواصلة الدولة جهودها نحو تعزيز وضع المرأة فى مصر باعتبارها ركيزة أساسية فى المجتمع بل وتمثل نصف المجتمع، فقد وافق مجلس القضاء الأعلى على تعيين دفعة جديدة من القاضيات من بين عضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة فى مصر، بعد أن أثبتت المرأة المصرية كفاءتها فى المحكمة الدستورية والنيابة الإداراية والمحاماة، وأثبتت التعيينات السابقة - منذ أقل من عام - جدواها ونجاحها وأثبتت كفاءتهن وانتظامهن فى العمل، وأثبتت أنها جديرة للقيام بهذا العمل . ويأتى ذلك فى سياق الاهتمام لإدماج قضايا المرأة فى كافة السياسات العامة ذات الصلة، وتمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وتوسيع مُشاركة المرأة فى الحياة العامة، والقضاء على أى صور التمييز ضد المرأة، خاصة وأن المرأة عبر كل العصور لعبت دوراً هاماً فى بناء المجتمع بجانب الرجل، والمجتمعات العربية والمصرية أفرزت أجيالاً ساهمت فى نهضة المجتمعات من خلال النضال والكفاح الوطنى . آراء متفاوتة على تعيين المرأة قاضية: وفى سياق المداولات الكثيرة التى شهدتها سنوات عديدة من الحديث فى هذا الموضوع، لوحظ إصرار المرأة على المُشاركة فى السلطة القضائية المصرية ويعود ذلك إلى عام 1949 وإلى محامية شابة تدعى الدكتورة عائشة راتب، التى أصبحت فيما بعد من ألمع أساتذة القانون الدولى فى مصر، ثم وزيرة للشئون الاجتماعية فى الثمانينات، وتم رفض طلبها لاعتبارات إجتماعية بحتة، وأصبحت فيما بعد وزيرة للشئون الاجتماعية المصرية . ومنذ ذلك الحين اتجه العديد من المحاميات للانضمام إلى مكاتب السلطة القضائية أو المدعين العامين - التى يتم منها عادة اختيار القضاة الأدنى مرتبة - وقد رفضهن المجلس الأعلى القضاة من دون تعليق أحياناً، وأحياناً أخرى تم تحديد سبب الرفض، وقد ملأت المرشحات النساء الكثير من المناصب الأخرى فى مهنة المحاماة المصرية، وأصبحن من أبرز المحامين وأساتذة الحقوق . ومع بداية عام 2007 صار من حق المرأة المصرية أن تصبح قاضية، فقد اختار مجلس القضاء الأعلى المستشارة تهانى الجبالى لتكون أول قاضية فى مصر، وذلك بعد عقود من الجدل حول أحقية المرأة فى هذه الوظيفه، بعدما كانت أروقة القضاء المصرى التى يسيطر عليها الرجال من دون النساء . ولكن استقبل القرار بردود فعل مُتباينة، حيث اعتبره البعض حقاً دستورياً للمرأة، فيما اعتبره آخرون تهديداً لاستقرار مهنة القضاء، لأنها مهنة للرجال وليس للنساء، ويستبعدون عمل المرأة فى قضايا الجنايات، فطبيعة التحقيق مع المجرمين والقتلة والمتورطين فى جرائم اغتصاب واللصوص المحترفين وإصدار أحكاماً بالإعدام أحياناً لا تتوافق وطبيعة المرأة، وأن هذا النوع من القضايا يتطلب استقراراً تاماً فى العواطف والمزاج الشخصى الذى ربما لايتوفر لكثير من النساء طوال الوقت، وأنه يتطلب حزماً أكثر من المشاعر الرقيقة، وأن القضاء قد يتطلب حزما أكثر لايحتمل مثل هذه المواقف، فضلاً عن ظروف المرأة التى ستحول دون عملها فى مناطق بعيدة بأنحاء مختلفة بالجمهورية . وتعد المستشارة تهانى الجبالى المرأة الأولى التى تعتلى منصة القضاء لتفصل بين الخصوم فى عام 2003، حيث تم تعيينها عضواً بالمحكمة الدستورية العليا، وهى محكمة لا تتولى الفصل بين الخصوم، وإنما تراقب مطابقة القوانين التى تصدرها السلطة التشريعية لصحيح الدستور. حصلت تهانى الجبالى على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1973م، وتولت لفترة قصيرة وظيفة مديرة الشئون القانونية بجامعة طنطا بمحافظة الغربية، ثم بعد ذلك قدمت استقالتها وتفرغت للعمل كمحامية حرة فى عام 1987 لتبدأ حياتها العملية لتثبت جدارة المرأة وقدرتها على اقتحام مسئوليات ظلت لفترات طويلة قاصرة على الرجال فقط ، وقد تم انتخابها كأول عضوة فى المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب لتصبح بذلك أول سيدة مصرية وعربية تنتخب فى هذا المستوى بالاتحاد منذ تأسيسه فى عام 1944م . ثم تولت لجنة المرأة فى الاتحاد نفسه لتمثل المرأة العربية، وأيضا رئاسة لجنة "مناهضة العنصرية والصهيونية" بالاتحاد، بالإضافة إلى عملها كمحاضرة أساسية فى مركز التدريب وتكنولوجيا المعلومات التابع لاتحاد المحامين العرب، وهى عضو بمجلس أمناء المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، وخبير قانونى فى منظمة الأممالمتحدة ومُحكم تجارى دولى ومُحاضر فى المعهد العربى لحقوق الإنسان فى تونس .