يثير إستمرار فراغ مقعد الرئاسة في لبنان مخاوف من تداعيات سياسية على الوضع الاقتصادي الذي يتسم بالصمود حتى الان على الرغم من عدم الاستقرار الامني والسياسي لقرابة عامين وهو ما حدا بأغلب الخبراء الي وصف الأوضاع الاقتصادية الراهنة في لبنان بأنها تتحدى المنطق العلمي وتتجاوز القواعد المتعارف عليها في علم الاقتصاد. ويستشهد هؤلاء الخبراء بجملة حقائق تثبت ان الاستقرار النقدي في البلاد يعود الى إتفاقات سياسية ، وليس معطيات عملية ، معترف بها في علم الاقتصاد . فمنذ إنتهت ولاية الرئيس السابق اميل لحود في 24 نوفمبر الماضي اضافت وكالة التصنيف الدولية "ستاندرد اند بورز" اشارة "تحت المراقبة" الى تصنيف "B" الذي تعتمده عادة للبنان مع الوضع في الاعتبار إمكانية لحاق "تداعيات سلبية" بالاقتصاد اللبناني. ويعني تصنيف "B" ان البلد يستطيع الوفاء بالتزاماته المالية، لكن ظروفا اقتصادية غير مواتية قد تؤثر في قدرته على القيام بهذا الامر مستقبلا. وكانت الجهة الدولية قد وضعت لبنان "تحت المراقبة" في منتصف يوليو 2006 عندما بلغ النزاع العسكري بين حزب الله الشيعي واسرائيل ذروته. وقالت الوكالة في تقرير نشره بنك عودة اللبناني ان "الازمة السياسية تدهورت بعدما سلم لحود المهمات الامنية في البلاد للجيش"، وذلك قبيل انتهاء ولايته مساء 23نوفمبر. وفي سياق متصل ، حذر صندوق النقد الدولي ووكالة "موديز" للتصنيف وعدد من الهيئات المحلية من تداعيات الفراغ الرئاسي على الاقتصاد اللبناني الذي يعاني من عبء دين عام يفوق 5.40 مليار دولار. ومن جهتها ، تحجم الحكومة اللبنانية عن تقديم اي موازنة للعام المالي الجديد في ظل الازمة السياسية التي تحول دون التئام مجلس النواب من ناحية والتشكيك في دستورية الحكومة من ناحية أخرى. فتقوم حكومة فؤاد السنيورة بتصرف الاموال ، والرواتب ، وتمويل المشروعات على أساس الاستمرار في الموازنات السابقة وتدويرها , وهذه القاعدة التي لاتستند الى اي منطق اقتصادي , معمول بها علي مدي ثلاث سنوات مالية . وتشهد البلاد اعتصامات مستمرة في الحي التجاري بوسط بيروت منذ نحو عام وهو ما يساهم في إغلاق شارع المصارف الرئيسي في البلاد ، كما يعطل الحركة التجارية والاستثمارية . وعلي صعيد العملات الصعبة ، فان الطلب على هذه العملات في البلاد يفوق العرض ، وذلك نظرا الى عدم ثقة المودعين بالعملة اللبنانية ، أوبقدرة الاقتصاد الوطني علي الحصول عليها عبر تصدير السلع الوطنية قياسا بالاستيراد . هذه العوامل مجتمعه من شأنها أن تقود وفقا لقواعد علم الاقتصاد أولا إلى تدني أسعار الأسهم وإرتفاع أسعار صرف الدولار، والتأسيس لحالة من التضخم غير محسوبة النتائج . وفي ظل هذا الواقع المتردي تشهد البلاد موجة غلاء غير مسبوقة, إذ بلغ معدل ارتفاع الأسعار حوالي 30% في خلال الفترة الممتدة منذ يوليو 2006 حتى الآن ، وتشمل موجة ارتفاع الأسعار فضلا عن المواد الحيوية والاستهلاكية الأساسية ، قطاع المحروقات الذي بلغ في الأيام القليلة الماضية ارقاما قياسية غير مسبوقة في لبنان ، ما ساهم في ارتفاع الأسعار بصورة مباشرة ، فضلا عن تصاعد استياء اللبنانيين بسبب ارتفاع اسعار المحروقات. ويشكو التجار من غياب المشترين خاصة العرب الذين كانوا يتدفقون على لبنان قبل حرب يوليو 2006 التي كلفت الاقتصاد اللبناني 6.3 مليارات دولار. في المقابل، فإن القطاع العقاري يكاد يكون الوحيد في لبنان الذي ما زال يشهد رواجا واضحا رغم الزيادات التي طرأت على الأسعار التي تراوحت بين 40 و50% للأراضي الفضاء وأكثر من 70% للمباني. يُرجع الخبراء ارتفاع أسعار العقارات المبنية في هذا المجال إلى ارتفاع أسعار الحديد الخام الذي يستورده لبنان من السوق الأوروبية ، بما يعني ان عامل ارتفاع سعر اليورو الذي بلغ في لبنان أرقاما قياسية غير مسبوقة يشكل سببا مقبولا لهذه الظاهرة ، إذ يؤكد المهندسون أن 30% من تكلفة البناء الاساسية مرتبطة بالكامل بالمواد المعدنية الخاضعة لسعر صرف اليورو على غرار الحديد والالمنيوم وأنابيب جر المياه والصرف الصحي المستخدمة عادة في الابنية السكنية والتجارية . وبجانب الاسباب المباشرة ، يشكل العرض والطلب والاقبال على شراء العقار في لبنان عامل مساعد على ارتفاع الأسعار ، بما يحرم الطبقة المتوسطة القليلة في البلاد من التملك ، بحيث يقتصر تملك الشقق السكنية الفخمة على الخليجيين او المغتربين ، فيما يكتفي قسم كبير من اللبنانيين بتملك الشقق العادية او المتواضعة . وكانت الاحصاءات الاخيرة قد اشارت الى ان نسبة 85% من الشقق المبنية في لبنان منذ عشر سنوات ما زالت مرهونة ، سواء للمصارف الخاصة ، او لمصرف الاسكان ، او المؤسسة العامة للاسكان ، بما يؤكد ان جميع هذه الوحدات السكنية بيعت عن طريق القروض . وفي ظل هذه المعطيات يتوقع الخبراء ان تشهد البلاد المزيد من التدني قي مستوى المعيشة ، في مقابل الاستمرار في ارتفاع اسعار العقارات في لبنان ، بحيث يقول الخبراء ان القطاعات الوحيدة المستمرة في لبنان على تصاعد تقتصر على القطاع المصرفي ، وقطاع البناء وبالتالي العقار بصورة عامة . وفي المقابل يقر الخبراء بأن المواطن اللبناني يفقد الثقة تدريجيا بإقتصاد بلاده ، فأعقب فراغ مقعد الرئاسة ، تراجع مؤشر بورصة بيروت بنسبة أربعة في المائة حتي سجل تقدما بسيطا الاثنين الماضي قبل أن يغلق تعاملات الاسبوع علي مرتفعا 3ر5 في المائة وسط آمال بالتوصل الى تسوية قريبا لازمة الرئاسة في البلاد ، فقد صعد مؤشر "بلوم" الى 1480 نقطة من 1405 نقاط الخميس مدعوما بإرتفاع سهم شركة سوليدير العقارية ذات الثقل في السوق من الفئة "أ" مسجلا 11ر11 في المائة وتقدم سهمها من الفئة "ب" 52ر10 في المائة. ويتأثر الاقتصاد اللبناني كذلك بتراجع عدد السياح والهجرة الكثيفة للشباب اللبنانيين بحثا عن فرص عمل في الخارج، بينما كان متوقعا ان تبلغ نسبة النمو عام 2007 بنحو 2 في المائة بعدما كانت صفرا العام الماضي وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي. يذكر ، أن هناك عوامل مساعدة تعزز صمود الاقتصاد اللبناني ويلخصها الخبير الاقتصادي مروان اسكندر في التحويلات المالية للمغتربين اللبنانيين التي تقدر بخمسة مليارات دولار سنويا، فضلا عن تلقي لبنان 6.1 مليار دولار من مؤتمر "باريس 3" الذي التزم خلاله المجتمع الدولي في يناير الماضي تقديم 6.7 مليارات دولار الى لبنان ، وهي اكبر مساعدة قُدمت لهذا البلد. وثمة عنصر مساعد آخر للبنانيين ولا سيما الجنوبيين منهم, تتمثل في الاموال التي ينفقها عناصر قوة الاممالمتحدة المؤقتة (يونيفيل) المكلفون بمراقبة وقف الاعمال الحربية بين حزب الله واسرائيل تنفيذا للقرار الدولي 1701. 1/12/2007