أحد أكثر الأسئلة شيوعا وسط النخبة والشارع السوريين خلال الأيام القليلة الماضية هو'ولماذا لا تشارك سوريا في مؤتمر أنابوليس' لكن ربما السؤال الأكثر الحاحا وأهمية الآن هو لماذا ذهبت دمشق الي أنابوليس! المداولات والمباحثات والشد والجذب كانت عنوان الساعات الأخيرة قبل اعلان سوريا عن تلبيتها لدعوة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالحضور للمؤتمر أو كانت أشبه بالولادة المتعثرة فسوريا لم تكن تريد أن تذهب الي أنابوليس كمشاركة مثلها مثل البحرين أو قطر مثلا وهو ما أكده لي مصدر سوري رسمي حينما علل ذلك بقوله' مع احترامنا لهذه الدول الا أننا لدينا أراضي محتلة ولكي نحضر لابد من وضع الجولان المحتل علي جدول أعمال المؤتمر'. ..أيضا الغموض الذي اتهم به الاجتماع وما زال كان أحد أسباب تردد القرار السوري بالحضور بالاضافة الي التشكك الدائم في حيادية الدولة الراعية للمؤتمر وتحيزها السافر للكيان الصهيوني وكذلك فشل ما علي شاكلته من مؤتمرات سابقة!! ولكن كما انفرد الأهرام منذ أيام حصلت الموافقة والحضور. الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية الاعلان عن مؤتمرها كانت تعتقد أن العرب يلهثون الي مثل أنابوليس وأن حضور سوريا بالذات يمكن أن يصبح مكافأة لها اذا امتثلت لرغبات الدولة العظمي الملحة في المنطقة وحاولت تجربة ذلك في لبنان الا أن أهدافها لم تتحقق وباتت الآن في ورطة وحسب دراسة للدكتور سمير التقي رئيس مركز الشرق للأبحاث الاستراتيجية أن الولاياتالمتحدة هي التي تحتاج الي أنابوليس الآن أكثر من أي وقت آخر حتي تستطيع تقليل خسائرها بعد أن أفلتت من يدها عناصر الأزمة في المنطقة كما نري بين الفلسطينيين واسرائيل والوضع الايراني ودخول روسيا والصين علي الخط وكذلك تركيا( اللاعب صاحب النيو لوك الجديد) وأيضا ما يحدث في أفغانستان.. كلها أمور تجعل الولاياتالمتحدة في أمس الحاجة لكي تعيد ولو جزءا من توازنها!. ..السوريون يشعرون بالراحة من جراء ذهابهم الي أنابوليس فقد تحقق شرطهم ووضع المسار السوري علي أجندة المؤتمر كما أن المشاركة فرصة لكشف النيات سواء لأمريكا أو لاسرائيل التي أعرب رئيس وزرائها إيهود أولمرت مؤخرا عن رغبته في إعادة إحياء المفاوضات علي المسار السوري بالتوازي مع المسار الفلسطيني. لكن الفلسفة الرئيسية لذهاب سوريا الي أنابوليس والكلام ما زال للدراسة- هي توسيع هوامش مناورة أصدقائها( مثل روسيا وبعض الدول الأوروبية) وسط هيمنة القوة العظمي الوحيدة في العالم الآن كما يجب عدم تفويت الفرصة لأن هناك قوي داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية تري أيضا أن المؤتمر فرصة لاعادة بناء سياسة خارجية جديدة لبلادهم. .. هذا الاجتماع له توابع كما أكدت دول مثل روسيا لسوريا وأنها أي موسكو ستستضيف مؤتمرا بعد شهرين يفتح الملفين اللبناني والسوري مع اسرائيل لكن هذه التأكيدات الروسية لم تكن رسمية حتي الآن واذا حدث فان دمشق تحقق مكسبا جديدا. قضايا المنطقة كلها متشابكة واسرائيل غير قادرة حاليا علي الاستمرار فيما هي فيه- و هذه هي رؤية بعض الخبراء السياسيين السوريين هنا- كما أنها أضعف مما يجب أن تقوم به تجاه السلام وما يؤكد هذه الرؤية أن الداخل الاسرائيلي ممزق الي حد أن أصبح السلوك العام فيه كثير من الشخصانية تجاه القضايا كما أن هناك نوعا من الانتهازية بين السياسيين وهو ما يجعل النتائج المرجوة من مؤتمر أنابوليس مشكوكا فيها. بينما يناقض هذه الرؤية بعض الشيء ما نقله التليفزيون الاسرائيلي قبيل انعقاد المؤتمر مباشرة عن مقربين من أولمرت قوله انه ابدي استعداده للدخول في مفاوضات مع سوريا دون قيد أو شرط لأن هذا المسار من شأنه أن يحدث تغييرا ايجابيا في المنطقة ويساهم في عزل القوي المعادية علي حد تعبير المصادر.وأضاف بن اليعازر عضو الحكومة الأمنية الاسرائيلية انه للمرة الأولي لدينا قرار ممتاز من الجامعة العربية سيحضر جميع وزارء الخارجية( العرب) اجتماع أنابوليس علي حد قوله.كما طالب يوسي بيلين عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس حزب ميريتس الحكومة الإسرائيلية بالتحرك لإبرام اتفاق هدنة فورا مع حماس تشمل وقف كل أشكال العنف المتبادل وإنهاء حصار غزة كسبيل وحيد يراه لتهيئة الأجواء لنجاح المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية حول الحل الشامل التي سيطلقها مؤتمر أنابوليس. وشن بيلين في مقال كتبه بصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أمس هجوما حادا علي حماس واتهمها باستخدام أسوأ أشكال الإرهاب ضد إسرائيل وزعم أن فوزها في الانتخابات البرلمانية في يناير2006 لا يمنحها شرعية سياسية بصورة تلقائية, قائلا: ان الديمقراطية أكثر من مجرد الفوز الانتخابي, ومع ذلك أكد أن سيطرة الحركة علي غزة طرحت تحديات غير مسبوقة بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس علي السواء.. و الوضع الفلسطيني وفق ذلك مرشح لدفع الثمن وخاصة أن تل أبيب تعودت علي الضرب في المليان عقب مثل هذه المناسبات وكم قاسي الفلسطينيون من آلام ما بعد مثل هذه المناسبات! ولكن السؤال الآن ما هي التوقعات السورية لنتائج هذا المؤتمر أو بالتحديد ما هي غلة سوريا المتوقعة بعد مباحثات أنابوليس؟ ..ربما تلمح نظرة حيرة غامضة في عيون السياسيين والخبراء السوريين عندما يوجه اليهم نفس السؤال وهم مع ما يلمسونه من معطيات غير مشجعة سواء داخل اسرائيل أو الولاياتالمتحدةالأمريكية لا يضعون العربة أمام الحصان بل وكما قال لي أحدهم عندما يأت العيد يؤكل الكعك!. ..ارتباط أزمة لبنان الرئاسية بمؤتمر أنابوليس حقيقة أم سراب وهل لها تأثير علي المسار السوري وعلاقته بالولاياتالمتحدةالأمريكية الاجابة علي لسان الدكتور سمير التقي رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية بدمشق فيقول:أن الارتباط يأتي من جانب حلفاء بوش في لبنان لكن من الناحية العملية والمباشرة الخاصة بالمؤتمر فليس هناك ارتباط ويقول: الأزمة في لبنان في حالة من انعدام الوزن والمرحلة الحالية رمادية ويمكن لأحداث صغيرة أن تقلب الميزان والذي يمكن أن نراه بعد أحداث أنابوليس هو الي أي مدي ستصمد حكومة السنيورة( غير الشرعية)! فلبنان علي كف عفريت. يبقي أن اللافت للانتباه هو التمثيل السوري في المؤتمر بوفد يرأسه نائب وزير الخارجية( فيصل المقداد) وليس وليد المعلم وزير الخارجية بينما تشارك جل الدول بما فيها العربية علي مستوي الوزراء وهو ما يثير الشكوك تجاه الجدية التي تتعامل بها سوريا تجاه المؤتمر الا أن مصدرا سياسيا سوريا أكد لي أن موضوع التمثيل لا يعبر بأي حال من الأحوال عن عدم الجدية بل أن السبب تقني بحت- علي حد تعبيره- وعلي أساس أن موضوع المؤتمر الأساسي هو المسار الفلسطيني! ومهما تكن الأجواء قبل وأثناء وبعد انعقاد هذا المؤتمر ومهما تكن التوقعات متفائلة أم متشائمة الا أن القضية الأساسية هي عدم التفريط فيما تبقي من حقوق عربية و أنابوليس تلك المدينة التي تقع علي ضفاف نهر سيفرن وخليج شيزابيك الأمريكيين والتي عرفت يوما بانها' اثينا امريكا' وكانت تستمد ثرواتها من تجارة الرقيق في مينائها البحري وهي اليوم عاصمة ولاية ماريلاند.و سمي الحاكم الملكي السير فرانسيس نيكولسون المدينة وقتها بهذا الأسم تيمنا بالاميرة آن التي اصبحت بعدها ملكة بريطانيا العظمي في عام1708. وربما غرام الولاياتالمتحدة الدائم بتحقيق أهداف جانبية تتعلق بالمكان والتوقيت عند تنظيم حدث ما هو ما دفعها الي اختيار هذه المدينة وأهمها رمز الاكايمية البحرية وسقوط قتلاها في سبتمبر فضلا عن حلول الذكري ال30 خلال الشهر الحالي( نوفمبر) علي الزيارة التاريخية للرئيس السادات للقدس! ..والسؤال الأخير هل تصبح هذه المدينة( الرمز) المحطة الأخيرة لاطلاق قطار السلام.