جيدون راتشمان كبير معلقى الشؤون الخارجية بصحيفة "فاينانشال تايمز" ، جاءت احدث مقالته هذا الاسبوع لتعبر عن حيرته ازاء السياسية الامريكية التى يصفها الآن بانها فى وضع لا تحسد عليه ، فهى مازالت تتلكأ فى تحديد قلب هدفها الرئيسى .. بمواصلة التمحور حول الشرق الاوسط بسلسلة قضاياه التاريخية المعقدة أم تتجه للتمركز حول القضايا الاسيوية بما طرأ عليها من تغييرات قد تؤثر فى مستقبل الولاياتالمتحدة . جيدون كتب فى مستهل مقاله انه شخصيا مال هذا العام ازاء اسيا ، وقام بزيارات إلى كوريا الجنوبيةواليابان وفيتنام والصين (مرتان)، و بالتأكيد كان هناك الكثير للكتابة عنه حول القيادة الجديدة في الصين، والسياسات الاقتصادية التي ينادي بها شينزو آبي، رئيس الوزراء الحالي من اليابان، والمواجهة الدائرة بين الصينواليابان، والتوترات النووية في شبه الجزيرة الكورية. ويقول جيدون راتشمان انه في أكثر من مناسبة ، وجد نفسه جالسا في غرفة بفندق في احدى دول شرق آسيا ، ولكنه يكتب عن الشرق الأوسط .. و يرى ان الميل نحو الشرق الاوسط ليس بفعل الأخبار العاجلة فقط القادمة من هناك ، بل هو أيضا معضلة للسياسة الخارجية الأميركية. فمن الناحية النظرية، أمريكا ملتزمة بمحور آسيا و هو ما من شأنه أن يضع الشؤون الآسيوية في مركز القلب من السياسة الخارجية للولايات المتحدة. و لكن في الممارسة العملية، وكما أوضح مسؤول أمريكي مؤخرا: "إن العمل بالبيت الأبيض يدور حول إدارة الأزمات ، وفي السياسة الخارجية، نحو 90 في المائة من الأزمات تدور في الشرق الأوسط". نعم .. كان هذا بالتأكيد صحيح في عام 2013 مع الحرب الأهلية في سوريا، والوضع السياسى في مصر، وبداية المفاوضات الجادة مع إيران النووية ، لكن ماذا عن عام 2014 ؟ فى عام 2013 ، السنة الأولى الكاملة لعمل وزير الخارجية جون كيري ، كانت هناك عودة قسرية للسياسة الخارجية الامريكية إلى الشرق الأوسط. و في اجتماع في وقت مبكر مع فريقه الجديد، قال كيري إن هيلاري كلينتون، سلفه، حرصت على ان ترسل له رسالة تقترح فيها بأدب ان يفعل مثلما فعلت بجعل أول زيارة له كوزيرة للخارجية إلى آسيا ، لكن كيري لم يفعل الشيء نفسه ، وأوضح أنه يعتزم التركيز على معظم أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة التقليديةوعلى راسها: عملية السلام في الشرق الأوسط ، و هو تقليد قام به العديد من أسلافه الكرام - بدأ من هنري كيسنجر إلى مادلين أولبرايت - ، وبالفعل سلك كيري الطريق إلى القدس بحثا عن الكأس المقدسة للسلام بين اسرائيل والفلسطينيين ، فقام بالكثير من الزيارات إلى المنطقة . ان اختيار كيري لاولوياته يعد امر مستغربا من ناحيتين : أولا اختياره فى الاساس للشرق الأوسط بدلا من اسيا .. ثانيا اختياره التركيز على تثبيت عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين بدلا من التركيز على المشاكل السياسية والإنسانية الاكثر الحاحا الناتجة عن الصراع السوري الذي خلف حتى الان اكثر من 100،000 قتيل ؛ أو الاضطرابات العنيفة في مصر، اوالتوترات الناجمة عن البرنامج النووي الإيراني .. وفي الواقع، كما شهدنا طوال العام الماضى ، أصبح كيري مشاركا بعمق في كل هذه القضايا، مع الحفاظ فى الوقت ذاته على الضغط على الاسرائيليين والفلسطينيين. ومع كل هذا الوقت والاهتمام الذي سكب في معين محور الشرق الأوسط، كان على الرئيس أوباما ان يبذل جهدا أكبر ازاء محور إلى آسيا ، و بالفعل جاءت لحظة رمزية في اكتوبر الماضى و لكن الرئيس خلف وعده بحضور القمة التعاون الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادئ. وفي غياب الرئيس الأمريكي، كان وجود شى جين بينج الرئيس الجديد للصين، هو المهيمن على القمة. لقد كان الاغلاق الجزئى للحكومة الامريكية نتيجة تجميد الكونجرس لميزانية الولاياتالمتحدة هو ما أقنع أوباما بأنه لا يستطيع أن يترك واشنطن فى هذا الوقت..ولكن الرسالة التي تم نقلها لآسيا أن محور أميركا - اسيا قد انته قبل ان يبدأ فعلا. الغريب انه مع انتقاد إدارة أوباما بشان آسيا ، و لعودة تمحور السياسية الخارجية تجاه الشرق الأوسط، كان هناك العديد من صانعي السياسات في المنطقة نفسها قد وصل لهم استنتاج معاكس ، وقرروا أن الولاياتالمتحدة عازمة على الانسحاب من الشرق الأوسط ، خاصة مع انسحاب الولاياتالمتحدة من العراقوأفغانستان وهو مما لا شك فيه يخفيض البصمة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط الكبير. وفي الوقت نفسه، الموقف الامريكى من القضايا السورية والإيرانية قد زاد من شكوك أولئك الذين يشكون في وجود ضعف بالالتزام الأميركي إلى المنطقة. السعوديون والإسرائيليون يقولون إن الحرص الأمريكي على التوصل إلى اتفاق مع إيران، يشير ببساطة إلى وجود رغبة لغسل يديها من القضية النووية. وبالمثل فُر التردد الأمريكي على استخدام القوة في سوريا على انه ضعف.. والجزء الاخير من "الأدلة" أن أمريكا قد تميل إلى الانسحاب من الشرق الأوسط هو الارتفاع الكبير في إنتاج النفط والغاز في الولاياتالمتحدة. المسؤولون في إدارة أوباما يقولون إن كل هذا الحديث عن "الانسحاب" من الشرق الأوسط أمر سخيف - المسالة انها خطوة للخلف - فمازال 40،000 جندي امريكى في العراق وهناك حرب أخرى في أفغانستان "وبكل المقاييس العادية، نحن منخرطون بعمق ". وما بين هؤلاء الذين يقولون ان أمريكا تشارك في الشرق الأوسط ، وأولئك الذين يقولون أنها تتراجع بسرعة كبيرة، هناك من يؤكد على عمق استمرار انخراط الولاياتالمتحدة و انها على أرض أكثر ثباتا بدليل المفاوضات النووية مع إيران، و التركيز على السلام الإسرائيلي الفلسطيني، والشؤون الداخلية لمصر أو الأمن في الخليج، لذا مازالت الولاياتالمتحدة مغروسة حتى المرفقين في قضايا الشرق الأوسط. و يختتم جيدون روتشمان مقاله ، بالتاكيد على ان اصحاب البصيرة فى الولاياتالمتحدة ، هم الذين يحثون على ضرورة إعادة التوازن للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه آسيا .. فابالحسابات و الارقام تضم شرق وجنوب آسيا معا أكثر من نصف سكان العالم، وهم صلب الاقتصاد العالمي، و السلطة السياسية والاستراتيجية تتدفق أيضا إلى الصين والهند وجيرانهم. لذلك يبقى غريبا بالنسبة لصانعي السياسة الأمريكية ان يشغلوا 90 % من وقتهم في القلق بشأن الشرق الأوسط و هى المنطقة التي يبلغ عدد سكانها، بما فيها إيران وتركيا، حوالي ثلث سكان الصين فقط .. لقد ان الوقت للالتفات لشرق آسيا وبحث مشاكلها خاصة و ان اليابانوالصين هما أقرب الان إلى الصراع مما كانا عليه قبل سنوات عديدة ، و يجب الالتفات لهذين العملاقين خلال العام المقبل، و لقد حان الوقت ليأسف المسؤولون الامريكيون لحقيقة تمحور سياستهم الخارجية خلال عام 2013 حول الشرق الأوسط.