دق الملتقى العلمي الثالث ناقوس الخطر حول المصير الذي يتهدد شجرة أركان، تلك الشجرة الساحرة التي لا تنمو سوى بالجنوب الشرقي للمغرب ولها فوائد عديدة، وذلك بعدما أكدت الأبحاث والدراسات تراجع المساحات الخاصة لزراعة الشجرة بحوالي600 هكتار سنويا. وأشرف على تنظيم الملتقى '' مؤسسة محمد السادس للبحث وحفظ شجرة أركان'' بالتعاون مع مختبرات (بير فابر) بالمغرب، مؤخرا بمدينة أكادير بالمغرب. وأكد باحثون أن شجرة أركان كانت منتشرة على مساحة 1.400.000هكتار قبل عقود قريبة فقط، لتتراجع إلى 828 ألف هكتار حاليا، كما تراجعت الكثافة من 100 شجرة إلى 30 شجرة في هكتارالواحد. وخلال الملتقى تم تلخيص أسباب هذا التراجع في عوامل بيئية كالتصحر والجفاف، إلى جانب عوامل بشرية كتزايد نسبة التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، يضاف إلى ذلك تنامي وتيرة الهجرة القروية نحو المدن وإهمال المسئولين الشجرة وعدم تركيزهم على وضع مخططات لإنقاذها رغم الأخطار المحدقة بها. أركان..إرث المغاربة الشجرة التي جعلت منها منظمة اليونسكو ''إرثا غابويا للإنسانية''، وأعلنتها محمية طبيعية، لها خصائص فريدة جعلت من سكان الجنوب المغربي يعطونها مكانة خاصة، فهي تلعب دورا كبيرا في حياتهم المعيشية والصحية، ولا غرابة في ذلك، فغابة الأركان تشكل ما نسبته 71% من الغطاء النباتي بمنطقة سوس بالمغرب. وشجرة ''الأركان''، هي من فصيلة الأشجار الصنوبرية، وتعيش لمدة قرون، لها جذع قصير على شكل لولبي، ذات فروع كثيفة ووارفة، وأوراق على شكل ملعقة، تزهر أزهارا بيضاء. وقبل موسم الجني تصدر القبائل قرارا بإغلاق غابة الأركان في وجه الماشية، وتسعى كل أسرة للحفاظ على أشجارها حتى لا تتعرض الثمار التي نضجت وسقطت على الأرض للتلف؛ وهو ما يسمي محليا ب''أكدال''، بينما يعرف الحراس الذين يتم تعيينهم للحراسة ب''أمغاليس''. وخلال موسم الصيف، يتحد الفلاحون ويشرعون بشكل جماعي في جني الثمار وهم ينشدون الأغاني والأهازيج الشعبية التي تعبر عن حب الشجرة، ويحمدون الله على فوائدها الكثيرة التي تجعل منها نعمة خاصة بالمغرب ولا يوجد لها نظير على ظهر الكوكب. بعد جني الثمرة تترك لتجف على أسطح المنازل والمساحات الواسعة أمام البيوت، لتجتمع النساء والفتيات بعدها لفصل النوى عن القشور، وهن يرددن كذلك الأهازيج الشعبية المؤثرة. ويؤكد القرويون أن قشور الأركان تساهم بشكل فعال في الرفع من كمية الحليب في أضرع الماشية، كما تشجع على توالدها بكثرة. فوائد صحية جمة وبالنسبة للنوى فيعصر بطرق تقليدية ويستخرج منه زيت ''أركان'' الذي يستعمله السكان للطهي، وكذلك للبشرة، وفي علاج بعض الأمراض الجلدية. ومع تطور البحث العلمي وتهافت الخبراء والأوروبيون بشكل خاص على المنطقة، تبين أن للأركان فوائد صحية لا حصر لها، فهي تنشط الدورة الدموية وتحد من أمراض القلب، وتعمل على خفض نسبة الكولسترول في الدم. كما أن الحوامض الدهنية الموجودة في ''أركان'' تفوق بكثير نظيرتها الموجودة في حليب الأبقار أو تلك التي توجد في اللحوم والأسماك؛ وهذا ما جعل بعض الأطباء ينصحون بجعلها غذاء للرضع و الأطفال. ولشجرة أركان قوة هائلة على مقاومة الجفاف، كما تساهم مساهمة فعالة في مقاومة زحف الرمال، وذلك لكون جذورها ممتدة في أعماق الأرض، وهذا يجعل منها خزانا مائيا صغيرا تستفيد منه لتكريس مقاومة الظروف البيئية القاسية. إصرار إسرائيلي فوائد هذه الشجرة صحيا وغذائيا، جعلت الأطماع الإسرائيلية تتجاوز فلسطين والمشرق العربي لتصل إلى المغرب، حيث حذرت تقارير الخبراء المغاربة من وجود سعي إسرائيلي حثيث لاستنبات ''أركان'' بفلسطينالمحتلة. وبحسب التقارير ذاتها، فإن ''تل أبيب'' استطاعت الحصول بمساعدة أطراف وروبية على أبحاث مغربية وأجنبية تظهر وسائل علمية جديدة لإعادة استنبات الشجرة وتقوية كثافتها. وقد دفعت مثل هذه الأنباء الخبراء إلى مطالبة المسؤولين بتسجيل ''أركان'' في جنيف ك''ملكية مغربية خالصة''، حيث تنامت التخوفات من أن تدعي إسرائيل ملكيتها. وليست إسرائيل وحدها من أبدى اهتمامها بالنبتة المغربية، بل تهافتت الشركات الأوروبية ومؤسسات الصيدلة ومستحضرات التجميل على استيرادها، واستخلاص المواد العلاجية والتجميلية من زيتها الغني بالدهون الفعالة. مشاريع ''صيانة'' المخاطر الحقيقية التي تهدد الشجرة بالانقراض دفعت أبناء المنطقة والخبراء المغاربة المهتمين إلى شن حملة إعلامية واسعة أسفرت عن عقد عدة اتفاقيات شراكة بين الدولة المغربية وشركائها الأوروبيين بشكل خاص من جهة، وأسر منطقة سوس ومؤسساتها المدنية من جهة أخرى، بهدف حماية ''أركان'' وتحصينها ضد التهديدات. وتعتمد كل الاتفاقيات الموقعة بهذا الشأن ''مقاربة تشاركية''، تقدم بموجبها المؤسسات الأوروبية المعنية والحكومة المغربية دعما ماليا مقابل تكريس اهتمام نساء الجهة ورجالها ب''أركان'' والحفاظ على نمط إنتاجها والاعتناء بها. ويعتبر المتتبعون للموضوع مشروع الاتحاد الأوروبي لتطوير شجرة الأركان أحد أهم المشاريع في هذا السياق، حيث تجاوزت الميزانية المخصصة له 120 مليون درهم (960 مليون دولار أمريكي). وركز المشروع على النساء لكونهن الركيزة الأساسية التي يقوم عليها المشروع لكونهن يتكفلن بأغلب عمليات جني الثمرة وفصل نواتها عن قشرتها. وبلغ عدد المستفيدات 2000 امرأة، فيما يطمح مشروع أركان إلى بلوغ 4500 امرأة مستفيدة في أفق عام .2008 وتنخرط في المشروع 42 تعاونية، تجمعت في أربع وحدات. وتوجت هذه العملية بتأسيس جمعية وطنية للتعاونيات المنخرطة في المشروع، وتعتبر هذه الجمعية حاليا هي أول جمعية مهنية في المغرب لنساء قرويات صاحبات مشاريع اقتصادية. احتضان رسمي وإلى جانب هذا المشروع، تم تأسيس شبكة الجمعيات العاملة بالمحيط الحيوي لأركان، التي جعلت من الاهتمام بتلك الشجرة والرفع من نسبة إنتاجها ونموها محور عملها. وكانت ''مؤسسة محمد السادس للبحث وإنقاذ شجرة أركان'' قد أنشئت عام ,2004 على يد أندريه أزولاي المستشار الخاص للملك الذي يرأس المؤسسة الآن، والذي أكد خلال الإعلان عن تدشين المؤسسة أن حملها لاسم محمد السادس يكسبها دعما معنويا وذاتيا وسياسيا ومؤسسيا، مضيفا أن عملها سيتركز حول إعادة الاعتبار للشجرة النادرة، ورفع كل العراقيل التي تقف أمام تطويرها وتحسين إنتاجها، إلى جانب دعم البحوث العلمية التي تسعى لاكتشاف الفوائد الجمة لها. غير أن الملاحظين يؤكدون أن عمل المؤسسات الرسمية يبقى ثانويا وموجها للاستهلاك الإعلامي، عكس مشاريع التعاون الأوروبية التي نجحت في إقناع سكان منطقة سوس بالعمل معها على تطوير النبتة وصيانتها. يذكر أن زيت أركان لا يستفيد منه سكان المغرب كله لندرته وغلاء ثمنه، ويبقى حكرا على أبناء المنطقة والأجانب الذين يستوردونه. وتنمو الشجرة بشكل بطيء جدا، حيث تحتاج لحوالي مائة سنة تقريبا لكي يبلغ طولها مترا ونصف المتر فقط. وهذا جعل الخبراء يدعون إلى تشبيب الغطاء الغابوي بالمناطق التي لحقتها الشيخوخة وانخفضت بالتالي مردوديتها الإنتاجية. وتتم عملية التشبيب من خلال قطع الأشجار بقصد تمكينها من عملية التجديد الذاتي لأنسجتها. وينتج المغرب سنويا حوالي 5000 طن من زيت أركان، بحسب إحصاءات رسمية. لكن الخبراء يؤكدون أن هذا الرقم لا يعكس الحقيقة ألبتة، بالنظر إلى أن هناك كميات هائلة يتم ترويجها عبر وسائل التجارة التقليدية، فيما يتم تهريب كميات أخرى بعيدا عن أعين الرقابة. ويستفيد حوالي ثلاثة ملايين من سكان جنوب المغرب من الشجرة، إذ تشكل المورد الأبرز للدخل المادي بالنسبة لهم.