نقلا عن الاهرام9/10/07 تقوم القاعدة الشرعية لتحديد مطالع الشهور العربية علي امكانية الرؤية بالعين المجردة دون اية مساعدة تكنولوجية مثل التلسكوبات أو الحاسبات أو الاقمار الصناعية. وتنطبق هذه الرؤية علي البلدان التي تشترك في جزء من الليل( أو النهار) ومما يعني انها تنطبق علي معظم بلدان العالم باستثناءات محدودة كالأماكن شبه القطبية والنائية. وينبغي ألا تتم هذه الرؤية الا في اليوم التاسع والعشرين من الشهر( اي بالحساب) وفي حالة تعذر الرؤية يتم استكمال عدة الشهر ثلاثين يوما دون الحاجة إلي معاودة الرؤية( أي بالاعتماد علي الحساب أيضا). وهذا يعني ان الحساب هو الأساس وان الرؤية هي مجرد اجراء عملي لتيسير التعرف علي حلول الشهر في جميع الظروف والامكانيات المتاحة. اختلافات التطبيق: يذهب البعض في التطبيق إلي الاعتماد علي شهود عدول عاديين لا يشترط فيهم التخصص فقهيا أو علميا, بينما يصر البعض علي ان يكون الشهود من المتخصصين. كما يذهب البعض الآخر إلي إمكانية الاعتماد المطلق علي الحسابات العلمية الفلكية التي بلغت تقنيا درجة عالية من الدقة والاحكام, ويعد هذا المجال حاليا المثل الأعلي الذي يطمح إليه كل المجالات العلمية والتكنولوجية, فقد نجحت في التنبؤ المحكم بحركة الكواكب, توقيت واماكن كسوف الشمس وخسوف القمر.... كما يعتمد عليها في ارسال واستعادة المركبات ورجال الفضاء. ويرفض البعض الثالث الاعتماد علي الحسابات الفلكية باعتبارها خروجا عن القاعدة الشرعية التي تستوجب الرؤية البصرية وانها قد تخطيء في بعض الأحيان, ويبدو أن هذا الخلط يرجع إلي الربط بين علم الفلك ويعد حاليا أرقي علوم العصر الحديث علي الإطلاق, وحسابات الابراج والتنجيم وهي لا علاقة لها بعلم الفلك. كما ان التنبؤ بحركة الكواكب في علم الفلك يتم بناء علي رؤي او مشاهدات علمية متواترة وهي مدي طويل وبدعم ارقي التقنيات المستحدثة. وإذا كانت هناك تصويبات تحدث من آن لآخر في هذه الحسابات العلمية فهي تقع في اجزاء ضئيلة للغاية من الثانية وبموجب أساليب تقنية أكثر تطورا ومراجعات أكثر احكاما, ولا تتم مراجعة هذه الحسابات العلمية لمجرد ملاحظات عابرة لا تستوفي شروط المشاهدة العلمية في الاعتداد بها. وكذلك يذهب البعض إلي ان الحسابات العلمية ينبغي ان تأخذ في اعتبارها القاعدة الشرعية بامكانية الرؤية بالعين المجردة مما يعني اول لحظة يمكن فيها رؤية الهلال بالعين المجردة, وهو ما يحدث بعد مفارقة الاقتران بين الشمس والقمر( المحاق) وولادة الهلال بعد غروب الشمس بسبع دقائق علي الاقل, ولا يمكن رؤيته قبل ذلك بسبب ظروف اشعة الشفق. وقد انفردت ليبيا بتحديد بداية الشهور العربية في لحظة ولادة الهلال ومفارقة الاقتران بين الشمس والقمر, وهذا يهدر القاعدة الشرعية بامكانية الرؤية بالعين المجردة. كما تعتد بعض الدول برؤية الهلال في البلدان الأخري وبالتحديد السعودية, مقابل الإصرار علي الرؤية المستقلة لكل بلد علي حدة. عشوائية التطبيق: أكثر من مرة يتأجل تحديد بداية شهر ذي الحجة والتي ينتظرها المسلمون لتحديد مواقيت الحج وعيد الأضحي لأكثر من ثلاثة أيام!! ناهيك عن بدعة استطلاع الهلال مرتين في يومي28 و29 وهي مجرد أمثلة للتحديد المفاجيء أو المتأخر وكلها بالمخالفة للحسابات العلمية ومما يعبر عن العشوائية في التطبيق والتي تؤدي إلي الارتباك الشديد في تحديد أيام العمل والاجازات ومناسك الحج وخطط السفر. وذهب البعض( الشيخ الشعراوي رحمه الله) إلي أن مواقيت الصلاة تعتمد علي حسابات الشمس التي يمكن التسليم بدقتها, بينما يعتمد تحديد الأشهر علي حسابات حركة القمر وهي ليست بنفس الدرجة من الدقة, ومع احترامنا واعزازنا لصاحب هذا الرأي إلا أن الحقيقة احب الينا ممن نحب, حيث ان الشمس والأرض والقمر أعضاء في منظومة واحدة هي المجموعة الشمسية وأن التنبؤ بها يتسم بنفس الدرجة من الدقة, بل ربما سبقت تاريخيا حسابات القمر غيرها من الكواكب نظرا لقربه الشديد وسهولة رصده حتي بالوسائل الأقل تقدما من المتاحة حاليا. الترجيح: لا يوجد أي مبرر سواء كان فقهيا أو علميا لاستبعاد الاعتماد علي الحسابات العلمية في تحديد مطالع الأشهر: فمن الناحية الفقهية تتم المحافظة علي القاعدة الشرعية بامكانية رؤية هلال الشهر بالعين المجردة ومن علي سطح الأرض. ومن الناحية العلمية يمكن ترجمة القاعدة الشرعية في أول لحظة مفارقة للاقتران الكامل بين الشمس والقمر( المحاق) وولادة الهلال, علي ان يتم غروبه بعد غروب الشمس بسبع دقائق علي الاقل حتي يمكن استيفاء شرط الرؤية بالعين المجردة. ويلاحظ أن الحسابات العلمية في هذا المجال ليست افتراضية بل جاءت نتيجة لمشاهدات متواترة ومقننة علميا ويتوافر لها المستوي الملائم من الدقة واليقين, وهي ليست موضعا للتصويب أو المراجعة الا في بعض التفاصيل الدقيقة التي لا ترتبط بهذا المجال من التطبيق. وينبغي توحيد مطالع الأشهر العربية بموجب الحسابات العلمية في جميع بلدان العالم. وإذا كانت القاعدة الشرعية تنطبق علي معظم بلدان العالم فإن المناطق النائية والتي لا تنطبق عليها القاعدة الشرعية يمكنها ان تلتزم بنفس التعميم أو التوحيد لأن حساباتها العلمية المستقلة يمكن أن تؤدي الي نتائج غير قابلة للتطبيق عمليا.