في حين تشهد العراق الان زيادة في وتيرة اعمال العنف وتصارع حاد على السلطة- وهما عاملان يثيران المخاوف من أن تنزلق البلاد الى حرب أهلية- نجد في الشمال حيث يقع "إقليم كردستان" وهو اشبه بواحة للسلام والديمقراطية يعززها طفرة اقتصادية كبرى جعلت سكانه قادرين على التمتع بالحكم الذاتى الذى ناله الاقليم فى ظل الدستور العراقي. فعلى عكس الوضع في بقية البلاد، تشهد منطقة الحكم الذاتي الكردستاني هدوء تام واستقرار سياسي واجتماعي، سمح بتوافد الناخبون في بداية هذا الاسبوع الى مراكز الاقتراع لانتخاب برلمانهم الجديد مع أمل في مستقبل أفضل. وسط نسبة مشاركة بلغت 73 % من حوالي 2.8 مليون كردي ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية، في نسختها الرابعة منذ بدء ادارة حكم الاقليم ذاتيا عام 1991. وتأتي العملية الانتخابية لتعزز تطلعات الشعب الكردي الذي يعيش في رخاء ملموس، مقارنة ببقية انحاء العراق، بفضل الثروة النفطية وزيادة الاستثمار الأجنبي، وتشهد المدن الكبرى مثل أربيل والسليمانية نهضة اقتصادية وعمرانية ضخمة حيث يمكن رصدها في ناطحات السحاب التي بدات تنتشر في انحاء المدينتين و تضم فروع الشركات العالمية الكبرى فضلا عن الفنادق الفخمة التى يجرى بنائها حاليا. كما تم اقامة العديد من المطارات وغيرها من التسهيلات لتوفير شبكة نقل داخلية وخارجية تدعم تطور الاقتصاد ونموه المتزايد. والعاصمة "اربيل" يعتبرها الاكراد بمثابة "دبي الجديدة" حيث اصبحت واحدة من أسواق النمو الواعدة في منطقة الشرق الأوسط، ومحط انظار المستثمرين، وبدات سلاسل الفنادق العالمية مثل ماريوت وهيلتون وشيراتون تقيم مشروعاتها الفاخرة من فئة الخمس نجوم في المدينة، كما تم افتتاح العديد من مراكز التسوق على النمط الغربي في أربيل، والتي تضم بضائع من العديد من الماركات العالمية التي دخلت البلاد لأول مرة، بعد تحويل المدينة إلى سوق التسوق الرئيسي للعراقيين الذين اصبحوا يعتبرونها جنة الاستثمار الإقليمية. ويُتوقع ان يحقق اقليم كردستان نموا اقتصاديا قد يصل الى 12% في عام 2013 في حين انه من المتُوقع ان يصل معدل النمو الاجمالى للعراق بنسبة 9% هذا العام. ووفقا لصندوق النقد الدولي فان الفارق في معدل النمو هو فارق الوضع الامني الذي يبقى العامل الرئيسي المؤثر في الاقليم عن باقي مناطق العراق. هناك فوارق كثيرة اخرى بينها ايضا الفساد المالي والاداري حيث يأتي العراق في المرتبة ال169 بين 176 دولة الاكثر فسادا في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية. كذلك فان الاكراد هناك يمثلون وحدة سكانية واحدة في الاقليم، بينما العرب في بقية العراق بينهم صراعات وانقسامات دينية بين السنة والشيعة. علي القرداغي، وهو خبير في الاقتصاد الكردي، يقول ان اقليم كردستان نجح خلال الاعوام الخمسة الماضية في جذب أكثر من 17 مليار دولار امريكى من الاستثمارات الاجنبية، واصبح هناك اكثر من 1900 شركة اجنبية تستثمر بالاقليم معظمها من تركيا وايران ولبنان. وقد تم تشجيع هذه الشركات بشكل رئيسي بإصدار قانون الاستثمار 2006 الذي يسر اجراءات الاستثمار، واعفى الشركات من الضرائب على الواردات والأرباح الخاصة بهم أول 10 سنوات. ويشير قرداغي بانه فرق كبير بين قانون الاستثمار في كردستان يختلف عن نظيره المطبق في بقية انحاء العراق فهو لا يجبر الشركات على تعيين العمالة المحلية، ويسمح لهم بارسال ارباحهم الى بلدهم الام، كما بتملك الأراضي للاستثمار، في حين أن قانون الاستثمار الوطني يسمح فقط بعقود إيجار لمدة تصل إلى 50 عاما يمكن زيادتها. وعلى مدى السنوات 22 الماضية منذ اقامة منطقة الحظر الجوي فوق اراضى الاقليم لمنع دخول قوات الرئيس السابق صدام حسين، شهدت المنطقة الكردية سلام نسبي ونأت بنفسها وعلى نحو متزايد نفسها عن الاعتماد على الحكومة المركزية في بغداد. والسبب الثروة النفطية التى يتمتع بها الاقليم. العراق والتي تشكل عائدات النفط 95% من ميزانيته، كانت قد أعلنت في عام 2010 أن الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام قد بلغ 143 مليار برميل، من بينهم 45 مليار برميل، أي حوالي ثلث إجمالي احتياطيات العراق النفطية يقع فى اراضى كردستان.. و نظير هذا يتلقى الأكراد سنويا 17 في المئة من إجمالي قيمة عائدات تصدير النفط في العراق ، بما في ذلك حصة كردستان فى تمويل المشاريع المركزية، وحصتها من المواد الغذائية الأساسية المدعومة التى توفرها بغداد لسكان الاقليم. فى منتصف هذا الشهر اعلنت رئاسة اقليم كردستان، عن زيادة دخل الفرد إلى خمسة آلاف دولار سنوياً، بعد ان كان 275 دولار قبل عشرة سنوات.. ياتى هذا فيما يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في باقي المناطق التي يسكنها العرب في وسط وجنوب العراق إلى نحو أربعة آلاف دولار فقط. وعلى الرغم من هذا الازدهار والنمو الا ان بين بغداد واربيل صف طويل الأمد من المشاكل والنزاعات ابرزها حول الأرض، التي تشمل مناطق متنازع عليها تمتد على الحدود مع ايران (شرقا) واخرى الى جانب سوريا (غربا).. كذلك هناك نزاع دائم حول تقاسم السلطة والحق في استغلال حقول النفط في منطقة الحكم الذاتي، حيث ترى بغداد ان صفقات النفط التي وقعتها ادارة الاقليم مع شركات النفط الاجنبية غير قانونية لأنها لم تجيزها الحكومة الاتحادية. في حين يرتكز الاكراد على قانونهم المحلى للطاقة الذي سمح لهم بتوقيع عقود اكثر من 50 صفقة مع شركات النفط الأجنبية على مبدا تقاسم الانتاج، والذي يتيح توفير ربح اكبر لشركات النفط الاجنبية من عقود الخدمة التي وقعت في وقت سابق من قبل الحكومة العراقية في بغداد.