السعودية ترحل أكثر من 12 ألف وافد    ليلة المقاومة.. حزب الله يقصف وسط تل أبيب والفصائل الفلسطينية تتوحد في الدفاع    ترتيب الدوري الانجليزي 2024-2025 قبل مباريات اليوم الأحد    الجزائر.. انهيار عمارة بأكملها جنوب غرب البلاد    ميرنا نور الدين تتألق بإطلالة فورمال في أحدث ظهور لها عبر إنستجرام|شاهد    بعد شهرين على وفاتهم.. إسلام جمال يؤدي «عُمرة» للمنتجين الأربعة    الكوب المميت.. الإفراط في شرب الماء كاد ينهي حياة الأم نينا مونرو|ما القصة؟    مقتل ضابط إسرائيلي برتبة لواء متأثرًا بجراحه في لبنان    خبير استرتيجي يكشف لماذا قطع الاحتلال أصبع السنوار بالرغم من تأكيد بصمة الأسنان شخصيته (فيديو)    قتل وقصف..سُعار يصيب الاحتلال الإسرائيلي طوال الليل    الغرف التجارية: لا زيادة في أسعار السلع الغذائية بعد تحريك المحروقات    أمريكا تُحقق في تسريب المعلومات بشأن خطط إسرائيل لمهاجمة إيران    ضبط مسجل خطر لسرقته مشغولات ذهبية بالنزهة    اليوم.. محاكمة 6 متهمين في «خلية الحدائق»    اليوم .. محاكمة اللاعب أحمد ياسر المحمدي بتهمة اغتصاب فتاة في قطر    طائرات الاحتلال تُطلق النار على المناطق الغربية من شمال غزة    متعب والحضرى وشوقى ويونس فى الاستوديو التحليلى لمباراة الأهلى وسيراميكا    تامر عاشور يشدو بأروع أغانيه لليوم الثاني بمهرجان الموسيقى    طارق الدسوقي خلال افتتاح ملتقى المسرح للجامعات: هذه الدورة الأصعب على الإطلاق    تفسير آية | معني قوله تعالي «أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى»    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    نجم بيراميدز السابق يكشف مفاجأة مدوية بشأن موقف رمضان صبحي من العودة للأهلي    كلمة السر في مرض أحمد سعد .. خطر غير مرئى هو السبب    أمريكا: سحب المئات من منتجات الوافل المجمدة بسبب احتمال تلوثها ببكتيريا الليستيريا    بلدية المحلة في مواجهة صعبة أمام المصرية للاتصالات بدوري المحترفين    النقل الذكي تدرس اليوم التسعيرة الجديدة في مصر، ومصدر: الزيادة هتكون كبيرة    فرض ضريبة جديدة على الذهب في مصر.. ما حقيقة الأمر؟    شعبة المخابز تحدد موعد ارتفاع أسعار الخبز السياحي (فيديو)    موعد بداية فصل الشتاء 2024.. وتوقيت فتح وغلق المحلات قبل تطبيق التوقيت الشتوي    الشرطة الألمانية تستخدم الكلاب لتفريق متظاهرين منددين بجرائم الاحتلال    نوة رياح الصليب وأمطار غزيرة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الأحد    هل تذكيري لأصدقائي بتلاوة القرآن وذكر الله عليه أجر؟.. دار الإفتاء تجيب    اللهم آمين | أثر الدعاء للشهداء وأهلهم    أهالي شارع عمر بن الخطاب بمصر الجديدة يستغيثون ويُناشدون وزارة التنمية المحلية    معرض فرانكفورت للكتاب: توزيع جوائز تيك توك بوك للمنطقة الناطقة بالألمانية    أحمد عبد الحليم: مشاركة القندوسي مع سيراميكا أمام الأهلي سلاح ذو حدين    منها الجوع الشديد..تعرف على أعراض مرض السكري عند الأطفال    نقص الفيتامينات والضغط العصبي.. تعرف على أهم أسباب الشيب المبكر    للمسافرين كثيرًا.. كيفية الصلاة في المواصلات ومعرفة اتجاه القبلة |الإفتاء تجيب    غارات جوية للاحتلال تستهدف منطقة المواصي في قطاع غزة    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    الحكومة: استمرار رفع أسعار المواد البترولية حتى نهاية 2025    مصرع شخص وإصابة 20 آخرين في حادث تصادم سيارة برصيف بالفيوم    سعر التفاح والموز البلدي والمستورد بالأسواق اليوم الأحد 20 أكتوبر 2024    يوفنتوس يهزم لاتسيو ويقفز لصدارة الكالتشيو    عبد الرحمن فيصل: بطولة إفريقيا هديتنا للجماهير    موعد مباراة الزمالك وبيراميدز والقنوات الناقلة في كأس السوبر المصري 2024    وزراء دفاع مجموعة السبع يعقدون اجتماعا فى نابولى لبحث تعزيز التعاون الأمنى ودعم أوكرانيا    نشرة الفن.. حقيقة صادمة في سبب انفصال نادين نجيم عن خطيبها وشيرين ترد على اعتذار أحلام بمنشور مفاجئ    حدث بالفن| وفاة والدة فنانة وخالد الصاوي يحذر من حقن التخسيس لهذا السبب    مين فين ؟    نائباً عن السيسي.. وزير الأوقاف يصل إندونيسيا للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإندونيسي الجديد    في تصنيف QS Arab Region.."طنطا"تحتل المركز 78 من بين 246 جامعة مصنفة    جامعة قناة السويس تنظم برنامجاً تدريبياً لطلاب STEM حول تصميم وتنفيذ كوبري مائي متحرك    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    رسالة أسبوع القاهرة للمياه: الماء حق لكل إنسان.. و"سد النهضة" انتهاك للقانون الدولي    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوان السيد: عذابات أحداث صيدا
نشر في أخبار مصر يوم 28 - 06 - 2013

كنت في مقالتي بجريدة "الشرق الأوسط" الأسبوع الماضي قد تحدثت عن عذابات المسلمين في لبنان انطلاقا من أقاصي شرق البقاع في بلدة عرسال التي لا تزال شوكة في عين النظام السوري وعين حزب الله، لأنهم يتهمون سكان البلدة بالوقوف إلى جانب الثورة السورية.
أما حديث هذا الأسبوع عن تلك العذابات، فيتناول أحداث ضاحية عبرا بمدينة صيدا، والمعارك التي دارت بالحي من حول مسجد بلال بن رباح الذي كان يتمترس فيه الشيخ أحمد الأسير مع أنصاره. وقد قيل إن الاشتباك بدأ بهجوم لجماعة الأسير على حاجز للجيش قريب من المسجد قتل فيه عشرة عسكريين. وبعدها دارت اشتباكات عنيفة في الحي كله بين الجيش رسميا وجماعة الأسير، وفعليا مع مسلحي حزب الله وحركة أمل، والذين ما اكتفوا بإطلاق النار على الحي من حارة صيدا المجاورة لعبرا، بل ومن مجدليون، وهي ضاحية مرتفعة يقع فيها منزل النائبة بهية الحريري. وقد استمر القصف لأكثر من أربع وعشرين ساعة، مع نشر الحواجز المسلحة في سائر أنحاء صيدا، وما جلا المسلحون القادمون من حول بيت آل الحريري والطرق المؤدية إليه إلا مغرب يوم الثلاثاء في 24 / 6 بعد أن أعلن الجيش عن استيلائه على "المربع الأمني" للأسير، وقد وجد فيه كميات هائلة من السلاح "والمسلحين الغرباء من التنظيمات المتطرفة"! أما المقتولون من الجيش وجماعة الأسير فيناهزون الثمانين، فضلا عن أكثر من مائة جريح من الطرفين!
لقد كانت التفصيلات ضرورية، ليس بسبب عدد القتلى الكبير فقط، وليس لأن دارة آل الحريري حوصرت، كما ليس لأن وزير الخارجية السوري أعلن أثناء الاشتباكات عن ضرورة الانتصار في عبرا مثل الانتصار في القصير؛ بل لأن "العذابات" التي أتحدث عنها صارت تتخذ نمطا ما عادت العين تخطئه منذ عام 2008. فالمسلمون في لبنان وبعض المسيحيين والشيعة من خصوم سطوة حزب الله على اقتناع قوي بأن الحزب والنظام السوري، وقد استوليا على الوزارات والمؤسسات والمقدرات، صاروا منذ "نجاح" احتلال بيروت عام 2008، يستخدمون القوى العسكرية الرسمية لتغطية غزواتهم، ومحاولاتهم لكسر الاعتراض السني والوطني الباقي والمتنامي على استيلائهم على الدولة والمجتمع، وأخيرا على تدخل الحزب في سوريا. وقد قال قائد الجيش عام 2008، وهو رئيس الجمهورية الحالي إن الجيش لم يتدخل لمنع الحزب من احتلال بيروت خشية انقسامه! أما عملية صيدا؛ فإن الجيش - بحسب قائده الحالي - إنما خاضها للحفاظ على هيبته بعد أن تعرض لاعتداء غادر. وبين الخشية على وحدة الجيش، والخشية على هيبته، وقع الاعتراض السني والوطني على حزب الله في تأزم ينتهي دائما بالقتل وإن تنوعت الأسباب.
بدأ الشيخ الأسير، إمام مسجد بلال بن رباح بمنطقة عبرا بصيدا، حركته الاحتجاجية على حزب الله بخطابات شعواء في المسجد، ثم بسد الطرقات بالمدينة. وأصر نائبا المدينة بهية الحريري وفؤاد السنيورة قبل عامين على أن هذه الطريقة في الاعتراض تسيء إلى أهل المدينة في عيشهم وتنقلاتهم، وترفع منسوب التوتر الطائفي والمذهبي. وأجابهما الأسير ساخرا من طريقتهما وسعد الحريري في الاعتراض، والنتائج الهزيلة والهزائم التي أدت إليها. وبعد أن تنقل مع أنصاره بين صيدا وبيروت وطرابلس والبقاع، وحصل على شعبية كبيرة لدى عوام الناس المنزعجين من استيلاء الحزب على شوارعهم ومؤسساتهم بما في ذلك رئاسة الحكومة، تقدم درجة نحو الصدام عندما تعرض بالنزع لشعارات دينية رفعها الحزب في إحدى المناسبات الشعائرية. وأجاب الحزب على التحدي بقتل اثنين من مرافقي الأسير في حملة النزع من دون أن يتعرض أحد من القتلة للمساءلة. وما تراجع الأسير ولا خاف، بل بدأ بجمع السلاح والمسلحين، بحجة أن حزب الله يملك تنظيما مسلحا بالمدينة هو "سرايا المقاومة"، كما يملك شققا في بنايات فيها هي مراكز أمنية مسلحة. وعندما تدخل الحزب في الحرب السورية، ازداد هياج الشيخ الأسير، مثلما ازداد هياج المعترضين المسلحين في طرابلس، ودعوا جميعا للتطوع والقتال إلى جانب الثورة السورية. وقد ظهر الأسير في إحدى المرات أثناء حرب القصير في صورة بالبلدة أو على مقربة منها. وبعد سقوط القصير أصر الأسير على إزالة مركز أو مراكز حزب الله بالمدينة. وقد حدثت وساطات بعد أن كاد الاشتباك يحدث في الأسبوع الماضي، بحيث وعد الأسير بخروج الحزب من الشقق. لكن الاشتباك حصل قبل موعد الإزالة بيوم واحد، وقام به الجيش بمساعدة الحزب ومشاركته، والدافع المباشر: اعتداء أنصار الأسير على حاجز للجيش، كما سبق القول. لكن نيران الحزب وحركة أمل الكثيفة وعلى مدى ساعات متطاولة، تشعر بأن الأمر دبر بليل، وينبغي التحقيق بالفعل في حقيقة التعرض لحاجز الجيش.
لقد تكررت هذه الظاهرة، وتنقلت، بين طرابلس، وعكار، وعرسال، والبقاع الأوسط، ومجدل عنجر، والمصنع على طريق الشام: ينطلق الغضب السني من الحزب في صورة اعتصامات وسد طرق، وظهور مسلحين. وتظهر وتتفاقم حملات إعلامية على التطرف السني، وعلى "القاعدة" في أوساط السنة، وأخيرا على التكفيريين بحسب تعبير حسن نصر الله، ويتدخل الجيش لفتح الطريق، أو لملاحقة هذا "المتطرف" أو ذاك، ويسقط القتلى والجرحى، ويقاد العشرات للتحقيق، وينصرف سياسيونا وفي طليعتهم سياسيو "تيار المستقبل" لإظهار ولائهم للجيش وفكرة الدولة، وينعون شهداء الجيش، أما الضحايا الآخرون فلا ناعي لهم. هكذا حدث في مقتل الشيخين بعكار، وفي قتل العشرين فتى الذين أرادوا الذهاب لمساعدة الثورة في سوريا، وفي غارة الجيش على عرسال وقتل رجل في ساحة البلدة أثناء صلاة الجمعة، والأسبوع الماضي في بلدة مجدل عنجر، وأول من أمس في مذبحة صيدا. وهذا كله فضلا عن سقوط أكثر من مائتي قتيل في اشتباكات طرابلس/ بعل محسن بحضور الجيش، ومن دون أن يسأل أحد عن قاتل أو قتيل!
قبل يومين، اتصل بي ضابط كبير سابق، مهتم بالشؤون الاستراتيجية، للسؤال عن مراجع لبعض المسائل التاريخية الخاصة بالمزارات الشيعية لآل البيت، وللأولياء عند الشيعة والسنة. ولأن أحداث صيدا الهائلة كانت دائرة، فقد سألني عن رأيي، فذكرت له رؤيتي للنمط السائد منذ عام 2008: إما أن تصفوهم أو نفعل نحن، وينتهي الأمر دائما بالتصفية المنسقة. وقد اعترض الرجل بدءا على وصف الأمر بأنه نمط سائد، ويجري دائما الإعداد له بنفس الطريقة، لكنه كان قد سمع مثلي تصريح وزير الخارجية السوري عن ضرورة الحسم في صيدا مثل القصير، فتوقف عن الحديث عن "ظواهر" التطرف والفوضى عند السنة، وقال: إن الجيش يتدخل عادة لسببين؛ الأول منع تكون مربعات أمنية وبؤر أمنية جديدة، والثاني: الحيلولة دون الاحتكاك المسلح بين الشبان السنة والمسلحين الشيعة، خشية اندلاع حرب أهلية حقيقية بين الطرفين في سائر المناطق. وتابع: ستسألني عن مربعات الحزب الأمنية، واستخدامه للطرق الرسمية في إرسال آلاف المسلحين إلى سورية لمساعدة الأسد، ونشره "لسرايا المقاومة" في كل القرى والبلدات السنية ومنها بيروت، وأنا أقول لك: ما باليد حيلة، فالعين بصيرة واليد قصيرة!
العقل يقول إن طرائق هذا الاعتراض غير مجدية، وهي مضرة بالسنة أكثر من إضرارها بالحزب وميليشياته. لكن الغضب لا حدود له، والاستنزاف الدموي والسياسي والاجتماعي لا حدود له. ولا مخرج إلا بسقوط هذا النظام القرمطي في سوريا ولبنان.
نقلا عن جريدة الشرق الأوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.