من المرجح ان يحل اليوم في دمشق المبعوث الفرنسي السفير جان كلود كوسران في مستهل جولة جديدة تقوده الى دول في المنطقة بينها لبنان ومصر والسعودية في اطار مهمته للعمل على تسهيل الاستحقاق الرئاسي اللبناني. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة المعلقة على اللقاءات التي سيعقدها في الرياض والقاهرة وبيروت، فإن اختيار العاصمة السورية نقطة انطلاق لجولته يترجم مدى الانشغال بالدور السوري وتأثيره المباشر وغير المباشر على عملية انتخاب رئيس لبناني جديد. ولهذا تأتي زيارة اليوم لتعيد التذكير بالجدل الذي ساد حينذاك على خلفية استثناء دمشق من برنامج زيارات المبعوث الفرنسي لعواصم اقليمية ودولية عديدة ذات صلة بالوضع اللبناني. وكانت الردود الرسمية الفرنسية تتراوح بين القول ان الوقت لم يحن لاجراء اتصالات مع دمشق على مستوى عال والتهرب من اعطاء اجابة واضحة. لكن الأمر لم يكن يحتاج في الحقيقة الى تنجيم في الغيب واسبابه واضحة ويمكن حصرها في ثلاثة: - الأول، ان باريس لم تكن قد اتخذت القرار بتغيير سياستها القائمة على مقاطعة دمشق منذ عملية اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري. - الثاني هو، ان فرنسا ترفض الاعتراف بدور سوري في لبنان. - والثالث هو، ان فرنسا تحاول ان تحل اشكالية التأثير السوري في لبنان من خلال القناتين العربية والايرانية، وكانت تعتمد على جامعة الدول العربية والسعودية وقطر وايران،من اجل الحصول على ضمانات من سوريا بعدم التدخل في لبنان. وعلى الرغم من اجلاء غموض كثير على خط باريس دمشق فإن مهمة كوسران الثانية في دمشق ليست اقل صعوبة وتعقيدا منها عن المرة الأولى فهي تأتي وسط تجاذب قوي وعدم وضوح في الرؤية، وما خفي من اوراق اللعبة اكثر مما هو ظاهر ومكشوف. ومن أجل فك طلاسم هذا الغموض يجدر تتبع مسار خطين أساسيين متوازيين لا يلتقيان: - الأول هو، ان ايفاد كوسران إلى دمشق يأتي في اطار “تمرير رسائل” الى السلطات السورية و”ليس حوارا”، على حد تعبير الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل أيام في مراكش، والذي قال ان باريس تستخدم من اجل ذلك “القنوات المباشرة وغير المباشرة”. وذكرت مصادر رسمية فرنسية ان فحوى الرسالة التي يحملها المبعوث الفرنسي هو “لايمكن ان يجري حوار بين باريس ودمشق قبل انتخاب رئيس لبناني جديد ضمن المهلة الدستورية، ووفق الدستور وبعد توقف الارهاب. فإذا تحققت هذه الغاية بسلام، تنفتح الآفاق امام حوار تطبيعي بين الجانبين”. - والخط الثاني هو،= مهاتفة وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير نظيره السوري وليد المعلم عشية جولة كوسران، وللمرة الثانية خلال اسبوع. في المرة الأولى سارع المعلم الى اعلان النبأ، وقال انه اتفق مع كوشنير على لقاء في الثاني من الشهر القادم في اسطنبول، على هامش المؤتمر الخاص بجوار العراق. وحاولت اوساط وزارة الخارجية الفرنسية ان تنفي ذلك،= وهناك من قلل من أهمية المكالمة،= واعتبرها بمثابة “تذكير” لسوريا بعدم التدخل في لبنان. بعيدا عن التردد والتحفظ الرسمي في باريس، ترى المصادر أن هناك محاولات جادة من فرنسا لفتح صفحة جديدة مع سوريا إلا ان المسعى يصطدم بعدة عقبات والعقبة ان باريس تريد ان تكون البداية من لبنان وأن تذهب في علاقة تطبيع تدريجي يعتمد سياسة الخطوة خطوة لأنها غير مطمئنة لحسابات سوريا في لبنان. على عكس دمشق التي تريد ان يكون التفاهم شاملا على ان يكون لبنان أحد الملفات الاساسية. وفي حين ان فرنسا تطلب من دمشق كف يدها، فإن الأخيرة تصر على أخذ دورها في لبنان في عين الاعتبار. وعلى صعيد الاطمئنان ترد دمشق الكرة في الاتجاه المعاكس، وما تطلبه في هذا المجال هو ألاّ تستهدفها المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين باغتيال رفيق الحريري، وقد كان ساركوزي واضحا على هذا الصعيد حين قال، ان باريس لا تهدف الى تقويض النظام السوري، لكنه طلب من سوريا تعهدا بتقديم من يظهرهم التحقيق على علاقة باغتيال الحريري الى القضاء الدولي، ووضع حد للاغتيالات السياسية في لبنان، وعلى الرغم من انه استدرك وقال إنه لا يتهم احدا، فإن الشق الأول من الرسالة لايحتاج الى مزيد من التوضيحات. ستكون جولة كوسران فاتحة تحرك اقليمي ودولي من حول لبنان، في الوقت الذي يقترب فيه الموقف اللبناني الداخلي من اللحظة الحرجة.