62 عاما هي عمر قانون الصحة النفسية في مصر, الأمر الذي اقتضي ضرورة إدخال تعديلات عليه مازالت تراوح مكانها منذ عام1973 لكنها أخذت دفعة الي الأمام بعد عقد الاجتماع الأول للجنة العليا للصحة النفسية وما دعا إليه المختصون من وضع قواعد ممارسة تمهد لمشروع جديد في هذا الصدد تعتمد أحدث نظم العلاج ومنها انتقال فرق طبية الي المرضي النفسيين في منازلهم وإنشاء مجلس قومي للصحة النفسية وإدخال خدمات الصحة النفسية ضمن خدمات الصحة الأساسية. فهل تسهم التعديلات المطروحة في حل مشكلات الصحة النفسية بمصر؟ وماصدي الدعوة لدعم تكاليف علاج هؤلاء المرضي, وتحقيق اللامركزية في خدمات الصحة النفسية بجميع المحافظات؟ في البداية يؤكد الدكتور عبدالرحمن شاهين المستشار الإعلامي لوزارة الصحة والسكان وعضو اللجنة العليا للصحة النفسية أنه انطلاقا من دعم وزارة الصحة لهؤلاء المرضي تم عقد الاجتماع الأول للجنة العليا للصحة النفسية بكامل أعضائها للمشاركة في وضع السياسات التي تؤكد حقوق المريض النفسي في العلاج. ويضيف أن مشروع تعديل قوانين الصحة النفسية سوف يتلاءم مع القوانين الدولية المعمول بها في هذا المجال وأنه من المنتظر إدخال خدمات الصحة النفسية ضمن خدمات الصحة الأساسية وتحديث معايير الدخول الإجباري ووضع معايير للحجز الإلزامي للمريض وأن يكون هناك ممثلون للمرضي في مجلس المراقبة وإنشاء مجالس مراقبة بالمحافظات المختلفة لضمان سهولة الاجراءات والمتابعة. ومن جهته, يقول الدكتور أحمد المسيري استشاري الأمراض العصبية والنفسية بانجلترا. إن القانون المعمول به حاليا صدر منذ62 عاما, وخلال هذه الأعوام تطور منظور الطب النفسي وحدثت طفرة علمية في هذا المجال, مما جعل هذا القانون لا يتمشي مع الاتجاهات العلمية الحديثة أو المبادئ الجديدة التي أقرتها المفوضية العليا لحقوق الإنسان, وإن كان القانون وهو برقم141 لا يتعارض مع كثير من المبادئ الجديدة, لكنه يتناولها من منظور قديم, لهذا أصبح شبه منسي في الممارسة العامة للطب النفسي إلا في حالات المذنبين من المرضي العقليين, لذا فمن الملح تطوير هذا القانون أو تغيره, وقد سبق أن تم عرض مشروع قانون جديد سنة1973 لكنه لم يمرر من مجلس الشعب من حينها. دراسة تحليلية : من جهته, قام الدكتور أحمد المسيري مع فريق عمل مصري وبريطاني بدراسة تحليلية شملت القانون141 تحت اشراف الدكتور أحمد فتحي سرور من سنة2001 الي2003 وبناء علي توصيات هذه الدراسة تطلب اعادة النظر في وضع قاعدة ممارسة تمهد لمشروع قانون جديد وأخذت الأمانة العامة للصحة العقلية هذا علي عاتقها وبدأ مشروع العمل ووضعت قاعدة الممارسة والمشروع المبدئي للقانون الجديد وروح هذا القانون مبنية علي مبادئ حقوق الإنسان وحقوق المريض النفسي في العلاج والتأهيل دون أي تميز مع وضع التدبيرات الاحترازية اللازمة التي في الوقت ذاته تحافظ علي المجتمع لذا فهذا القانون يقدم حلولا للمعادلة الصعبة التي نواجهها في هذا المجال وهي حماية حقوق وأمان المريض والمجتمع معا. كما يوضح مشروع القانون الجديد وقاعدة ممارسته المعايير المهنية المطلوبة في مجال خدمات الصحة العقلية والتزامات القائمين بالعمل في هذا المجال, مما يحد من أي انحراف مهني ويضع عقوبات رادعة للذين يسيئون استخدام دورهم المهني, مع توفير بيئة علاجية أقل تقيدا للحرية. ويعدد الدكتور أحمد المسيري المشكلات التي قد تواجه مشروع القانون الجديد, ومنها تداخل أدوار السلطات القضائية والتنفيذية ولكي ينجح تنفيذ هذا القانون من الناحية العملية يجب أن تتكاتف هذه الهيئات وتعمل سويا!! كما أن قاعدة الممارسة لمشروع القانون الجديد تتبني أدوارا جديدة ومركزية للخدمة الاجتماعية بجانب دور الأطباء. أما المشكلة الثانية فهي أن الأمراض النفسية والعقلية منتشرة ففي دراسة مصرية ميدانية سنة2004 شملت خمس محافظات وجد أن نحو17% من الراشدين يعانون اضطرابات نفسية أو عقلية ولكن شدة هذه الأمراض تتراوح طبقا لاحصائيات الأممالمتحدة فإن عدد سكان مصر نحو75 مليون نسمة, لذا فمن المتوقع أن هناك نحو ثلاثة ملايين مريض عقلي, لذلك يجب تطوير الخدمات الطبية في مجال الصحة العقلية والاتجاه الي زيادة الخدمات في المناطق غير المركزية مما يتطلب إنشاء خدمات أو مستشفيات أخري وتوزيع عدد الأسرة في المستشفيات العاملة حيث تمتلك مصر6540 سريرا للأمراض العقلية بمستشفيات وزارة الصحة لكنهم يتركزون في القاهرة الكبري وبعض المدن الكبري فقط. الفرق لا العزل : من ناحيته يقول الدكتور ناصر لوزة أمين عام الصحة النفسية: في ظل التطور الدوائي واكتشاف العلاجات الحديثة لبعض الأمراض التي كان لا يعتقد في الشفاء منها سابقا, كان لابد من تعديل القانون الذي يسلب المرضي النفسيين كثيرا من حقوقهم ويمنعهم من استئناف حياتهم ويعطي المستشفي والطبيب الحرية المطلقة في حجز المريض لفترات مفتوحة, حيث إن فكرة عزل المرضي النفسيين فكرة غير مصرية وتحتاج الي تفعيل عدة عناصر منها الإدارة الجيدة للمستشفيات مع التدريب المتواصل للأطباء والتمريض ورعاية حقوق المرضي النفسيين. وتري الدكتورة عفاف حامد استشاري الأمراض النفسية والعصبية بكلية طب عين شمس أن أفضل طرق العلاج هي مراكز التأهيل حسب الحالة ومراكز العلاج النهاري وفيها يعيش المريض طوال اليوم ويعود لعمله أو منزله, أما أحدث نظم العلاج وأفضلها فهي تكوين فرق طبية مكونة من طبيب وممرضة واخصائي ينتقلون الي المرضي النفسيين في منازلهم لعلاجهم وتثقيف صحي نفسي للأسرة وهذا الأسلوب يسمي الطبيب النفسي المجتمعي وقد يكلف الدولة أعباء وأدوية قد تكون أكثر من تكلفة وجود المريض بالمستشفي. لجنة.. ومجلس : ويقترح الدكتور فكري عبدالعزيز استشاري الطب النفسي والأعصاب وعضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية تكوين لجنة طبية مكونة من الجمعية المصرية للطب النفسي, والجمعية المصرية للصحة النفسية بالتعاون مع الأمانة العامة للصحة النفسية بهدف عقد لقاءات لتصميم نموذج مصري يحتذي به في العمل مع المرضي النفسيين. وينادي الدكتور أحمد جمال أبوالعزائم استشاري الصحة النفسية بضرورة وجود مجلس قومي للصحة النفسية علي غرار المجلس القومي للأمومة والطفولة لكي يقيم بصفة مستمرة الحالة النفسية للمواطن واحتياجاته النفسية ضمن خطة عامة لدراسة الحاجات الفعلية للمجتمع التي تتطلب البحث والدراسة واتخاذ القرار, علي أن يضم المجلس متخصصين من القطاع الحكومي, والأهلي, والخاص, وكذلك متخصصون في التمريض, والأخصائيون الاجتماعيون, ويشمل الكفاءات الدولية التي تعيش في مصر بالاضافة الي تبني البرامج والنظم التي ترتقي بالصحة النفسية للمجتمع المصري.