يبدو أن زيارة الرئيس نجاد إلى القاهرة لم تثمر عن أية نتائج ملموسة باستثناء عبارات «الأمل» في عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وإيران. ولقد دأبت إيران منذ وصول الرئيس مرسي إلى سدة الرئاسة في مصر على ترديد رغبتها في تطبيع علاقاتها مع مصر، ولكن هذه الأخيرة ما زالت تبدى تحفظات محددة على تلك الرغبة. وخلال الزيارة تلك حاول وزير الخارجية المصري طمأنة دول الخليج بأن التقارب المصري الإيراني لن يجري على حساب أمن هذه البلدان، وأضاف: «إن أمن دول الخليج بالتحديد هو خط أحمر، ولن نسمح بالمساس به»، مضيفاً: «إن أمن دول الخليج هو أمن مصر». وفي ذات الاتجاه دعا شيخ الأزهر أحمد الطيب الرئيسَ الإيراني إلى «عدم التدخل في شؤون دول الخليج». كما حثه على «منح السنة في إيران حقوقهم الكاملة»، مشدداً على «رفض الأزهر للمد الشيعي في الدول السنية». وتلك رسالة واضحة لإيران. وقد تزامن ذلك مع أنباء من إيران عن زيارة لبرلمانيين إيرانيين إلى الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران. وقد أعرب المجلس الوطني الاتحادي عن إدانته لتلك الزيارة. وجاء في البيان: «ينوهُ المجلسُ إلى أن مثل هذه الخطوات التصعيدية التي دأبت إيرانُ على القيام بها لا يمكن أن تغيّر الحقائق التاريخية والقانونية التي تُثبت تبعية الجزر الثلاث المحتلة لدولة الإمارات العربية المتحدة». وأشار البيان إلى «أن المجلس لن يدّخر وسعاً في دعم الموقف الثابت لدولة الإمارات وضرورة إنهاء احتلال جمهورية إيران الإسلامية لجزرنا الثلاث بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات المباشرة وفق جدول زمني مُحدّد أو إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية، من أجل استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة، وبناء علاقات أخوية طبيعية يسودها الصفاءُ وحُسنُ الجوار والتفاهمُ المشترك». ويُلاحظ من لهجة البيان الدعوة الصادقة لإنهاء هذا النزاع الذي طال أمده، تماماً كما كانت الدعوات السابقة من دولة الإمارات العربية المتحدة لحل النزاع بالطرق السلمية، ودعوات مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأكثر من ثلاثين عاماً. وهذا يعكس النوايا الطيبة من قبل الخليجيين لإنهاء النزاع وإقامة علاقات طبيعية بين الطرفين. وفي كل مرة تقابل إيرانُ مثل هذه الدعوات الصادقة والهادئة بإجراءات استفزازية لا تساهم في التوصل إلى ما تصبو إليه دول مجلس التعاون من تفاهم مشترك وعلاقات حُسن جوار طيبة مع الطرف الإيراني. فإيران لا تكفُّ على إجراء المناورات العسكرية الاستفزازية في مياه الخليج، وإطلاق الصواريخ العابرة، وتهديد دول الخليج عبر وسائل الإعلام. كما أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني العام الماضي لجزيرة أبو موسى تزيد من ذاك الاستفزاز، لأنها منطقة ما زالت محل نزاع مع دولة جارة. وإذا كان احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث محل نزاع بين إيران ودول مجلس التعاون والدول العربية بشكل أوسع، فإن مفاعل «بوشهر» النووي يزيد من توتر العلاقات بين الطرفين. ذلك أن المفاعل -الذي أقامته شركة روسية عام 1979- قد تعرّضَ لمشاكلَ فنية سببّت في تأخير تدشينه حتى عام 2010. ومصدرُ خطر المفاعل أنه أقرب إلى عواصم 4 دول خليجية منه إلى طهران، وأن أي تَسرّب منه (ولو عن طريق الخطأ) سيُعرّض البيئة والحياة بأسرها لمخاطر كبيرة جداً. ولقد أشار الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبداللطيف الزياني مؤخراً إلى أن من بين «التحديات البيئية التي يبنغي على دول المجلس أن تواجهها بعمل مشترك وجاد هو بدء تشغيل مفاعل بوشهر النووي». ودعا الزياني إلى ضرورة أن يكون المفاعل «محل اهتمام وتركيز ومتابعة مستمرة من قبل الخبراء والمتخصصين بهذا الشأن في الوزارات والأجهزة المتخصصة بشؤون البيئة في دول مجلس التعاون». يأتي ذلك في وقت ترددت فيه أنباء عن وقف تشغيل المفاعل لفترة محددة بعد حدوث أعطال فنية فيه. وفي هذا الصدد نقترح على الأمانة العامة لمجلس التعاون عقد ندوة متخصصة تبحث هذا الأمر، يشارك فيها خبراء دوليون وخليجيون وعرب من أجل تحديد المخاطر والاحتمالات لذلك المفاعل. إن دول مجلس التعاون أمام تحدٍّ كبير لمواجهة كارثة بيئية -إن لم تقع اليوم- فقد تقع في قابل الأيام. وما لم تقم هذه الدول بجهدٍ جماعي مع المجتمع الدولي من أجل غلق هذا المفاعل، أو نقله إلى أية بقعة داخل العمق الإيراني الكبير، فإن التهديد البيئي سيظل يؤرق مواطني وحكومات دول المجلس. وتذكروا معنا كارثة «شرنوبل» في الاتحاد السوفييتي سابقاً وما أحدثته. موضوعان مهمان يجب على إيران مواجهتهما إذا ما رغبت -صدقاً- في علاقات حُسن جوار طبيعية مع دول المجلس وهما: حل النزاع حول الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها، ويكون الحل عن طريق الحوار أو التدخل الدولي، وإيجاد صيغة آمنة لمفاعل بوشهر بحيث تبقى مياه الخليج نقية يبقى البشر (عرباً وإيرانيين) والحياة الطبيعية بعيدة عن أي تهديد. وإذا ما أضفنا إلى ذلك موقف مصر الواضح من دعم دول الخليج العربي وأمنها، فإن تطوير علاقات إيرانية مصرية لن يتم على حساب تهديد أمن دول الخليج العربي أو التدخل في شؤونها. وهذا هو موقف مصر الواضح الذي أُبلغ به الرئيس الإيراني وهو في القاهرة؛ ولم يفدهُ عرض القرض الذي قدمه لمصر وتلقى عليه «رداً فاتراً». نقلا عن صحيفة الاتحاد