قبل شهر واحد, وبالضبط في 16 يناير الماضي, سقطت إحدى عمارات المعمورة بمحافظة الإسكندرية, طاوية طوابقها على سكانها, لتحولهم إلى أشلاء لا يتبقى منها سوى ألبومات الصور التذكارية والمتعلقات الشخصية, واليوم الموافق 17 فبراير, تعيد الكرة نفسها مرة أخرى, وينهار عقار منطقة محرم بك بالإسكندرية لتسجل أعلى معدلات لانهيار المنازل على مستوى محافظات الجمهورية, وتتحول معها الإسكندرية إلى مدينة آيلة للسقوط, نتيجة لاستفحال تلك الظاهرة المترتبة على تجاهل الأسباب المؤدية إليها والفراغ التشريعي الذي يتيح للمخالفين التمادي في مخالفاتهم. هذان العقاران ليسا الآول ولن يكونا الأخيران, وتكرار سلسلة الانهيارات بين الحين والأخر يحتم على المسئولين وقفة حاسمة حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن هناك حوالي 3 ملايين عقار مهدد بالانهيار على مستوى الجمهورية وبعض منها قرارات إزالته حبيسة الأدراج , و40 % من تلك القرارات من نصيب محافظة الإسكندرية. وتعد الإسكندرية من أكثر المدن التي تنهار عقاراتها ويرجع ذلك إلى زيادة المخالفات في التشييد والتعلية بأدوار مخالفة واستخدام مواد بناء ضعيفة لاتتحمل فترات طويلة بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الملوحة في الجو, وتزداد نسبة سقوط العقارات خاصة الأيلة للسقوط في فصل الشتاء بسبب الأمطار والعوامل الجوية, وتأثيرها على حالتها المتهالكة مما يؤدي إلى انهيارها وأسباب انهيار عقارات ومباني الإسكندرية على وجه الخصوص يرجع إلى سنوات سابقة حيث تقطن الأجيال المتعاقبة من الملاك والمستأجرين مباني وعمارات قديمة انعدمت فيها الصيانة اللازمة على مدى تاريخ إنشائها, أما المباني الحديثة التي ظهرت للوجود بعد ثورة 25 يناير, في ظل غياب الرقابة الأمنية وعدم مراعاة النظريات والأسس الهندسية والعلمية المتبعة في عمليات التشييد والبناء, فمعظمها مخالف. وقد انتشرت ظاهرة عقارات اليوم الواحد والعقارات سريعة التجهيز, والتي تشير إلى وجود كارثة حقيقية تعيشها جميع محافظات الجمهورية, عامة ومحافظة الإسكندرية خاصة وتحتضن بين جنباتها قنابل موقوتة شديدة الانفجار يدفع ثمنها المواطن المصري المتعطش إلى إقتناء وحدة سكنية. صعوبة الإجراءات اللازمة للحصول على تراخيص البناء, وجشع الملاك ورغبتهم في الحصول على ما لا يحق لهم ببناء أدوار أكثر من المسموح بها في رخصة البناء سببان جوهريان أديا إلى انتهازهم فرصة الانفلات الأمني لتحقيق حلمهم في امتلاك أبراج سكنية, واكتسبت مافيا الأراضي والمقاولات والعقارات المخالفة قوتها من الغياب الأمني الذي تحالف مع انعدام الضمير, فهناك كوارث ومآس وجرائم بلا عقاب أدت إلى استشراء عمارات الموت بعد ثورة 25 يناير. تجاهل قرارات الإزالة, والتوحش الجنوني للبناء المخالف في مصر ينذر بكارثة خلال فترة زمنية قصيرة, ظهرت نذورها في الأفق, والأبعاد القانونية لتجنبها تتمثل في تنفيذ قرارات الإزالة وفرض غرامات, حيث شجع إتمام التصالح مع ملاك العقارات المخالفة دون أدنى عقوبة على الاستمرار والتوسع في البناء العشوائي. وتشجيعا لملاك المساكن القديمة والمتهالكة على تنفيذ قرارت الإزالة يتطلب إيجاد المسكن المناسب والبديل لهم أو تعويضهم تعويضا مجزيا يشجعهم على ترك مساكنهم التي جبلوا عليها لسنوات طويلة, وللمشكلة أيضا أسباب اجتماعية حيث تعتبر مشكلة الإسكان مشكلة اجتماعية في المقام الأول, ومنها ارتفاع معدلات النمو السكاني بصورة مضطردة مما كان له انعكاس كبير على مشكلة الإسكان وخاصة في المناطق الحضارية لما يرتبط به من زيادة في الطلب على الوحدات السكنية.