ولد د.سعد عبد الرحمن قردش- الذي اشتهر بسعد اردش- في 16 يونيو 1924 في "فارسكور"؛ فكانت "فارسكور" ان ذاك تابعة لمحافظة الدقهلية قبل سفره في بعثة لإيطاليا لدراسة الإخراج هناك عام 1957، وبعد عودته في عام 1961 كانت فارسكور تابعة لمحافظة دمياط. وتلقي أردش تعليمه بفارسكور حتى حصل علي الشهادة الثانوية، ويذكر أن ناظر المدرسة الابتدائية في فارسكور- حينما التحق بها- كان حلمي البابلي والد الفنانة الكبيرة سهير البابلي والذي كان من أعظم التربويين، حيث كانت تربطه علاقة ذات طابع أسري بكل تلميذ. وفي المدرسة الثانوية بفارسكور، تعرف أردش علي الشاعر الصوفي الكبير طاهر أبوفاشا الذي قاد تجربة المسرح المدرسي. أردش جمع في دراسته بين الفن والقانون، حيث التحق بمعهد الفنون المسرحية، الى جانب التحاقه بحقوق عين شمس وواصل الدراستين معاًِ؛ فحصل علي بكالوريوس المعهد عام 1952، وليسانس الحقوق عام 1955، ثم حصل على دبلوم الاخراج، ومنها اكمل دراساته الى ان حصل على الدكتوراه من الأكاديمية الدولية للمسرح عام 1961 بروما. وتنقّل اردش بين عدة مناصب وظيفية ما بين أستاذ ورئيس قسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية، ومن ثم مديرا لمسرح الجيب، ومديرا لمسرح الحكيم، ورئيسا لقطاع الفنون الشعبية الاستعراضية، ورئيسا للبيت الفنى للمسرح.
رؤيته المسرحية كان الفنان سعد اردش يحلم بأن يعود المسرح لعصره الاغريقي، حيث كانت تلزم فيه الحكومات مواطنيها ليشاهدوا ما يقدم بالمسارح؛ فأهتم هؤلاء الناس بالمسرح كمؤسسة تنويرية تثقيفية تنشر الوعي الثقافي مثل المدرسة والجامعة ودور العبادة؛ فقد كان واجب وطني على كل مواطن أن يشاهد المسرح، فللمسرح دور كبير في اصلاح الحالة الاجتماعية. اردش كان يرى المسرح بلا شك انه أبو الفنون واقرب اليه من السينما، ويأتي بعد المسرح التليفزيون؛ فقد شارك سعد في أول أعمال أنتجها التليفزيون في الستينيات، كما أنه شارك في بعض الاعمال السينمائية، الا أنه لم يجد نفسه فيها- ليس لعدم قدرته، لكن لأن السينما غير قادرة على استيعاب ممثلي المسرح بحركاتهم الارتجالية وخروجهم عن النص والالتزام بالتوقيت الزمني للجملة والحركة الواسعة التي لا تتحملها الكاميرا، فالمسرحي غريب على الكاميرا السينمائية.
تأثره بفلسفة "بريخت" تأثر سعد أردش بالمسرح البريختي إلى أبعد الحدود، وان كان لا يخفي إعجابه بسوفوكل، وتشيخوف، والحكيم، وسارتر، وبيراندللو، ونعمان عاشور، وسعد الدين وهبه، والفريد فرج، ويوسف ادريس، وغيرهم ممن أحبهم. اعتقد المخرج سعد أردش أن "بريخت" أو منهج بريخت- رغم سقوط الأيديولوجية الماركسية التي قام عليها- الا انه يطل على منهج فكري وفني صالح للتطبيق في كل زمان ومكان، وتتركز اهميته في أنه المنهج والأداء الوحيد في الدراما الذي يحقق وظيفة "التنوير" على اكمل وجه؛ فهو يسعي الى العدل الاجتماعي في غيبة الأيديولوجية، ومسرحه فرض نفسه متأخرا؛ فقد عرض له مسرحية تعليمية (القاعدة والاستثناء) سنة 1962 في مسرح الجيب، وأخرج له مسرحية (الأنسان الطيب) عام 1966، ثم (دائرة الطباشير القوقازية) سنة 1968 مع المخرج الألماني كورت فيت (أحد تلامذة بريخت)، ورأى اردش انه اتجاه بريخت فرض نفسه أيضا علي المسرح في سوريا، والعراق، ولبنان. وأضاف ان "بريخت" تسرب كمنهج الي معظم كتاب المسرح المعاصرين والذين يحاولون مناقشة قضايا الأمة الاجتماعية والسياسية، كما تسرب بريخت أيضا الي كثير من المخرجين العرب الذين زاوجوا بين منهج "ستانسلا فسكي" ومنهج "بريخت" العقلاني القادر علي توصيل الدلالة بشكل أوضح للجماهير، ولم يتوقف منهج بريخت الى هذا الحد، فقد تسرب أيضا الى الممثلون العرب الكبار من خلال القراءة أو المشاركة في أعماله.
إنتاجه الفني استطاع سعد- قبل نصف قرن باشتغالاته الابتكارية- احداث ثورة فنية عمّا كان متعارفا عليه وسائدا في الآداء المسرحي على شاكلة التمثيل بالصوت وحركة اليدين الافتعاليّة والانفعال المفتعل او العمل الارتجالي الذي كان سائدا كما اسلفت على خشبة المسرح مرحلة الخمسينيات من القرن العشرين، ولكنه اضاف الى الممثل طاقة ابداعيّة ليصبح الأداء التلقائي الصادق والصوت الداخلي هو الاساس في الاداء. كما قام بتمثيل العديد من الشخصيات الفنية في المسرح، والسينما، والاذاعة والتلفزيون ببراعة، واشتهر بصوته الرخيم العميق الحساس وبقدرته على تجسيد الشخصيات بأداء فائق. فبعد عودتة الى مصر أخرج اردش مسرحيات منها (السبنسة) تأليف سعد الدين وهبة، و(النار والزيتون) تأليف الفريد فرج، كما شارك بالتمثيل في مسرحيات منها (الارض) المأخوذة عن رواية شهيرة لعبد الرحمن الشرقاوي. وأخرج أردش مسرحيات "تجريبية" منها (يا طالع الشجرة) تأليف توفيق الحكيم، وكانت مسرحيته (هالو شلبي) نقطة انطلاق الممثل المصري سعيد صالح وبداية الاهتمام بموهبتين في التمثيل هما محمد صبحي وأحمد زكي. كما قدم من المسرح العالمي أعمالا منها (كاليجولا)، و(دائرة الطباشير القوقازية)، وكانت مسرحية ( الشبكة) للالماني برتولد بريخت آخر ما أخرجه للمسرح القومي بالقاهرة عام 2007. وشارك أردش بالتمثيل في مسلسلات تلفزيونية كثيرة إضافة الى أفلام تعد من كلاسيكيات السينما المصرية منها (قنديل أم هاشم) لكمال عطية عام 1968، و(الاختيار) ليوسف شاهين عام 1971، وكان آخر أفلامه (الحجر الداير) الذي أخرجه محمد راضي عام 1992.
ونال أردش جائزة الدولة التقديرية عام 1990 بالاضافة الى عمله الابداعي الاخراجي والتمثيلي والاداري ايضا، فقد انشغل بمجال التاليف والترجمات، وله العديد من المؤلفات الهامة منها: "المخرج في المسرح المعاصر" عام 1979 الذي يعد اليوم من أبرز المراجع الدقيقة عن التطور في الاخراج المسرحي في اوروبا، بالإضافة الى كتاب "المسرح الايطالي" 1965، وله عشرات البحوث والدراسات العلمية في المسرح والحركة الاجتماعية المنشورة في المجلات المتخصصة في الثقافة المسرحية في مصر والعالم العربي. أمّا في مجال الترجمة، فقد قام بترجمة اعمال مسرحية ايطالية مهمة للعربية منها: خادم سيدين، وثلاثية المصيف لكارلو جولديني، وجريمة في جزيرة الماعز، وانحراف في قصر العدالة لاوجوبتي، والحفلة التنكرية لالبرتومورافيا، وبياتريس لتشنشي ، وغيرها. ولاردش العديد من الدراسات والابحاث؛ منها المخرج فى المسرح المعاصر، الكويت عام 1979، خادم سيد درويش ، ثلاثية المصيف. كارلوجولدوني (سلسلة مسرحيات عالمية) الكويت عام 1980، جريمة فى جزيرة الماعز، انحراف فى مقر العدالة، أجوينى عام1982، الحفلة التنكرية، بياتريس، البرتو مورافيا 1987 و1988 بالهيئة العامة للكتاب. كما له العديد من الدراسات فى الدوريات المتخصصة بمصر والعالم العربى مثل مجلة المسرح فصول الإبداع الفنى المعاصر أعلام العراق العربى البيان بالكويت والدوحة وقطر". امتلأ سعد أردش بالمعرفة والعمل، وظل تحت كل الظروف ثابت على قيم الفن؛ فحاول جاهدا أن يجعل من المسرح مدرسة لتعزيز الوعي بالذات وبالمحيط الاجتماعي والسياسي.