كنت مهتما حين ذهبت إلي واشنطن عام5991, بأن ألتقي مع جورجي أفتانديليان , الذي كان يعمل محللا سياسيا بوزارة الخارجية الأمريكية, مختصا بشئون مصر, بدأ هذا الاهتمام قبلها بسنتين, بعد أن قرأت كتابه الذي صدر بعنوان سعي مصر لقيادة العالم العربي: وتأثيراته علي سياسة أمريكا, والصادر عن مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة. أردت أن أناقشه في بعض نقاط بكتابه, تحتاج شرحا أكثر وضوحا, وبالتحديد ما يتعلق بجوهر السياسة الأمريكية مع مصر. وفي تناوله لهذه النقطة, فهو يشرح كيف أن العلاقة المصرية الأمريكية قوية, وستبقي كذلك, ومن المهم أن تتعاون القاهرة مع واشنطن من أجل دفع أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة, لكن هذا التوجه, سيحتاج إلي مراجعته, في حالة سعي مصر لدور قيادي في العالم العربي. وحين التقيته, وكان وقتها يشغل المنصب نفسه في الكونجرس, وبعدها انتقل للدور نفسه بوزارة الدفاع, فإنني قد تأكد لدي أن هذه السياسة, وتمثل استمرارية في السياسة الخارجية, حتي لو تغير الرؤساء الأمريكيون, ولو كانت العلاقة في أحسن أحوالها. أي أن السياسة الأمريكية تظل غير راغبة في قيام مصر, بدور ينعكس علي المشهد العربي كله, وهو ما سيؤثر في تقديرهم علي المصالح الاستراتيجية الأمريكية, من ثم, مطلوب أن تبقي مصر محصورة في إطار محدود من التحرك والمبادرة السياسية. ولاشك أن سياسة أوباما قد شهدت تغييرا كبيرا في توجهات أمريكا الاستراتيجية, خاصة ما يتعلق بالكثير من السياسات السابقة لجورج بوش, لكن هناك ثوابت لم تتغير, وهو ما اتفق عليه مثلا ثلاثة من خبراء السياسة الأمريكية البارزين, هم: مارتن انديك, كنيث ليبرتال, ومايكل أوهانلون, في كتابهم الصادر هذا العام2102, بعنوان توثيق التاريخ: السياسة الخارجية لأوباما, ويقرر الثلاثة أن سياسة أوباما, لايزال بها العديد من عناصر الاستمرارية, ممن سبقوه من الرؤساء. لكن هذا لا ينفي أن ثورة52 يناير في مصر, وما لحق بها من موجات الربيع العربي, قد أدت إلي تغيير طبيعة لعبة القوي الكبري في الشرق الأوسط, وهو ما يتفق عليه غالبية الخبراء الأمريكيين في الشرق الأوسط, وتأكيدهم أن أوباما يواجه العديد من التحديات لأسس النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط, وهو ما أوقعه منذ ثورة مصر, في مأزق يجد فيه نفسه, ما بين التزامه بالأفكار المثالية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان, وبين المخاوف من أخطار قد تتعرض لها المصالح الأمريكية, لو أنه انحاز لهذه الأفكار. في الوقت نفسه, صدرت توصيات من مراكز الفكر السياسي, ومن مؤتمرات وندوات, عكفت علي دراسة تطور الأحداث في مصر, واحتمالات تأثيرها علي الوضع الإقليمي والدولي, وكانت التوصيات تقول: إذا كان أوباما سيفوز بولاية ثانية, فهو يحتاج إلي صياغة مبدأ بديل عن الهيمنة الأمريكية, وهو المبدأ الذي استمر يوجه معظم السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط, من بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام.1991 إن أي تغيير في السياسة الأمريكية, أو الإبقاء علي ما هي عليه, لا يتقرر في العلاقات الدولية من جانب أمريكا منفردة, مهما كانت ثوابتها الاستراتيجية, لكنه حصيلة تفاعل بين الجانبين, لأن قدرة أمريكا ليست مطلقة, لكنها مقيدة, ولها حدود, بتأثير دور ميزان القوي, بينها وبين آخرين يميلون بالميزان ناحية مصالحهم, فالجانب الأمريكي سيتحدد مساره بشكل قاطع, بناء علي وضوح للرؤية العامة والشاملة لسياسة مصر الخارجية, والتي تعبر عن رؤيتها للعالم, وتحديدها لمكانتها في النظام الدولي ودورها فيه, في إطار استراتيجية للسياسة الخارجية, تحشد لها كل قواها, وعلاقاتها, وبعد أن تكون قد استوعبت كامل المتغيرات التي حدثت في السنوات العشرين الأخيرة, في مفاهيم السياسة الخارجية, والاقتصادية, والأمن القومي للدول, والأمن القومي للمجتمع الدولي ككل. لقد طال انتظار العالم, لبلورة استراتيجية متكاملة لسياسة مصر الخارجية, فالثورة رفعت سقف التوقعات لما ستغيره, ليس في داخل مصر فقط, بل في خارجها أيضا. فالسياسة الخارجية لابد أن تسبقها رؤية شاملة, وتحديد أهداف, وخطط, وآليات تنفيذ, تتحرك معا في تناسق محسوب نحو الأهداف. نقلا عن صحيفة الاهرام