تكتسب زيارة الرئيس محمد مرسي الاثنين إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تبدأ في الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري وتستمر حتى السابع والعشرين من الشهر ذاته أهمية بالغة في إعادة ترتيب وصياغة توجهات السياسة الخارجية المصرية خلال المرحلة المقبلة في ضوء النتائج التي حققتها ثورة 25 يناير التي أفرزت واقعا سياسيا وقيادة جديدة لمصر تسعى لتحقيق أهداف هذه الثورة وتطلعات الشعب المصري. فمن المتوقع أن يلتقي الرئيس مرسي على هامش الاجتماعات عددا من رؤساء وزعماء الدول المشاركين فيها حيث يستعرض معهم الآفاق المستقبلية لشكل العلاقات التي تقوم أساسا على التوازن مع دول العالم بما يحقق مصالح الشعب المصري. ولاشك أن الشعب المصري يتطلع خلال المرحلة المقبلة إلى تحقيق آماله التي خرج من أجلها في يناير في مستقبل أفضل ووضع اقتصادي يتجاوز إخفاقات المرحلة الماضية التي تزايدت فيها التحديات وكثرت فيها المشكلات. ويحتل الملف الاقتصادي أهمية بالغة في المباحثات التي سيجريها الرئيس مرسي في لقاءاته التي يتوقع أن يعقدها على هامش زيارته مع عدد من زعماء العالم والتي يجري الإعداد لها الآن حيث مثل هذا الملف أولوية في مباحثاته مع القادة الذين التقاهم حتى الآن سواء في جولاته الخارجية أو داخل مصر سعيا إلى تجاوز الوضع الاقتصادي الذي تعانيه مصر وأملا في جذب المزيد من الاستثمارات لخلق مشاريع مشتركة ومزيد من فرص العمل للنهوض بالاقتصاد ورفع معدلات التنمية. وتسعى الإدارة المصرية إلى حث دول العالم على الاستثمار في مصر وتشجيع جذب السياحة مجددا والعمل على الاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة عالميا بما يحقق مصالح مشتركة لهذه الدول مع مصر. ومن المتوقع أن يستعرض الرئيس محمد مرسي في كلمته التي سيلقيها أمام محفل الأممالمتحدة الأربعاء توجهات السياسة الخارجية المصرية خلال المرحلة المقبلة. كما يتوقع أن تركز كلمة الرئيس مرسي على التطورات التي يشهدها الواقع السياسي المصري في أعقاب ثورة يناير، فضلا عن استعراضها مجمل المتغيرات فى المشهد المصرى بعد الثورة المصرية العظيمة. وتتناول الكلمة التي سيوجهها الرئيس مرسي إلى العالم من مقر منظمة الأممالمتحدة شرحا لهذا المشهد بالتفصيل والذي أسس للمشهد السياسى الذى أصبح حديث العالم فيما يتعلق ببناء مصر الدولة المدنية الديمقراطية المستقرة وبناء نظام سياسى وما تمر به مصر الآن من متغيرات. وتوضح الكلمة الجهود المبذولة لإعلاء كلمة القانون ووضع الدستور الجديد وما يستتبعه من إجراء انتخابات برلمانية جديدة وكفالة حرية التعبير والمساواة بين جميع المواطنين دون تمييز. وتعد هذه المرة الأولى منذ عقود التي يشارك فيها رئيس مصري في اجتماعات الدورة السنوية للجمعية العامة التي تعقد في أواخر سبتمبر من كل عام وتعد ملتقى لزعماء العالم ومحفلا لمناقشة العديد من القضايا الدولية والمشكلات الساخنة والمزمنة. واللافت أن الحركة الخارجية للرئيس مرسي خلال الفترة القصيرة الماضية منذ تسلمه مقاليد السلطة في الثلاثين من يونيو الماضي اتسمت بالرغبة من جانب القيادة الجديدة لإعادة تشكيل علاقات خارجية مع دول العالم تعتمد على الوضوح والصراحة والتوازن في أن واحد. فقد حددت الإدارة المصرية شكل التوجهات الخارجية التي تعتمد التوازن في العلاقات الدولية والإقليمية مع الدوائر التي تهم السياسة الخارجية التي تمثل الدائرة العربية والإسلامية أولوية تليها الدائرة الإفريقية ثم تأتي بعد ذلك الدوائر مع الدول الناهضة كالصين وتركيا ودول جنوب شرق آسيا تتبعها العلاقات مع روسيا ثم الدول الأوربية والغربية والولاياتالمتحدة. ويرى المحللون أهمية التوجه بصياغة علاقات تعتمد مبدأ الشراكة في ظل القواسم والمصالح المشتركة سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي فمصر بما لها من دور إقليمي مهم في منطقتها لا يمكن تجاهله حتى في ظل فترات الانحدار التي مرت بها خلال السنوات الماضية في سياساتها الخارجية وامتداد هذا الدور إلى صياغة علاقاتها وتوازناتها الإقليمية. ويتوقع هؤلاء أن يحمل المستقبل في طياته ملامح تغيير في الرؤية لطبيعة ترتيب العلاقات بين مصر ودول العالم بما يحقق المصالح الوطنية اتساقا مع ما تشهده المنطقة العربية من متغيرات يستوجب الاهتمام والمتابعة فضلا عن شكل التحالفات الإقليمية والتوازنات المستحدثة بين القوى الإقليمية ذات التأثير وعلى رأسها تركيا وإيران إلى جانب دول الخليج العربية وشمال إفريقيا وتكتلات المصالح التي يمكن أن تتشكل بين القوى السياسية الجديدة التي برزت على الساحة الإقليمية مؤخرا. وعلى صعيد العلاقات المصرية الأمريكية بشكل عام يرى المتابعون أن الجانبين حريصان على علاقات جيدة بينهما تتجاوز التوترات التي نجمت عن الفيلم المسيء وردود الفعل الغاضبة من الطرفين. وفي هذا الإطار يبدو جليا حرص الإدارتين المصرية والأمريكية في الحفاظ على العلاقات جيدة بينهما وتعزز البيانات الأخيرة الصادرة عن كل منهما هذه النظرة على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي التي اعتبر فيها أن بلاده لا تعتبر مصر حليفا أو عدوا وتحذيراته من مشكلة في العلاقات بين البلدين. ومن المؤكد أن واشنطن ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي بدأت تنظر إلى المنطقة نظرة مترقبة لتطورات الأوضاع في ضوء تغير أنظمة الحكم ويعتبر المحللون أن واشنطن أصبحت ترى أن الطريق لتلبية مطالب شعوب المنطقة يجب أن يتم عبر نظم سياسية أكثر انفتاحا وشفافية وأن تتوسع عملية المشاركة السياسية وأن دعمها للنظم الديكتاتورية خلال السنوات الماضية انعكس بشكل سلبي على مصالحها في المنطقة ومن هنا جاء التغير في التوجهات الأمريكية حيال أنظمة الحكم الشمولية. وعلى الجانب المقابل بدأ النظام السياسي في مصر حريص على بث رسائل تطمينية للمجتمع الأمريكي حول استقرار الوضع السياسي والاقتصادي بعد إتمام الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة إلى رئيس منتخب بما يدفع في اتجاه جذب المزيد من فرص الاستثمار المشترك بين المستثمرين في البلدين سعيا لشراكة تجارية واقتصادية تحقق مكاسب ومصالح مشتركة للطرفين. وتظهر البيانات أن الولاياتالمتحدة تعد أكبر شريك تجاري لمصر في حين تحتل مصر المرتبة ال52 في قائمة أهم شركاء الولاياتالمتحدة التجاريين ويحق لمصر من ضمن مجموعة دول نامية الاستفادة من النظام المعمم للمزايا (جى إس بى) الأمريكي والذي يسمح بتصدير بعض المنتجات المصرية إلى السوق الأمريكية وإعفائها من الجمارك. ووصل إجمالى حجم التجارة البينية إلى 065ر9 مليار دولار أمريكى عام 2010 حيث بلغت الواردات المصرية من الولاياتالمتحدة نحو 837ر6 مليار دولار والصادرات المصرية 228ر2 مليار دولار, فيما بلغ العجز 609ر4 مليار دولار حيث سجلت التجارة البينية تطورا ملحوظا مقارنة بعام 2009 عندما بلغ حجم التجارة البينية 809ر7 مليار دولار أمريكى وعجز ميزان التجارة البينية 200ر3 مليار دولار أمريكى عام 2009. وبالنسبة للمساعدات الأمريكية المقدمة لمصر مؤخرا، فقد أكد الرئيس أوباما على استمرار الدعم الأمريكى لمصر أثناء تلك المرحلة الانتقالية الحساسة فى تاريخها نحو إرساء قواعد الديمقراطية حيث خصصت الإدارة الأمريكية 150 مليون دولار لدعم الاقتصاد الوطنى فى الوقت الراهن. كما أعلنت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون عن مقترحات أخرى لدعم الاقتصاد المصرى مثل مبادرة الكونجرس الأمريكى بإنشاء صندوق للأعمال لدعم الاستثمارات الخارجية لمصر ودول الشرق الأوسط من خلال مؤسسة الاستثمارات الخارجية. وكانت اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية التابعة للجنة الاعتمادات بمجلس النواب الأمريكى قررت استمرار تقديم الاعتمادات لوزارة الخارجية والعمليات الخارجية للعام المالى 2012 الذي تضمن تقديم مساعدات عسكرية لمصر بمقدار 3ر1 مليار دولار على أن تشمل أنشطة وبرامج خاصة بتأمين الحدود فى سيناء وتخصيص مبلغ 250 مليون دولار مساعدات اقتصادية، بحيث يتم استغلال جزء منها للأنشطة الداعمة لإجراء الانتخابات وحماية حقوق الإنسان ودعم المجتمع المدني.