اعتبر معلقون في الشؤون الإسرائيلية فوز رئيس الحكومة السابق ايهود باراك بزعامة حزب «العمل» الشريك في الحكومة «حبل نجاة» لرئيسها ايهود اولمرت الذي سيستفيد، شعبياً من جلوس «سيد الأمن» في إسرائيل على كرسي وزير الدفاع خلفاً لعمير بيرتس. كما اعتبروا فوز عجوز السياسة الإسرائيلية النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريز بمنصب رئيس الدولة انتصاراً لاولمرت وهزيمة لزعيم «ليكود» بنيامين نتانياهو على فشله في تجنيد غالبية لدعم مرشحه رؤوبين ريبلين. وبحسب النتائج الرسمية للانتخابات الداخلية في الحزب التي جرت أول من أمس حصد باراك نحو 52 في المئة من الأصوات متقدماً بفارق بسيط على منافسه رئيس جهاز «شاباك» سابقاً النائب عامي أيالون (48 في المئة). وجاء لافتاً ان الأعضاء العرب والدروز هم من أمّنوا فوز باراك، ما أثار استهجان سياسيين ومعلقين الذين أعادوا إلى الأذهان مقتل 13 شاباً عربياً برصاص قوات الأمن الإسرائيلية بأوامر مباشرة من باراك، حين كان رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع عام 2000. أما أيالون فاشتكى من عمليات تزوير في الوسط العربي فيما أشار صحافيون إلى «مقاولي أصوات» نشطوا في أوساط العرب لافتين إلى حقيقة ان المصوتين ليسوا بالضرورة من أنصار حزب «العمل» وأن مشاركتهم في الانتخابات تمت بصفقات مشبوهة. ومن المتوقع أن يتسلم باراك منصبه الجديد بعد عودة اولمرت من زيارته واشنطن الأسبوع المقبل. ورغم إعلان باراك قبل أكثر من شهر أنه سيعمل على استبدال قطب آخر من «كديما» بأولمرت أو يتم تقديم موعد الانتخابات العامة، إلاّ أن مراقبين يرون ان باراك لن يستعجل مغادرة الحكومة قبل أن «يثبت كفاءاته» ويضمن أن يكون منصبه الحالي «خشبة الوثب - العودة» إلى مقر رئاسة الحكومة، ويتيح له أن يكون نداً قوياً لزعيم «ليكود» رئيس الحكومة السابق بنيامين نتانياهو الذي ترشحه استطلاعات الرأي كافة للعودة وحزبه إلى سدة الحكم. ومع إعلان النتائج فجر أمس ألقى باراك «خطاب نصر» مقتضباً أكد فيه أنه سيوظف كل الجهود والخبرة التي يملكها «من أجل تقوية الأمن والجيش الإسرائيلي لتستعيد إسرائيل قدراتها على الردع والحسم». وتابع: «اليوم تبدأ حملة طويلة لإعادة القيادة الرزينة والمسؤولة والمجربة والموحِّدة لإسرائيل، حملة نبحث فيها عما يوحدنا. وسنفعل ذلك من خلال التزام أساس للمجتمع الإسرائيلي وأمن دولة إسرائيل، بيت الشعب اليهودي وحصنه التاريخي ووطن أبناء شعبنا». وزاد انه «في هذه الأيام من القلق والشعور بفقدان الأمن والتقزز وغياب الطريق والقيادة ينبغي على حزبنا أن يكون على رأس الخيار الديموقراطي لإسرائيل». ويعتبر نجاح باراك في الانتخابات مفاجئاً وهو الذي تأخر حتى قبل شهر في جميع استطلاعات الرأي أمام أيالون. ويرى معلقون ان إعلان بيرتس دعم أيالون في الجولة الثانية من الانتخابات ربما أضر بفرص الأخير للفوز إذ انقلب عليه أعضاء «الكيبوتسات» الذين منحوه غالبية أصواتهم في الجولة الأولى. ولم يخف عدد من أنصار أيالون في «الكيبوتسات» وجميعهم من اليهود الأشكناز غضبهم على تحالف أيالون وبيرتس على خلفية أن الأخير شرقي من «السفارديم». ويعتبر الإسرائيليون ايهود باراك (65 عاماً) واحداً من ألمع العسكريين في تاريخ إسرائيل ولقبه البعض «نابليون». وذاع على خلفية مشاركته في عمليات «خاصة ومعقدة» مثل عملية «ربيع الشباب» التي نفذها في بيروت في سبعينيات القرن الماضي ضد قادة حركة «فتح» ولاحقاً اغتيال علي سلامة في بيروت وخليل الوزير(أبو جهاد) في تونس، و «عملية سبينا» لإطلاق سراح ركاب طائرة مخطوفة و «عملية عنتيبة» الشهيرة، ليحصد بفضلها أكبر عدد من الأوسمة البطولية في تاريخ إسرائيل. تبوأ أرفع المناصب في الجيش آخرها رئاسة هيئة الأركان. وفي العام 1995 دخل المعترك السياسي ونجح بعد أربع سنوات في هزم رئيس الحكومة السابق بنيامين نتانياهو وخلفه في منصبه وأبقى بيديه وزارة الدفاع لكن حكمه لم يدم أكثر من 20 شهراً واتسم بالفشل الذريع على الصعد كافة، فاضطر إلى الاستقالة وأعلن اعتزاله السياسة واختار إدارة الأعمال فحقق النجاح الكبير وضاعف ثرواته حتى غدا واحداً من أبرز أغنياء إسرائيل. عاد هذا العام إلى الحلبة السياسية للمنافسة على زعامة «العمل» مستغلاً الأجواء المتكدرة في إسرائيل في أعقاب الفشل العسكري في الحرب على لبنان ومطالبة الإسرائيليين بجلوس شخصية من وزن باراك على كرسي وزير الدفاع. التزم الصمت خلال المعركة الانتخابية ولف مواقفه السياسية بالضبابية لكن نقل عنه عدم رضاه عن جنوح «العمل» نحو اليسار. واكتفى برسالة واحدة تقول إنه «الوحيد القادر على هزم نتانياهو في الانتخابات المقبلة والوحيد القادر على إعداد إسرائيل للحرب واتخاذ القرارات الصائبة لتحقيق السلام». للمرة الأولى في حياته السياسية التي تعدت نصف قرن من الزمن سجل شمعون بيريز انتصاراً في معركة انتخابية بعد أن انتخبه البرلمان (الكنيست) بغالبية ساحقة «رئيساً (تاسعاً) للدولة» خلفاً لموشيه كتساف المنتهية ولايته والذي سبق ان اضطر إلى التنحي القسري الموقت على خلفية فضائح أخلاقية. وحصل بيريز على 58 صوتاً مقابل 37 لمرشح «ليكود» رؤوبين ريبلين و21 لمرشحة «العمل» كوليت أفيطال، ما استوجب جولة ثانية لعدم حصول أي من المرشحين على غالبية مطلقة (61 على الأقل). وقبل أن تبدأ جولة ثانية أعلن ريبلين وأفيطال انسحابهما ودعمهما لبيريز بعد أن أيقن الأول ان أصوات «العمل» ستصب في مصلحة بيريز. واعتبر معلقون فوز بيريز انتصاراً لأولمرت الذي رمى بثقله من أجل إنجاح بيريز «وأثبت أن لديه ائتلافاً منضبطاً وحكومة متينة». ورغم أن منصب «رئيس الدولة» فخري ورمزي، إلا ان تبوء بيريز المخضرم هذا المنصب قد يعيد لمؤسسة الرئاسة بعض احترامها محلياً ودولياً خصوصاً على خلفية علاقات بيريز المتشعبة مع زعماء العالم.