يعيش المدنيون الذين لم يغادروا مخيم نهر البارد في شمال لبنان، اوقاتا صعبة مع اشتداد الاشتباكات بين الجيش اللبناني ومسلحي «فتح الاسلام»، لا سيما في المناطق التي بات مستحيلا الدخول اليها. وتحول كثافة القصف من دون قدرة سكان المخيم على الانتقال حتى من غرفة الى أخرى بعض الاحيان. وفي حين يبقى الحصول على معلومات واضحة، صعبا في انتظار توقف القصف، يقول مسؤول منظمة «الهلال الأحمر الفلسطيني» في لبنان الدكتور محمد عثمان: «هناك عدد من الجرحى، ولم نبلغ عن اصابات خطيرة حتى الآن. كما ان بعض الأزقة اقفلت بالردم الناتج عن انهيار الأبنية المقصوفة ما يحول دون التحرك لإخراجهم». ويشر الى أن عدد السكان الذين لم ينزحوا عن البارد يرواح بين 4 آلاف و5 آلاف نسمة لا ملاجئ تحميهم، لكنهم يتجمعون في الطبقات السفلى من الأبنية. يدبرون أمورهم المعيشية بالمساعدات التي ندخلها اليهم. وقد استطعنا تأمين مواد غذائية وخبز ومياه تكفيهم لمدة ثلاثة اسابيع». وأضاف: «حتى الآن لم تتفش الأمراض، لكن روائح الجثث التي لم تدفن تملأ بعض الاحياء. منذ ثلاثة ايام نفد الوقود وانقطعت الكهرباء عن المخيم». وقال مدير منطقة الشمال في منظمة الهلال الاحمر الفلسطيني الدكتور يوسف الاسعد ل«الشرق الأوسط»، «ان الحالة صعبة جدا. ففي مخيم نهر البارد طبيب واحد وعدد قليل من الممرضين. وهم يعملون على اسعاف الجرحى الذين اصيبوا نتيجة الاشتباكات، وذلك في مستوصفين آمنين، احدهما مستوصف الشفاء، والثاني جامع الحاووز الذي انشئ بالتنسيق مع منظمة الصليب الأحمر الدولي لنجدة المصابين». واوضح «ان آخر المعلومات افادت عن اصابة عدد من المدنيين بجروح طفيفة، سواء بسبب تطاير الشظايا او الحجارة من الابنية التي تقصف». وأضاف «أن هناك صعوبة في الاتصال بالفريق الطبي والمدنيين داخل المخيم. الا ان المدنيين يختبئون في الطبقات السفلى من الأبنية، ولا يغادرون أماكنهم، فلا يعرف الجار ما يصيب جاره بسبب كثافة النيران». عن عدد هؤلاء المدنيين يقول الأسعد: «الارقام ليست واضحة. البعض يقدرهم بخمسة آلاف على ابعد تقدير. والبعض الآخر يتحدث عن ثمانية آلاف الى تسعة آلاف. وخلال الهدنة السابقة كنا تمكنا من ادخال بعض المواد التموينية اليهم، من خبر وماء واغذية معلبة. ولكن بطريقة بطيئة نتيجة صعوبة التواصل بين داخل المخيم وخارجه». ويوضح «أن الجيش اللبناني يسهل خروج المدنيين من المنطقة التي يسيطر عليها. لكن الخطر عليهم في المناطق الاخرى كبير». وناشد عضو «رابطة علماء فلسطين» الشيخ محمد الحاج في تصريح من مخيم البداوي، المسؤولين «افساح المجال امام قيام هدنة في مخيم نهر البارد، تبدأ من الثالثة من بعد ظهر اليوم (السبت) وتمتد حتى السابعة مساء، من اجل ادخال المؤن واجلاء الجرحى والمدنيين ودفن القتلى، وتقديم الخدمات الطبية والانسانية العاجلة في المخيم». واشار الحاج «ان الهدنة الموقته تم التوافق عليها مع مجموعة من علماء طرابلس بعد الاجتماع، وانه تجري اتصالات مع الجيش اللبناني و«فتح الاسلام» من اجل التوصل الى ارسائها». أما عن وضع النازحين في مخيم البداوي، فيقول الدكتور محمد عثمان: «مشكلتنا الأساسية هي الاكتظاظ السكاني. والشباب المراهقون يوترون الاجواء لأنهم يشعرون بالفراغ. وكما يقول المثل: الفاضي قاضي». كذلك اشار الى «نقص في أدوية الأمراض المزمنة. ووزارة الصحة اللبنانية ارسلت كميات معقولة من الادوية». ويضيف: «رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة يعمل على ايجاد حل سريع لمشكلة السكان، وذلك حفاظا على كرامة النازحين وامانهم الصحي والنفسي». الدكتور يوسف الاسعد يعرض المشاكل التي تتطلب معالجة سريعة، يقول: «المشاكل تضاعفت، لا سيما مع ارتفاع الحرارة وقلة المياه، ما يؤدي الى اصابة الناس بامراض جلدية. والاكتظاظ الخانق، حيث يوضع كل اربعين شخصا في غرفة واحدة، يسبب انتقال العدوى لأي التهاب. وهناك نقص في المواد الغذائية بسبب سوء التنسيق بين المؤسسات العاملة على الارض. اما النقص الكبير فهو في الملابس لأن غالبية النازحين خرجوا بملابسهم من دون ان يحملوا حتى مالا او اوراقا ثبوتية. ومن يملك المال اشترى ما يلزمه، اما الآخرون فيحتاجون الى الثياب، لأن الامر يتعلق بالنظافة ويمكن ان يؤدي الى مشكلة بيئية». لكن حل مشكلة الاكتظاظ لا يقتصر فقط على ايجاد الامكنة المتوفرة لاستيعاب عدد من النازحين، فقد اصدرت اللجنة الاهلية في مخيم نهر البارد بيانا قالت فيه «جاءنا الى مخيم البداوي وفد من منظمات دولية نتحفظ اليوم عن تسميتها، عرضوا علينا الانتقال من مخيم البداوي في أسرع وقت، وطرحوا ان ينقلوا العائلات النازحة الى معرض رشيد كرامي الدولي او الملعب البلدي، وعرضوا علينا بناء مراكز جاهزة لجميع العائلات بسرعة كبيرة، وعلى نفقة المنظمات الدولية والدول المانحة. اننا نعلن ذلك للرأي العام ونعلن رفضنا لهذا العرض، ونحن نتخوف من أبعاد هذا العرض وأهدافه، ونتساءل هل نحن امام مشاريع توطين جديدة او امام مشاريع تهجير جديدة، وهل نحن امام مرحلة عنوانها إزالة مخيم نهر البارد لتبدأ رحلة تشرد فلسطينية. اننا نضع هذه المعلومات امام السلطات اللبنانية وامام الفصائل الفلسطينية كي يتحملوا مسؤوليتهم، لأننا نؤكد اننا لن نغادر مخيم البداوي الى اي مكان غير مخيم نهر البارد»