غداة الحرب ضد العراق أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش بكل فخر انه' رئيس الحرب' واليوم يحصل آل جور نائب الرئيس السابق بيل كلينتون وغريمه الديمقراطي الذي هزم أمامه قهرا في انتخابات الرئاسة عام2000 علي' جائزة نوبل للسلام' ليستمر الصراع السياسي بين الغريمين ما بين الحرب والسلام . ويتردد مرة أخري اسم آل جور في ساحة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن الحزب الديمقراطي ويتصاعد السؤال: هل سيرشح نفسه مرة أخري ليصبح' رئيس السلام' بعد أن لقبه بوش الأب باسم' رجل الأوزون' فقد حصل آل جور علي نوبل للسلام بعد حملته الدولية التي خاضها منذ أكثر من25 عاما من اجل الحفاظ علي البيئة أصدر خلالها كتابين: الاول بعنوان' الأرض في الميزان' والثاني بعنوان:' الحقيقة المحرجة' وفيلما وثائقيا مخيفا بنفس العنوان عن مدي التدهور الذي أصاب البيئة من صنع الإنسان حصل عليه علي جائزة الأوسكار في حفل الأوسكار الأخير ويحذر آل جور في كتابيه وفيلمه من مخاطر ارتفاع درجات حرارة الأرض' الاحتباس الحراري' ويدعوالعالم الي مواجهة الأزمة التي وصفها في كلمته في حفل الأوسكار بأنها' قضية أخلاقية'. وان كان نشاط آل جور في مجال البيئة قد بدأ عمليا منذ عام2000 أي بعد أن قررت المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام بوش إلا أن توجهه في هذا المجال كان قد بدأ فعليا منذ أكثر من25 عاما فقد بدأ كتابه' الأرض في الميزان' في عام1989 وانتهي منه في عام1991 وأعاد نشره في العام الماضي. يقول آل جور في كتابه كيف انه في عام1992 بدأ يعرف في الساحة السياسية بأنه' رجل الأوزون' وهي الصفة التي أضفاها عليه بوش الأب في انتخابات عام1992 بشكل ساخر ولكن في حقيقة الأمر يقول جور أن فكره بشأن الدفاع عن الأرض والبيئة كان قد تطور وتأكد منذ تلك الفترة وأصبحت تلك القضية هي أجندته الرئيسية خلال سنوات البيت الأبيض التي تولي فيها منصب نائب الرئيس والتي امتدت ثماني سنوات:1992-2000. ويطرح آل جور حقائق أساسية يجب أن ندركها أساسها هي أن الأبحاث العلمية أثبتت أن الاحتباس الحراري مشكلة موجودة بالفعل وأنها تسوء بسرعة وأن السبب فيها هوالإنسان والحقيقة الثانية هي أن علينا العمل الآن وبسرعة حتي نتجنب أسوأ النتائج. ولكن أهم من كل شئ أخر فان الحقيقة الثالثة تؤكد أن الوقت لم يفت بعد للعمل من اجل إنقاذ الكون. صدام الإنسان بالطبيعة: أهم شئ أكده مؤتمر البيئة الذي عقد في بداية العام الحالي في باريس أن الإنسان يتحمل المسئولية الرئيسية في التدهور الذي آل إليه كوكب الأرض وهي الحقيقة التي حاول رجال الأعمال الكبار إقناع العلماء بضرورة إخفاءها. ويري آل جور أن سبب التدهور البيئي يرجع الي الإنسان ويعكس تحولا جذريا في العلاقة بينه وبين الأرض. وفي رأي جور أن هذا التحول وقع بسبب تضافر عدة عوامل مهمة هي أولا تضاعف سكان الأرض أربع مرات خلال مئة عام فقط ومن المنتظر أن نصل الي تسعة مليارات نسمة خلال جيل واحد والعامل الثاني هوالتطور التقني الذي أصبح متاحا وأدي الي تضخيم تأثير كل فرد علي الطبيعة آلاف المرات ليصبح الإنسان مثل' الثور الذي يسير في متجر للزجاج' وأخيرا فان العامل الثالث يكمن في تفكيرنا قصير المدي اهتمامنا بالربح المادي السريع ليس فقط علي مستوي الفرد ولكن أيضا علي مستوي السوق والاقتصاد مما دفع السياسيين الي استبعاد القرارات السياسية التي لها نتائج طويلة المدي. يقول آل جور إن ما حدث لا يمكن وصفه ب' العلاقة' بين الإنسان والطبيعة ولكنها في حقيقة الأمر' صدام' بينهما توقعه العلماء ولكن لم يعر السياسيون له اهتماما واستمر التدهور من فعل الإنسان ليصل مستوي ثاني أوكسيد الكربون في الكون اليوم الي أعلي مستوي له منذ650 ألف عام. المخاطر التي تحيق بنا: كان علي آل جور أن يخيف الإنسان من نتاج أفعاله عليه وعلي البشرية عامة لان العلماء دقوا ناقوس الخطر وأكدوا أن عدم التدخل لوقف تدهور الكون وخفض معدلات التلوث في المناخ قد يؤدي الي أن نصل الي نقطة اللا عودة خلال عشر سنوات فقط!!! فان الدراسات التي ينشرها العلماء في كل مكان منذ سنوات تؤكد تلك المخاطر واكتملت الصورة أخيرا: فقد نشرت مجلة' نيتشر' دراسة في سبتمبر عام2005 تخلص الي عدة نقاط: أولا: أن ارتفاع نسبة ثاني اوكسيد الكربون في الجو يؤدي الي انخفاض مستويات الهيدروجين في المحيط مما يؤدي الي زيادة الحموضة فيه. وفي حالة استمرار هذا التوجه فان الأحياء المائية الأساسية مثل الأعشاب المرجانية وقاع المحيطات التي ينتج عنها الطعام البحري لن تستطيع بناء هيكل الكالسيوم. وتؤكد الدراسة أن تلك النتائج قد تتحقق خلال بضع عشرات من السنين وليس بضع مئات كما كان متوقعا. ثانيا: التغييرات في المناخ التي نشهدها الآن ستعمل علي ارتفاع درجات حرارة مياه المحيط مما يؤدي الي إثارة الطاقة المدمرة والتي تخرج في شكل أعاصير. وتحذر دراسة أخري من أن قمم الثلوج في أوروبا سوف تختفي مع نهاية القرن الحالي, بينما تؤكد دراسات أخري تزايد الحرائق في الغابات خاصة في منطقة الغرب الامريكي وذلك بسبب بدء الصيف مبكرا واستمراره وقتا أطول مما يؤدي الي تزايد جفاف الأشجار. وأكثر الدراسات خطورة تلك التي نشرتها وكالة ناسا الأمريكية والتي تشير الي أن شرائح الثلوج في منطقة جرينلاند في القطب الشمالي باتت اقل سمكا مما كان متوقعا. ومع تلك المعلومات أضيف تزايد عدد تعرض القطب الشمالي الي زلازل تصل قوتها الي ما بين4 و5 درجات علي مقياس ريختر بالإضافة الي سقوط طبقات ثلجية ضخمة تصل حجمها الي حجم جزيرة رودس في شبه جزيرة في القطب الجنوبي وتزايد القلق حول مصير شرائح الثلج في منطقة غرب القطب الجنوبي. وفي كلا الحالتين فان ذلك سيؤدي الي ارتفاع معدلات المياه في البحار في كل أنحاء الكون بنحو20 قدما. المصلحة فوق كل شيء: تصور آل جور أن السياسيين أدركوا حجم المشكلة وسوف يعملون علي مواجهة نتائجها ولكن رفض الكونجرس الامريكي الاهتمام جديا باتفاقية كيوتوورفض التصويت علي اقتراحات عديدة حول رفع الضرائب علي المصانع التي تسبب في انبعاث الغاز. وبعد انتخاب بوش الابن في عام2000 قام هو ونائبه ديك تشيني بقيادة البلاد في الطريق المعاكس تماما لطريق حماية البيئة, ففي عام2001 أعلنت الإدارة الأمريكية أن الولاياتالمتحدة لن تواصل المفاوضات حول بروتوكول كيوتو. وبعد ذلك قررت الولاياتالمتحدة سحب تأييدها للدكتور بوب واتسون الذي رأس لسنوات عديدة' هيئة الحكومات حول التغيير المناخي' وأيدت ترشيح شخصية أخري أكثر قربا من عالم الصناعة لرئاسة تلك الهيئة العالمية. ولم تتضح الأسباب في ذلك التغيير إلا فيما بعد عندما تكشف أن شركة اكسون موبيل للبترول هي التي طلبت من الولاياتالمتحدة تغيير واتسون. وفي فبراير عام2004 قام أكثر من ستين عالم من كبار علماء الولاياتالمتحدة في جميع المجالات البحثية والأكاديمية بالتوقيع علي بيان أعربوا فيه عن قلقهم البالغ إزاء سوء استخدام العلوم من جانب البيت الأبيض وإدارة بوش والأضرار التي لحقت بمجالات عديدة بسبب تغيير المناخ من تسمم الأطفال الي الأضرار الصحية عامة. وذكر البيان:' أن التشويه الذي تعرضت له' المعرفة العلمية' لمصلحة السياسيين الحزبية يجب أن يتوقف فورا.' مهمة جيل: يجب ألا نفقد الأمل وفي كتاب آل جور الأخير يؤكد الحائز علي جائزة نوبل للسلام أن احد أهم الدلالات علي تحقيق تقدم في مجال الدفاع عن البيئة منذ عام1992 كان الاستجابة الكبيرة التي قام بها القطاع الخاص للإنذارات التي أطلقتها الأسواق والتي كانت نتيجة لمبادرات جديدة منها' المبادرة الإقليمية لتأثير الصوبات' في منطقة الشمال الشرقي للولايات المتحدة واتفاقية المناخ بين حكام الولاياتالغربية وغيرها من المبادرات. كما قامت أكثر من40 شركة منها شركة بوينج وأي بي أم بالانضمام الي' مجلس الأعمال للقادة البيئيين' وبالالتزام بسلسلة من الإجراءات التي تهدف الي مواجهة التغيير في المناخ منها خفض نسبة انبعاث الغاز المتسبب في الاحتباس الحراري واتخاذ إجراءات جديدة نحو معالجة الطاقة والاستثمار في الأبحاث في مجال الكربون والغاز. وصف آل جور عمله في مجال البيئة بأنه' مهمة جيل' هدفها' أخلاقي نبيل' لان المشكلة تهم الكون كله والأجيال القادمة كلها وقال آل جور:' إننا نملك اليوم كل الأدوات التي تسمح لنا بحل تلك المشكلة ولم يبق إلا الرغبة السياسية التي نحتاجها من اجل تحقيق التغيير'. ويظهر السؤال الملح: هل إذا رشح آل جور نفسه للرئاسة الأمريكية في انتخابات2008 ونجح سيستمر في مهمته تلك وتكتمل النية بالرغبة السياسية أم سيرضخ تحت ضغوط القوي الاقتصادية الكبري.