منذ تصنيف سوريا وإيران ضمن الدول المارقة، والعلاقات بين دمشق وطهران تشهد نمواً متسارعاً وغير مسبوق على كافة الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية وعكست الزيارات المتبادلة لكبار المسؤولين في البلدين حجوم النمو والتنسيق فى علاقاتهما، وقد تزايدت هذه الزيارات فى الفترة الأخيرة بسبب العزلة الدولية المفروضة على كلا البلدين وتحولت دمشق وطهران إلى محطات رئيسية لانطلاق المسؤولين فى البلدين إلى جولاتهم الخارجية المحدودة. وتكتسب زيارة الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد لدمشق أهمية خاصة نظراً للظروف الدولية والإقليمية التى تمر بها البلدان، وكذلك الملفات العالقة فى سجل البلدين مع قوى دولية وإقليمية مثل علاقة البلدين بالأوضاع فى لبنان والعراق وفلسطين، علاوة على ملف علاقات دمشق وطهران مع الولاياتالمتحدة بصفه عامة، واعتاد الرئيسان بشار الأسد وأحمدى نجاد تبادل الزيارات كلما تزايدت الضغوط على كلا البلدين بهدف تقديم الدعم والمساندة وإبراز التحالف الخفى بينهما فى مواجهة ضغوط الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتأتى زيارة الرئيس أحمدى نجاد الثانية لدمشق فى ظل معطيات جديدة تمر بها سوريا حيث يبدأ الرئيس السورى بشار الأسد ولايته الثانية والتى بدأها بتدشين عدة قرارات سياسية واقتصادية فى مقدمتها قرار الرئيس بشار بإنشاء مجلس للشورى وإطلاق قانون الأحزاب السياسية . وعلى الصعيد الاقتصادى أعلن الرئيس بشار الأسد عزمه على الاستمرار فى سياسة الإصلاح الهيكلى للاقتصاد السورى والتوسع فى سياسة الخصخصة وفتح آفاق الاستثمار أمام المستثمرين الأجانب ويأتى فى مقدمتها الاستثمارات الإيرانية بعد تراجع الاستثمارات العربية فى سوريا. كما تأتى زيارة الرئيس أحمدى نجاد على خلفية تواتر الحديث عن مباحثات سرية بين سوريا وإسرائيل تحت رعاية تركية, وكذلك الاشارات التى حملها خطاب الرئيس بشار فى الاحتفال بولايته الجديدة ، وهذه القضية تتخذ إيران منها مواقف قد تتقاطع مع مواقف سوريا، ومثل هذه الزيارة سوف تركز بشكل أساسى على قضية المفاوضات بين سوريا وإسرائيل وعلى ضوء مباحثات نجاد الأسد سيتم الإعلان عن توقيت بدء المفاوضات العلنية بين سوريا وإسرائيل ، وسبق الحديث عن المباحثات السرية بين سوريا وإسرائيل مقابل دخان «للتعتيم» على هذه المفاوضات السرية, حيث شهدت الصحافة الإسرائيلية أحاديث متكررة عن الحرب على سوريا واستعدادات دمشق لهذه الحرب من خلال تكوين ترسانة صواريخ كانت هناك اشارات على شرائها من إيران. وعلى الصعيد الإيرانى فإن زيارة الرئيس أحمدى نجاد لسوريا وهى الزيارة الثانية منذ توليه منصب الرئيس ، تأتى على خلفية ملف إيران النووى المتأزم مع الغرب وتسعى إيران إلى إبراز متانة تحالفها مع سوريا، وإبراز استمرار هذا التحالف فى مواجهة الضغوط الأمريكية, وأنهما قادران على التأثير وبقوة فى التفاعلات الإقليمية خاصة فى لبنان والعراق،وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توافقاً وتنسيقاً كبيراً فى مواقف البلدين تجاه الأزمات الإقليمية المتصاعدة فى فضاء الدولتين ، وتتبنى الدولتان موقفاً موحداً تجاه العراق حيث تعارضان الوجود الأمريكى فى العراق وتطالبان بالإنسحاب الأمريكى من بلاد الرافدين كخطوة أولى نحو إعادة الاستقرار فى العراق ، كما تعارضان إيضاً أى مساس لوحدة العراق أرضاً وشعبا, ورفض قيام دولة كردية فى شمال العراق، وتعارض الدولتان وجود أية وصاية خارجية على لبنان مع تأييدهما للحوار المباشر وغير المشروط بين الأطراف اللبنانية لإقامة حكومة وحدة وطنية حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية جديدة فى لبنان مع الالتزام بدعم حزب الله واحتفاظه باسلحته حتى يتم إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى اللبنانية فى مزارع شبعا. وكان نمو العلاقات بين دمشق وطهران قد أثر سلبياً على علاقات سوريا مع بعض العواصم العربية، فقد شهدت علاقات دمشق والقاهرة فتوراً ملحوظاً فى الفترة الأخيرة ولاسيما منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد حزب الله ، وكانت سوريا ترى أن العواصم العربية لم تساندها بالصورة الكافية لمواجهة الضغوط الخارجية واتهام دمشق بالتورط فى عمليات الاغتيال فى لبنان, وخاصة اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى وهو ما دفعها إلى وضع كل « البيض» فى السلة الإيرانية, وأخيراً هناك معطيات تشير إلى أن هناك محاولات غربية لقطع «الحبل السرى « بين سوريا وإيران وإخراج سوريا من الاحضان الإيرانية حتى يتم إحكام السيطرة على إيران وفرض عزلة دولية وعقوبات اقتصادية ما لم توقف برنامجها النووى.